عجز مزارعو غولميت عن بيع البطاطا بعد انزلاق تربة تسبب بتشكل بحيرة اصطناعية ضخمة عزلتهم عن العالم الا انهم وجدوا طريقة جديدة لتنويع مصادر دخلهم من خلال ربط منطقتهم الواقعة في احدى اودية جبال الهملايا في اقصى شمال باكستان بالانترنت.
ففي المنطقة الواقعة بين جبلين شاهقين يبلغ ارتفاعهما ثمانية الاف متر تقريبا ينبش مزارعون الارض لاخراج البطاطا المعروفة بجودتها في حين يعمل كريم أسلم على بعد امتار قليلة امام حاسوب موصول بهوائي كبير.
فهذا الرجل الثلاثيني يحمل تسجيلات صوتية مرسلة من الولايات المتحدة وهي تشخصيات اطباء في ولاية تينيسي لحالات مرضى باللغة الانكليزية ويقوم بتفريغ محتوياتها وتدوينها وارسالها مجددا.
ويشكل هذا النشاط ثورة في بلدة غولميت الوادعة البالغ عدد سكانها ثلاثة الاف نسمة، والتي تمتد حقول البطاطا فيها على سفوح جبال شمال الهند قرب الحدود مع الصين.
ويوضح كريم الذي عثر على هذا العمل الجديد عبر الانترنت من خلال الاتصال بشركة محلية تعمل لصالح الاميركيين من كراتشي (جنوب) على الجانب الاخر من البلاد "البطاطا منتج موسمي ! في حين ان التفريغ والتدوين يؤمن لي دخلا سنويا متواصلا".
وقد وصل الى وتيرة سريعة في تفريغ هذه التسجيلات موضحا "في البداية كنت افرغ 30 دقيقة في اليوم اما الان فافرغ 120 الى 150 دقيقة بشكل وسطي".
ويؤمن له هذا العمل حوالى 400 دولار شهريا هو مبلغ مهم مقارنة مع اجور المزارعين المحليين الضئيلة.
- بحيرة اصطناعية وعزلة -
ويكثر هذا النوع من العمل منذ سنوات في شبه القارة الهندية الا ان هذه البلدة الواقعة على ارتفاع 2400 متر لم تكن مشمولة به الى حين وقوع حادث انزلاق التربة العام 2010.
وادى انهيار التربة الى حبس مياه نهر هونزا مخلفا بحيرة اتاباد الاصطناعية التي عزلت غولميت وبلدات تقع الى شمالها عن بقية مناطق باكستان. وقد انهارت تجارة البطاطا في البلدة لعدم توافر اسواق سهلة لها وبات سعرها عاليا بسبب كلفة النقل في عبارات على البحيرة.
لذا اضطر السكان الى ايجاد نشاط اخر. وقد وصلت غولميت الى الانترنت بفضل طموح شبابها الراغبين بالالتحاق بركب الاقتصاد الرقمي الجديد والامكانات الكثيرة التي يتيحها.
الا ان العائق الاساسي كان ان البلدة تفتقر الى شبكة هواتف ثابتة ولا يمكنها تاليا الاتصال بالانترنت. فمولت اطراف اوروبية مانحة عبر المنظمة غير الحكومية المحلية "كادو" انشاء مركز تدريب صغير على التكنولوجيا الرقمية فضلا عن شراء حواسيب محمولة ومد خط اتصال عبر الاقمار الاصطناعية. وفي منتصف العام 2012 حل الانترنت على بلدة غولميت.
وتقول انيلا حكيم البالغة 18 عاما والتي تدربت محليا على تكنولوجيا المعلومات "الامر لا يصدق! فقبل توافر امكانية الوصول الى شبكة الانترنت لم نكن نعرف ما كان يجري في بلادنا وخارجها".
- العودة الى زرع البطاطا؟ -
الا ان الوضع تغير هذا الصيف مع توقف التمويل الاجنبي للمشروع. وقد اصبح "مركز المعلوماتية" في غولميت مهجورا فيما توقف تلاميذ المدرسة الثانوية عن النزول عند انتهاء الصفوف للتواصل مع العالم فيه.
كريم هو الوحيد بين سكان البلدة الذي لا يزال موصولا بالانترنت. الا انه يدفع اشتراكا باهظا عبر الاقمار الاطصناعية يراوح بين 150 و200 دولار شهريا "انه مبلغ عال جدا" مقارنة بالمعايير المحلية.
ويوضح الشاب "لو كان الاتصال بالشبكة اسهل لدربت مفرغين اخرين ولكنا تمكنا من العمل لعدد اكبر من الزبائن في الولايات المتحدة وكندا".
وتسعى منظمة "كادو" الى ايجاد مصادر تمويل جديدة محلية او اجنبية لاطلاق الانترنت عبر الاقمار الاصطناعية مجددا بانتظار مد خطوط هاتف ارضية على ما اوضح المدير المحلي للمشروع عبد الواحد.
اما منتجو البطاطا فهم يبتسمون مجددا. فخلال الصيف الماضي انهى الصينيون الذين يكثرون من استثماراتهم في باكستان، بناء نفق يمتد على سبعة كيلومترات يسمح بالالتفاف على بحير اتاباد واعادة فتح الطريق التي تربط غولميت بمناطق البلاد الاخرى.
ويقول عبد الواحد "كنا ننتج البطاطا ومن ثم بدأنا كسب المال عبر الانترنت. اما اليوم فسنعود الى البطاطا".
الا انه يحافظ على تفاؤله ويقول "في يوم من الايام سننجح ببيع انتاجنا من البطاطا عبر الانترنت".
أرسل تعليقك