اتهمت دمشق تركيا بـ"توسيع احتلالها" لمناطق داخل سورية، وسط تقارير تدَّعي بأن العشرات من المدنيين قد قتلوا خلال إبعاد قوات "داعش"، من أراضيها، وطرد المسلحين الذين تدعمهم تركيا القوات الكردية الحليفة لأميركا من عدد من المدن والقرى في شمالي سورية، في الوقت الذي تعمل فيه أنقرة على ابعاد المتشددين إلى شرق نهر الفرات. وقتل على الأقل 35 مدنيًا في الاشتباكات، فيما أدان "حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي" ما وصفه بالصمت الدولي إتجاه "الاحتلال التركي" لسورية.
ووصل التدخل التركي في الحرب الأهلية السورية إلى ذروته الأسبوع الماضي، إذ تهدف تركيا الى دعم محاولة مسلحي المعارضة السورية لطرد "داعش" خارج حدود مدينة جرابلس. ولكن الدعم موجه أيضا ضد القوات التركية المدعومة من أميركا التي تسيطر في الشهور الأخيرة على معظم المناطق الحدودية لسورية مع تركيا.
وتواجه تركيا، المتحالفة مع حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وكيل أميركا في الحرب الذي يعد القوة الأبرز على الأرض في مواجهة "داعش" خلال الحرب الأهلية السورية. ووصف "البنتاغون" الاشتباكات بين القوات التركية والكردية في سورية بـ"غير المقبولة"، ودعا جميع الأطراف "لوقفها".
وأدان المتحدث باسم البنتاغون بيتر كوك القتال الدائر في جنوب مدينة جرابلس، بقوله: "لقد فحصنا عن قرب أخبار الاشتباكات التي تدور جنوب جرابلس، حيث لم يعد تنظيم داعش متواجدا"، وتدور هذه الاشتباكات بين القوات التركية وبعض القوات المعارضة والوحدات التي تنتمي لقوات "سوريا الديمقراطية" المدعومة من الأكراد.
وأضاف: "نريد أن نوضح أننا نرى هذه الاشتباكات غير مقبولة وتعمق التوترات"، مشددا على أن واشنطن "لا تتدخل في هذه الأنشطة ولا تنسقها، ولا تدعمها. فهذه منطقة مليئة بالمعارك، لذا على جميع المسلحين أن يوقفوا هذه المعارك وفورا، وأن يتخذوا التدابير المناسبة للتخلص من الصراع".
ومن ناحيتها، قالت تركيا إنها لم تتدخل في الحرب من خلال توغلها في شمالي سورية، وليس لديها النية لتصبح قوة دائمة هناك. ونقلت إذاعة "أن تي في" عن رئيس الوزراء نعمان كورتولموش قوله: "تركيا ليست دولة احتلال، ولا تتدخل في الحرب. وكل طرف هناك بما فيهم الحكومة السورية، على علم بعملية درع الفرات. وسوريا أخبرتهم بذلك، ونحن متأكدون من ذلك".
وقتل جندي تركي بصاروخ كردي في وقت متأخر من مساء السبت، وهي الخسارة الأولى لتركيا منذ عمليتها التي أطلقتها يوم 24 أغسطس/آب. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مؤتمر حاشد في المدينة الحدودية غازي عنتاب، إن جيشه ملتزم بمواجهة الإرهاب في سورية والعراق، مشيرًا إلى عزم تركيا لـ"اقتلاع جذور" الجماعة الكردية السورية التي وصفها بالإرهابية. ولكنه لم يحدد هدفا لمواجهة القوات التركية.
وتركيا جزء من التحالف الذي تقوده أميركا للحرب على "داعش"، ولكن الضربات الجوية التي بدأت يوم السبت تشير إلى أنها تستهدف القوات الكردية في سورية. وأضاف أردوغان: "سندعم كل السبل لتطهير سوريا والعراق من داعش، في جرابلس، وأيضا في بعشيقة في العراق. وإذا لزم الأمر، فلن نخجل من تحمل المسؤولية بنفس الطريقة في مناطق أخرى".
وتتمركز القوات التركية في بعشيقة في شمالي العراق، وليس من الواضح إذا كان بإشارته لجرابلس يعني نيته تمركز قوته هناك. ثم حول أردوغان تركيزه إلى حزب الاتحاد الكردي السوري، بقوله: "ونحن ملتزمون بموقفنا إزاء حزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السوري للمنظمة الإرهابية الانفصالية"، مضيفا أن تركيا ترى هذا الحزب والميلشيات التابعة له التي تشكل العمود الفقري لقوات "سوريا الديمقراطية" المدعومة من أميركا، امتدادا الى حركة التمرد الكردية التي تعمل في الجنوب الشرقي لتركيا. وقال: "سنستمر في اقتلاع هذا التنظيم الإرهابي".
