هدى الحسيني
يبدو أن تنظيم «القاعدة» بصدد ترميم فروعه وتدعيمها، وتركيزه سيكون على مصر. ثم مع الزعيم الجديد لـ«طالبان» الملا أختر محمود منصور، ونائبيه مولاي هيبة الله أخوذنداه وسراج الدين حقاني سيعزز تنظيم «القاعدة» نفوذه في أفغانستان وباكستان بحيث يحاول منع «خلافة» أبو بكر البغدادي من التمدد أكثر هناك. فالثلاثة الجدد الذين يتزعمون «طالبان» بعد الإعلان عن وفاة الملا عمر يعتبرون أنفسهم من أعمدة «قاعدة» أسامة بن لادن و«خليفته» على التنظيم أيمن الظواهري. «طالبان» في بيانه، لم يُعرّف عن منصور كالزعيم الجديد، بل أيضا «أمير المؤمنين». وكان أسامة بن لادن منح الملا عمر هذا اللقب. ولصفة «أمير المؤمنين» تداعيات عميقة في عالم «المتطرفين».
تركيز «القاعدة» سيكون على مصر، وكأن الظواهري كان يعرف عن قرب الإعلان عن وفاة الملا عمر. ففي 22 من شهر يوليو (تموز) الماضي، أصدرت مجموعة تطلق على نفسها اسم «المرابطون» شريط فيديو يظهر ضابطًا سابقًا في القوات المصرية الخاصة اسمه هشام علي عشماوي، بزيه العسكري، المعروف أيضا باسم «أبو عمر المهاجر المصري» على أنه أميرها. في الفيديو أعلن التنظيم عن ولائه لأيمن الظواهري. يبدأ الفيديو بالظواهري موجهًا حديثه إلى من يسمعه، بوجوب الانخراط في معركة الدعاية والخطاب، تمامًا كما الانخراط في السلاح والذخيرة. بعده يتكلم عشماوي داعيًا المسلمين إلى مواجهة العدو، مشيرًا إلى ما يتعرضون له في بورما، وفلسطين، والعراق وسوريا، ومصر؟
ركز عشماوي هجومه على القيادة المصرية متهمًا إياها باللجوء إلى التعذيب وجلب البلاء على المسلمين.
حسب مصادر غربية متابعة لنشاط المتشددين الإسلاميين، فإن عشماوي ظل في الجيش المصري إما حتى عام 2009 أو حتى عام 2011. ويتهمه المسؤولون المصريون بأنه منذ انضمامه إلى الجماعات المتشددة قام بسلسلة من الهجمات «الرفيعة المستوى»، وحسب المصادر الغربية، فهو كان من جماعة «أنصار بيت المقدس» التي كانت تابعة لـ«القاعدة» قبل تعرض قادة التنظيم لسلسلة من الاغتيالات. قسم من قيادات «أنصار بيت المقدس» أعلن الولاء لأبو بكر البغدادي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، لكن بقي قسم آخر مواليًا لتنظيم «القاعدة»، ومن الممكن أن يكون عشماوي من هذا القسم.
في نهاية شهر يونيو (حزيران) الماضي، قتل هشام بركات المدعي العام في مصر بتفجير سيارته في القاهرة. وحتى الآن لم تعلن أي جماعة إرهابية مسؤوليتها، لكن السلطات المصرية تقول: إن عشماوي كان وراء العملية. وبركات هو أكبر مسؤول مصري يُقتل في مصر منذ بدء «الإخوان المسلمين» عملياتهم عام 2013. وأشار الموقع المصري «الوطن»، إلى أن وزارة الداخلية المصرية كشفت أن عشماوي سافر إلى سوريا في أبريل (نيسان) 2013. حيث تلقى تدريبات على المتفجرات والعمليات الإرهابية. وهذا يعني أنه تدرب في سوريا قبل بضعة أشهر من محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم. تقول المصادر الغربية المتابعة لأنشطة المتشددين، إن المؤامرة ضد إبراهيم كشفت للمسؤولين الأمنيين المصريين تشعب الاتصالات بين عشماوي وشبكة «القاعدة» الدولية، وأنه العقل المدبر وراء محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق.
في 5 سبتمبر (أيلول) 2013، جرت محاولة اغتيال إبراهيم. بعد أيام قليلة أعلنت منظمة «بيت المقدس» مسؤوليتها عن الحادث، ثم بثت على الإنترنت شريط فيديو تثني فيه على الفاعل وليد بدر، وتوضح أنها تعتبر نفسها جزءًا من تنظيم «القاعدة».
مثل عشماوي كان بدر ضابطًا في الجيش المصري قبل أن ينضم الاثنان إلى القتال في سوريا. وحسب ما نشره تنظيم «بيت المقدس» عن سيرة بدر، فإنه قاتل في سوريا «حتى وجهه الله للعودة ثانية إلى مصر لتحقيق رغبته في تنفيذ عملية استشهادية على أرضها». السلطات المصرية ربطت بدر بكادر «المتطرفين» الذين تدربوا وقاتلوا في صفوف جبهة «النصرة»، الفرع الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا. أيضا، قالت السلطات المصرية إن محمد جمال الكاشف من الموالين لأيمن الظواهري – وصفته الأمم المتحدة بأنه رأس خلية مدينة نصر الإرهابية عام 2012 – والشيخ عادل شحاتو (كان مسجونًا قبل الثورة المصرية عام 2011، لكن أعيد اعتقاله مع الكاشف في نوفمبر 2012)، الكاشف وشحاتو كانا في «الجهاد الإسلامي» المصري تحت قيادة الظواهري الذي دمج لاحقًا التنظيم الإرهابي مع «قاعدة» أسامة بن لادن قبل عمليات 11 سبتمبر 2001.
