انفض عرس المؤتمر الاقتصادي "مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد - مصر المستقبل" " بمدينة السلام شرم الشيخ ، بعد أن حقق نتائج إيجابية طيبة على جميع المستويات، فلم يكن المؤتمر مجرد مؤتمر اقتصادي لجذب الاستثمارات والمشروعات الاقتصادية لمصر وحسب، بل امتد أثره ليكون مؤتمرًا سياسيًا بالأساس يعكس سعى مصر لاستعادة مكانتها عالميًا وإقليميًا، إلى جانب وجود قمم عربية وأفريقية مصغرة على هامش المؤتمر، بالإضافة إلى إجماع الحضور على الجانب الأمنى المتمثل فى محاربة الإرهاب.
لكن الدلالة السياسية للمؤتمر هي أفضل ما فيه ، إذ أكد أن مصر مهمة للعالم مثلما هي مهمة للمصريين، وإذا كان لا حياة للمصريين بدون مصر، فلا حياة للعرب بدون مصر، ولا حياة للعالم دون مصر.
وقد أثبت المؤتمر الاقتصادي لدعم مصر صلابة ومتانة وتناسق الموقف الخليجي والالتزام الواضح بدعم القاهرة سياسيا وأمنيا واقتصاديا، ويعكس حجم المساعدات والاستثمارات المقدمة من قبل كل من سلطنة عمان والكويت ودولة الامارات والسعودية ثبات الموقف الخليجي تجاه القيادة المصرية وعدم التأثر بكافة المحاولات الساعية لقطع أوصال الثقة بين القاهرة ونظرائها الخليجيين.
فالقاهرة أعلنت أكثر من مرة اهتمامها بأمن الخليج، وهو ما لخصه الرئيس السيسى فى تعبير "مسافة السكة"، فى إشارة إلى الفترة الزمنية التى يحتاجها الأشقاء إذا طلبوا دعم مصر أمام أى خطر، مثلما دعموا مصر فى ظروفها الصعبة، من جانبها تعلم دول الخليج عن يقين أن مصر القوية هى سندها فى مواجهة تهديدات إقليمية تتزايد مخاطرها يوما بعد يوم، ولذلك جاءت الرسائل الصادرة عن عواصم دول الخليج تؤكد حرصها على دعم استقرارها حتى تستعيد موقعها التاريخى فى مركز العالم العربى.
ومن جهة أخرى، أعلن أشرف سالمان وزير الاستثمار أن حصيلة ما تم التوقيع عليه من اتفاقيات وعقود ومذكرات تفاهم خلال مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد (مصر المستقبل) وصل إلى 175٫2 مليار دولار، منها 15 مليار دولار اتفاقيات استثمار تم التوقيع عليها بشكل نهائي خلال المؤتمر و18 مليار دولار اتفاقيات بناء وتوريد وتمويل، و5٫2 مليار دولار قروضا ومنحا من مؤسسات التمويل الدولية، و92 مليار دولار مذكرات تفاهم لمشروعات جديدة وتوسعات فى مشروعات قائمة، بالإضافة إلى مذكرة التفاهم الخاصة بمشروع إنشاء عاصمة إدارية جديدة لمصر باستثمارات 45 مليار دولار.
ويرى مراقبون أن مصر نجحت في توطيد العلاقة مع الخليجيين وأن نجاح المؤتمر الاقتصادي أثبت بشكل لا لبس فيه ثقة دول الخليج في مصر ورهانها الكبير على الرئيس عبد الفتاح السيسي لخوض مرحلة بناء مصر جديدة الخالية من شوائب الإرهاب الفكري.
وقد تعهدت السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان بتقديم حزمة من المعونات والمنح تقدر بـ 12,5 مليار دولار بواقع أربعة مليارات للدول الثلاث الأولى و500 مليون دولار من سلطنة عمان، حيث قال يحي بن محفوظ المنذري رئيس مجلس الدولة العماني رئيس الوفد الذي شارك في فعاليات المؤتمر، إن سلطنة عمان خصصت معونة، بقيمة 500 مليون دولار أمريكي، لدعم الاقتصاد المصري، موزعة على جزءين ، 250 مليون دولار وديعة في البنك المركزي، و250 مليون دولار استثمارات توجه لمشروعات في مصر.
وأكد المنذري، تضامن سلطنة عمان الكامل مع مصر قيادة وحكومة وشعباً على مسيرة التقدم التي يقودها السيسي بما يعود بالمنافع على مصر والمنطقة كلها.
