تعتبر قضاء حديثة التي تبعد 160 كيلومترًا غرب مدينة الرمادي، مركزًا لمحافظة الأنبار الذي أصبح تعداد السكان فيه أكثر من 130 ألف نسمة بعد أن لجأ إليه أكثر من 30 ألف نازح من مدن وقرى قريبة هربًا من سطوة مسلحي تنظيم" داعش" الذي سيطر على الغالبية العظمى من مدن الأنبار.
وكسبت هذه المدينة أهمية كبيرة لوجود سد حديثة، ثاني أكبر السدود في العراق وأحد أهم مصادر الطاقة الكهربائية في البلد بطاقة إنتاجية قصوى تصل إلى 1050 ميغاواط ويحتوي على 6 محطات توليد كهرومائية، ويحصر السد خلفه مياه نهر الفرات عبر بحيرة القادسية.
وهذه الأهمية البالغة، جعلت مسلحي تنظيم "داعش" يصبون جل اهتمامهم للسيطرة عليه بكل طريقة، إلا أن إصرار الأهالي على الدفاع عن مدينتهم وبمساندة القوات الأمنية العراقية حال دون ذلك.
وحاصر المسلحون الجيش العراقي من كل الجوانب، كان آخرها بالسيطرة على قضاء هيت لقطع الطريق تمامًا بين قضاء هيت ومدينة الرمادي، مما جعل قضاء حديثة معزولًا تمامًا عن بقية مدن الأنبار والعراق.
وأطلق أهالي المدينة نداءات استغاثة وهم يعيشون مأساة حقيقية في ظل انعدام تام للمواد الغذائية والطبية للمدينة المحاصرة.
وذكر رئيس المجلس البلدي لقضاء حديثة المهندس خالد سلمان لـ"الشرق الأوسط" منذ 20 من حزيران/يونيو العام الماضي تعرض قضاء حديثة لسلسلة من الهجمات المتوالية من قبل مسلحي تنظيم "داعش" بغية السيطرة عليه، فيما تصدت لهم القوات الأمنية المتمثلة في قيادة عمليات الجزيرة والبادية والفرقة السابعة وبمساندة كبيرة ومشرفة من قبل أبناء عشائر العبيد والجغايفة والبونمر وعشيرة البومحل.
ووأضاف "بعد أن عجز المسلحون عن دخول قضاء حديثة التجأ إلى طريقة أخرى، وهي السيطرة على قضاء هيت بهدف محاصرة مدينة حديثة وعزلها عن العالم، وبعد ذلك رضوخها لسيطرة المسلحين وتسليم المدينة.. إلا أن أهالي مدينة حديثة وقفوا وقفة مشرفة للدفاع عنها، ولكن عملية عزل المدينة وقطع الطرق بشكل نهائي تسبب في حصار اقتصادي وإنساني خانق".
وأضاف سلمان: "تعاني المدينة من نقص هائل في المواد الغذائية والطبية ومواد الوقود بكل أشكاله: الغاز السائل والنفط والبنزين.. حتى وصلت أسعار بعض المواد إلى 30 ضعف السعر الأصلي حتى تصاعدت صرخات الاستغاثة من قبل الأهالي الذين يعانون من العيش وسط هذه الظروف القاسية والصعبة".
وعن حجم الأضرار التي تعرضت لها المدينة، قال المهندس سلمان: "لقد بلغ حجم الأضرار في البنى التحتية لناحيتي بروانة والحقلانية التي كان يسيطر عليها مسلحو تنظيم داعش لمدة قاربت 3 أشهر قبل عملية استعادتها وتحريرها من قبل القوات الأمنية العراقية وأبناء العشائر..
وبلغت الأضرار فاقت نسبته 30 في المائة من أحياء سكنية ومبان حكومية طالها الدمار، وهناك الكثير من منازل المواطنين ما زالت مفخخة وتحتاج المدينة لجهد هندسي في عملية إزالة العبوات الناسفة التي تركها مسلحو (داعش) مزروعة وسط المناطق المحررة».
وأفاد المواطن أبو محمد 43 عامًا أحد النازحين القادمين من ناحية البوحياة التابعة لقضاء حديثة، قائلًا: "تركنا بيوتنا وجئنا هاربين من سطوة المسلحين بعد دخول تنظيم داعش لمناطقنا، وها نحن الآن نعيش ظروفًا صعبة وقاسية في قضاء حديثة إذ لا نملك المال، ولا أجد موردًا ماديًا أعتاش منه وعائلتي مكونة من 11 فردًا، على الحكومة أن تلتفت إلينا".
وتابع أبو محمد: "فكرت في مغادرة المدينة والاتجاه صوب العاصمة بغداد مع عائلتي، والمنفذ الوحيد لنا هو الاتجاه صوب قاعدة الأسد الجوية، إذ يتزاحم الناس هناك لغرض نقلهم بواسطة المروحيات العسكرية التابعة للقوات العراقية إلى العاصمة بغداد"..
وأردف "وهناك فوجئت بأن البعض يقوم بدفع مبالغ تصل إلى 500 دولار أميركي مقابل إدراج اسمه في قوائم المشمولين بالنقل عبر المروحيات العسكرية.. وعدت بعائلتي لأني أحتاج لمبلغ هائل كي تشملني هذه العملية التي يسيطر عليها فاقدو الذمة والضمير من المتاجرين بأرواح الناس ودمائهم".
وأكدت أم عمر 45 عامًا موظفة في إحدى الدوائر الحكومية ومن سكان أهالي حديثة قائلة "رغم المأساة التي نعيشها وشح المواد الغذائية وانقطاع رواتبنا التي هي مصدر معيشتنا، فإننا صابرون على المحن، ولكن لا بد للحكومة أن تنظر بعين العطف لشعبها في كل مكان، وأن تنقذنا من هذه الحال المزرية.
وأضافت "قبل أيام سقطت قذائف على مدرسة ابتدائية عند خروج الطلاب وقتلت 4 أطفال وأصابت آخرين، مما اضطررنا إلى عدم إرسال أبنائنا لمدارسهم خوفًا على حياتهم.. وهذه مأساة أخرى تضاف لحجم المعاناة التي نواجهها بشكل يومي".
أرسل تعليقك