وأعلن المتحدث باسم جماعة معارضة سورية بأن الهجمات التي تدعمها تركيا ستستمر جنوب جرابلس لتطهيرها من داعش والقوات الكردية. كما تعهدت قيادات تركية بدفع كل من داعش ووحدات الحماية الكردية بعيدا عن الحدود. وقال الجيش التركي يوم الأحد أن الهجمات الجوية قتلت 15 كرديًا، ودمرت خمسة مبان تستخدمها القوات للرد على الهجمات التي تشنها قوات المعارضة المدعمة من تركيا في جرابلس.
وقالت فصائل مختلفة من القوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا إنها سيطرت على عدد من القرى وأخرجت القوات الكردية منها في جرابلس، بما فيها عمارنة، حيث كان يدور قتال ضارٍ في الأيام الماضية. وأعلن المتحدث باسم جماعة نور الدين الزنكي أن القوات الكردية "يجب أن تنسحب إل شرق الفرات. ونحن نقاتل كل الجماعات الإرهابية، بما فيها (المقاتلون الأكراد).. في كل مناطق الشمال الشرقي من حلب". وقال إن المقاتلين الذين تدعمهم تركيا سيتحركون إلى الجنوب من جرابلس إلى منبج وخارجها.
وفي وقت مبكر من هذا الشهر، عبرت قوات سوريا الديمقراطية الفرات، ودفعت داعش خارج منبج، مركز الإمداد الرئيس في جنوب جرابلس، بعد حملة استمرت 10 أسابيع. وكل من تركيا وأميركا أمرتا ميلشيات وحدات حماية الشعب بالانسحاب إلى الضفة الشرقية من النهر. وقالت القيادات الكردية إنها قامت بذلك، ولكن وحداتها تستشير قوات سوريا الديمقراطية، ولا يبدو أن هناك استمرارًا لهم في غرب الفرات.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتخذ من بريطانيا مركزا له إن هجومًا خلف على الأقل 20 قتيلا من المدنيين وأربع من المقاتلين الأكراد في قرية بئر كوسا، وهي قريبة تبعد مسافة تسعة أميال جنوب جرابلس، و15 أخرين في قرية غرب جرابلس.
وقال المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية شرفين دارويش إن الهجمات الجوية والقصف بدأ عشية يوم الأحد واستمر طوال اليوم على خط الجبهة، ما أسفر عن مقتل العديد من المدنيين في بئر كوسا والمناطق القريبة منها. وقال إن القصف استهدف أيضا عمارنة، وكانت تشارك 50 دبابة تركية في هذا.
وأدان حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الهجوم على المدينة، وما أسماه أيضا بـ"الصمت الدولي إتجاه الاحتلال التركي لسوريا". وقالت وكالة الانباء السورية "سانا" إن هناك 20 مدنيا قتلوا وجرح 50 آخرون في هجوم تركي جوي ومدفعي، واصفة ذلك بـ"التعدي" على السيادة السورية تحت غطاء مواجهة داعش.
وتركيا داعم رئيس للمعارضين في سورية الذين يهدفون للإطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد، ولكنها تتقاسم مع دمشق القلق بشأن الطموح الكردي لتكوين حكم ذاتي. وجددت القوات السورية قصفها لحي الوعر المحاصر في وسط مدينة حمص، وقال ناشط في حي بيبرس الطوالي إن هناك ما لايقل عن عشر ضربات جوية، أسفرت عن مقتل شخص واحد.
وتعرض الحي لقصف يوم السبت، واشتمل القذف على قنابل حارقة قتلت طفلين، أخ وأخت، ونشرت مواقع التواصل الاجتماعي صورة لطبيب يعالج طفل آخر من الحروق. وكانت المستشفى قد قصفت وتعطل العمل بها في وقت مبكر من هذا الشهر. وقالت منظمة "هيومن رايتس وتش" إنها سجلت استخدام أسلحة حارقة في 18 غارقة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بين يونيو وأغسطس. وألقت اللوم على سوريا وروسيا لاستخدام مثل هذه الأسلحة التي تخرق القانون الدولي.
ويقع حي الوعر تحت الذي يبلغ عدد سكانه 75 ألف تحت الحصار منذ مارس/آذار، وأصبح من الأماكن التي يصعب على الأمم أن تصل إليها، ولكن قافلة مساعدات وصلت للحي يوم 25 أغسطس/آب الماضي. ووفقا للسكان، فإن التصعيد أعقب التهديدات الأخيرة التي تعرض لها الجنود على نقاط التفتيش ما جعل صبر الحكومة السورية على المنطقة التي تعد أخر معقل للمتمردين في المدينة، ينفذ.
وأعقب أيضا إخلاء مدينة داريا، إحدى ضواحي دمشق، كجزء من اتفاق وقع بين الحكومة والمعارضة، بعد حملة القصف والحصار. وطلب المجلس المحلي لحمص من مبعوث الأمم المتحدة لسوريا للتفاوض على هدنة لمدينة الوعر، مدينا "سياسة الحصار" التي تنتهجها الحكومة لإجبار السكان والمقاتلين على الاستسلام.
أرسل تعليقك