وفضلاً عن ذلك، فقد شاركت سلطنة عمان بـ 9 شركات استثمارية، أبرزها "مؤسسة عمان للاستثمار، والشركة العالمية العمانية للتطوير والاستثمار، وشركة التنمية العمانية العالمية، ومجموعة كنوز، وشركة نسيم"، وتتنوع تخصصات تلك الشركات ما بين "العقارات والخدمات المالية والبنوك الاستثمارية والأغذية". ورغم ذلك انتقد مغردون على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، قلة الاستثمارات التي أعلن عنها موفد السلطان قابوس والبالغة 500 مليون دولار. ولكن مغردين آخرين أبدوا استياءهم من هذا الانتقاد غير المبرر على سلطنة عمان.
مواقف تاريخية وعلاقات راسخة
يمكن القول أن ثمة حقائق لابد من التركيز عليها، أولاً: أن العلاقات المصرية الخليجية عموماً والمصرية العمانية على وجه الخصوص تتميز بالرسوخ والثبات، ولا يعبر هؤلاء المغردون إلا عن أنفسهم كما أنهم لا يمثلون كامل النسيج المصري الذي يكن كل التقدير لمواقف سلطنة عمان الراسخة تجاه مصر.
ثانياً: أن العلاقات المصرية – العمانية تمثل محور ارتكاز مهم علي الساحة السياسية ، حيث يدعو البلدان دائما إلي الى إحلال السلام والاستقرار إقليميا ودوليا مع عدم التخلي عن أي من الحقوق العربية ،كما يدعوان الي حل كل الخلافات التى قد تنشأ بين مختلف أقطار العالم بالحوار والتفاوض ، لذلك فإن للدولتين رؤية واحدة تستهدف تقديم أقصي دعم ممكن للحقوق المشروعة للدول والشعوب كافة . فهناك تشاور وتنسيق مستمر بشأن كافة المستجدات العربية والعالمية ، ويقدر المسئولون العمانيون على كافة المستويات الدور المحوري الذي تضطلع به مصر من أجل صالح شعوب المنطقة.
على ضوء ذلك فإن الحقيقة المؤكدة أن البلدين جددتا فى العصر الحديث العلاقات المتميزة بين الشعبين والتى بدأت منذ قديم الأزل ، ولذلك فإنها تمثل نموذجا يحتذى به على صعيد العلاقات العربية – العربية ، لاسيما وان الصلات الوثيقة بينهما تعود الى عهد قدماء المصريين منذ فجر التاريخ.
و استمراراً لذلك فى العصر الحديث فإن للسلطان قابوس مواقف ثابتة تجاه مصر ويتمثل المحور الأساسي لها فى دعوة صادقة وحكيمة تنطق بصوت العقـل- منذ مبادرة السلام المصرية فى السبعينيات وحتى اليوم - وتطالب دائما وفي كل المناسبات والمحافل وعلى كافة الأصعدة بضرورة الاحترام الكامل والمطلق للقرارات المصيرية التي يتخذها الشعب المصري وصون استقلال قراره الوطني والاحترام المطلق لسيادته وإرادته وحقه في اختيار ما يراه مناسبا لأوضاعه ومستقبله .
ثالثاً: نتيجة لذلك يسجل مؤشر العلاقات بين مصر وسلطنة عُمان تقدما مطردا نتيجة العديد من المستجدات الايجابية .
كما تشهد دائما دفعات جديدة فى ظل استمرار الاتصالات المكثفة بين القاهرة ومسقط،انطلاقا من مواقف السلطان قابوس التي تعكس تقديره لمصر ولشعبها بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى.
وترجمة لذلك جاءت اجتماعات الدورة الثالثة عشر من أعمال اللجنة المصرية العمانية المشتركة بالقاهرة يوم 23 فبرايرالماضي برئاسة وزير الخارجية سامح شكري والوزير المسئول عن الشئون الخارجية العماني يوسف بن علوي والتي تنعقد لأول مرة منذ خمس سنوات، وتم فيها بحث عدد كبير من المقترحات ومشروعات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية في مجالات العمل والتدريب ودراسة الأسواق والبيانات الخاصة بالسلع، فضلاً عن تفعيل التعاون بين المعهدين الدبلوماسيين في البلدين، وكذا بحث إمكانية بلورة تصور للتعاون الثنائي الموجه لدول ثالثة لاسيما في أفريقيا والدول الإسلامية، إضافة إلي اقتراحها إنشاء لجنة قنصلية بين البلدين تكون معنية بالمزيد من تسيير سبل الحياة والإقامة لمواطني الدولتين في الدولة الأخرى.
إجمالاً يمكن القول العلاقات المصرية - الخليجية الممتدة عبر مراحل التاريخ المختلفة، ستظل ذات خصوصية فريدة من نوعها، فمصر تدرك أنه لا غنى لها عن البعد الإستراتيجى لدول الخليج، كما أنه لا غنى لدول الخليج عن إستقرار الدولة المصرية.
أرسل تعليقك