أحد سجناء «القاعدة» اعترف بأن بدر تلقى تدريبات في مخيمات الكاشف في سيناء، وكان الكاشف يحاول تشكيل فرعه الخاص التابع لـ«القاعدة» في مصر وليبيا قبل إعادة اعتقاله عام 2012. وعلى افتراض أن عشماوي تواطأ مع بدر في محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري السابق كما ربطت التحقيقات المصرية، فإن هذا يثير احتمال أن عشماوي عمل مع محمد جمال الكاشف أيضًا.
مجموعة «المرابطون» التي أعلنت عن نفسها أخيرًا في مصر، ليست أول جماعة تحمل هذا الاسم؛ هناك مجموعة أخرى تابعة لـ«القاعدة» تعمل في شمال وغرب أفريقيا. فـ«المرابطون» تسمية أطلقت أيضا على مجموعة مختار بلمختار (كتيبة الملثمين) وحركة أحمد تيلمسي لـ«الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا» عندما اندمجتا في أغسطس (آب) 2013. لكن تيلمسي المعروف بـ«عدنان أبو وليد الصحراوي» انشق عن بلمختار وأعلن الولاء للبغدادي. ورغم ادعائه أنه يتحدث باسم مجموعة «المرابطون»، فقد تبين بسرعة أنه لا يمثل سوى فصيل منشق. وأثناء اندماجهما، كانت مجموعة «المرابطون» بقيادة «أبو بكر المهاجر المصري» الذي كان ممثلاً لـ«القاعدة». المهاجر قتل على يد القوات الفرنسية في أبريل 2014. بعده صار تيلمسي أميرا لـ«المرابطون» ليُقتل هو أيضًا على يد القوات الفرنسية الخاصة في غارة في ديسمبر (كانون الأول) 2014. لكن بلمختار لا يزال حيًا، رغم المحاولات الأميركية لاغتياله. في بياناته فإن تنظيم «قاعدة المغرب الإسلامي» يطلق على بلمختار اسم «خالد أبو العباس».
في مصر، لوحظ أنه إضافة إلى الهجمات الإرهابية في سيناء التي يتصدى لها الجيش المصري، هناك تحركات إرهابية كثيرة لـ«القاعدة» التي انطلقت من رحم «الإخوان المسلمين» في قلب القاهرة وتستهدف رجال الشرطة بفتح النار عليهم من قبل مهاجمين يستقلون سيارات. وازدادت هذه العمليات المتنقلة بعد تصريحات عشماوي في فيديو «المرابطون»، وكيله اللعنات على «الجنود والسحرة المصريين» التابعين للقيادة المصرية الجديدة.
تتحرك «القاعدة» الآن في ليبيا ومصر وجزء من سوريا. وهناك الآن جهتها الجديدة في أفغانستان وباكستان مع بروز قيادة جديدة لـ«طالبان»، لكن لا بد من طرح السؤال: لماذا جاء الإعلان الآن عن وفاة الملا عمر الذي أكدت الحكومة الأفغانية أنه توفي عام 2013 أي منذ سنتين؟ هناك مرحلة جديدة في أفغانستان، ويكثر الحديث عن الرغبة في فتح حوار مع «طالبان».
منصور الزعيم الجديد كان لفترة طويلة نائب الملا عمر. ولفترة اعتقد الغرب أنه يتفاوض معه للتوصل إلى اتفاقية سلام، إلى درجة اعتبره أهم لاعب على ساحة «طالبان» زمن الملا عمر، واعتقد المسؤولون الأفغان، والأميركيون والأطلسي أنهم في إحدى المراحل كانوا يتفاوضون معه مباشرة ليتبين لهم لاحقًا أنهم خدعوا من قبل محتال.
في 16 يونيو الماضي أصدر منصور بيانًا يهاجم فيه «داعش» لتقسيم صفوف «الجهاديين» في أفغانستان وخارجها، ووقعت اشتباكات كثيرة بين أتباع البغدادي ورجال «طالبان» خلال هذا العام. وأكد في البيان أن إمارة أفغانستان الإسلامية هي الكيان الشرعي الوحيد في أفغانستان، مشيرًا إلى أن كبار قادة «القاعدة» ركزوا أنشطتهم في أفغانستان، كما وصف بن لادن بأنه زعيم «المجاهدين».
هل ستميل قيادة «طالبان» الجديدة إلى مفاوضات السلام أم ستخوض معركتها مع «داعش»؟ يبدو أن «قاعدة» أيمن الظواهري تميل إلى الاحتمال الأخير، فهو لن يسمح بسحب البساط من تحت أقدام «قاعدته» على يد «داعش». ربما يعتقد بأن العراق وسوريا وحتى مالي معرضة لضربات التحالف والغرب، بقيت أمامه مصر وما يمكنه أن يمد جماعاته داخلها من ليبيا. وقوله في فيديو العشماوي بوجوب الانخراط في معركة «الدعاية والخطاب» بدأ يلقى ردودًا؛ إذ نرى الحملة التي تتعرض لها مصر إعلاميًا وأمنيًا. بعد تفكك السلطات في العراق وسوريا، تبقى السلطة المصرية سدًا منيعًا، يحاول الظواهري دكه، وهو يعتقد أن مصر ساحته ليعيد الاعتبار لـ«القاعدة».