لندن - سليم كرم
تُنظَم مجلة "فوغ" معرضًا بمناسبة مرور 100 عامًا على تأسيسها في "ناشونال بورتريت" في العاصمة البريطانية لندن، تكريمًا لهذه المناسبة، وأول ما يلفت الانتباه في المعرض هي صورة كيت موس التي التقطتها المجلة في عام 2009 وهي تقف أمام جدار ملون وبجانبها كرسي رث ومصباح، فيما هي ترفع تنورتها الوردية حتى خصرها. واستوحيت صورة موس التي التقطها المصور ماريو تيستينو من أحد لوحات عصر النهضة، وخصوصا مع التناقضات بين النظرة الانثوية لها والحذاء العسكري الذي ترتديه، وهي خليط غير مستقر من الابتذال والرقي والكبر والضعف، وتجسد كيف يشعر معظم الناس العاديين حول صناعة الأزياء.
وتثير الصورة ضجة كبيرة في نفس الشخص حول أنه في مكان ما وفي وقت ما أحدهم يحظى بالكثير من الضحك على حسابنا، في ظل هذا الهوس في الموضة والازياء، وطالما اعتبرت المجلة بالنسبة للمشاهير مكانا ليلمعوا أنفسهم، وبالنسبة للناس العاديين مجلة يقضون بها الوقت في انتظار القطار أو في عيادة الطبيب، ولكن المعرض يأخذ الجميع الى أبعاد مختلفة تماما.
ويصبح الامر في المعرض مسألة السجل التاريخي والرصد الاجتماعي والجدول الزمني ليس فقط للأذواق المتغيرة في الملابس ولكن في عادات الناس ومواقفها، وكان هذا هدف مجلة فوغ البريطانية، التي ظهرت للنور في أول مرة في أيلول/سبتمبر 1916، تلاها الصعود الكبير في العشرينات تحت مع رئيسة التحرير دورثي تود، لتحقق نجاحات هائلة تحت قيادة الكسندرا شولمان التي هي على رأس عملها منذ عام 1992 وحتى اليوم، في أطول خدمة كرئيسة تحرير للمجلة.
وتعرض فوغ في معرضها مجموعات الازياء المتقلبة التي مررتها عبر السنين، الى جانب مقابلات المشاهير والكتاب المثيرة للإعجاب والانتقائية في ذات الوقت مثل تالولاه بانكهد، وكينغسلي أميس، وألفريد هيتشكوك، وإليزابيث باوز ليون، وشارلي شابلن، وألدوس هكسلي، على سبيل المثال لا الحصر، والمصورين مثل سنودون وبيتون وتيستينو ودونوفان وباركنسون وأول مصور للمجلة البارون أدولف دي ماير، والكثير من الأسماء الأخرى. وتضم القائمة العارضة الاميركية السابقة لي ميلر التي أصبحت مصورة الحرب للمجلة أثناء الحرب العالمية الثانية التي استطاعت توثيق فظائه النازية، ويرى المعرض الاختلاف في تركيز المجلة من حقبة لحقبة أخرى.
وتقدَم كل غرفة في المعرض عقدا مختلفة من عمر المجلة، لتعطي الناس فكرة عن التغير الثقافي والاجتماعي للمجلة خلال القرن من خلال الموضة والشهرة، وكما تغيرت الموضة من سنة لأخرى، تغير تكنولوجيا فوغ في التصوير والإضاءة واستخدام الفوتوشوب، ليصبح الجمال والشكل دائما في الصدارة.
ويعطي ماضي المجلة شعورا أكثر واقعية وأقل تصنع، ففي الماضي كانت المجلة تركز أكثر على الازياء من المشاهيرة، وكان لافتا للانتباه في القرن الـ 21 أن المجلة ركزت على الشخصيات المشهورة مثل كيت موس ولارا ستون وكارا ديليفين، وأخريات. ولا تقدم هذه الصور أي اضافة مفيدة للمشاهد، فهي لا تتعلق بالموضة بل بمجرد تصريحات لشخصيات مشهورة، تبدو سطحية ومغرورة ومهمتها ملئ الفضاء الثقافي الخالي من الأفكار، ومع مرور الوقت بدأ الغرور ينحصر وأصبحت صور الازياء ترى أكثر في المجلة.
وتوحي صورة لليندا ايفانجليستا رؤية كارتونية عن أناقة الخمسينات بالأخضر والبنفسجي التقطت في عام 1991، الى جانب صور رونالد تارجير لعام 1967، وصور نورمان باركنسون وزوجته العارضة ويندا لعام 1951 التي تمثل الاناقة المذهلة والبسيطة، وتعتبر هذه الصور شاهدا على الرومانسية والأمل في علاقة هذان الزوجان. وتعتبر حقبة الأربعينات هي الأفضل في صور فوغ التي ركزت بالغالب على اللون الاحمر، بالرغم من أن الصور صغيرة إلا أن محتواها كان كبير، وهو العصر الذي اشتهر فيه ترومان كابوت وسيسيل بيتون.
وتحتوي الغرفة على سلسلة صور لطياري الحرب، ورسومات كارل اريكسون التي تعود لعام 1944 تحت عنوان "أزياء مشرقة لأيام مظلمة". وهي رسومات ملفتة للانتباه، وتميزت صور فوغ في هذه الحقبة على النقيض من السنوات الاخيرة بظهور عنصر القبعة والقفازات بكثرة والتي يمكن ارتدائها في كل المناسبات، وهو أمر بالتأكيد يعكس أذواق الناس في ذلك الوقت.
ويعزى تذبذب مفاهيم "فوغ" الى غرق هذا النوع من الصحافة في البحث عن الجديد دوما، ليحل هذا محل الابداع والقيم الفنية والمواقف، مع مخاوف كثيرة تعلق بالتكلفة والرفاه وحول المناسب للعرض، ولا تعتبر الملابس والموضة والأزياء أمرا تافها فهي مصدر من الكرامة والإنسانية والتعقل، إلا أن مثل هذه المفاهيم فقدت في القرن الـ 21، وأتي هذا المعرض ليعيد للجميع الحنين للسنوات الماضية حول الموضة وحقيقتها وأهميته.
أرسل تعليقك