عبد الباري عطوان
لا يختلف اثنان على “وقاحة” بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي، لكن ان تصل هذه الوقاحة الى درجة الاعتراض على الاتفاق الذي توصلت اليه الدول العظمى الست مع ايران حول برنامجها النووي، والمطالبة بأن يتضمن نصا صريحا واضحا لا لبس فيه يعترف بحق اسرائيل في الوجود، فهذا امر لا يصدقه عقل ولا يستقيم مع اي منطق.
فمن هو نتنياهو هذا حتى يتقدم بمثل هذا الشرط، ويمليه على هذه الدول؟ وبأي حق يطالب ايران بالاعتراف بحق دولته في الوجود؟ وما الذي يستيطيع فعله اذا لم يستمع اليه احد، وظل يتبح في البرية مثل الكلب الجريح من شدة الالم؟
الرد على هذا الصلف والغرور جاء سريعا ومن قبل السيدة ماري هارف المتحدثة باسم الخارجية الامريكية التي اكدت ان اعتراف ايران بحق اسرائيل في الوجود والتفاوض معها حول برنامجها النووي امران منفصلان كليا، وهذا الرد الحاسم جاء رسالة قوية الى نتنياهو تطالبه بالصمت والكف عن النباح لانه لن يجد من يستمع اليه، وان الزمن الذي كان يستطيع فيه ان يفرض شروطه على الدول الكبرى قد تآكل، ولو في عمر الادارة الحالية على الاقل.
نتنياهو مأزوم ويشعر بالهزيمة والاكتئاب بشقيه السياسي والشخصي، فقد راهن طوال السنوات الماضية على تخويف واشنطن من البرنامج النووي الايراني، ودفعها الى تبني الخيار العسكري لتدميره، ولكن رهانه فشل وتجلى ذلك بوضوح من خلال التوصل الى هذه الاتفاق الذي يبقى على هذا البرنامج كاملا، ولم يدمر جهازا واحدا للتخصيب لانتاج اسلحة نووية لمدة عشر سنوات، علاوة على كونه اتفاق غير ملزم ويمكن التخلي عنه في اي لحظة.
***
قلق رئيس الوزاء الاسرائيلي نابع من ثلاثة امور رئيسية:
الاول: ان تتزايد المطالبات الدولية بنزع الاسلحة النووية الاسرائيلية واجبار تل ابيب على توسيع معاهدة الحد من انتشار الاسلحة ا لنووية ووضع مفاعلها النووي في ديمونا تحت المراقبة الدولية.
الثاني: تحول ايران الى قوة اقليمية عظمى حليفة لواشنطن ومحور سياستها في الشرق الاوسط باعتبارها الشريط القوي الذي يمكن الاعتماد عليه بعد رفع الحصار الاقتصادي المفروض عليها.
الثالث: ان يؤدي هذا الاتفاق الى الدفع بدول عربية واسلامية مثل مصر وتركيا والسعودية الى السعي لبناء منشآت نووية سلمية، يمكن ان تتحول الى عسكرية لاحقا، على غرار النموذج الايراني بعد الاعتراف بشرعية الاخير، وحقه في تخصيب اليورانيوم بدرجة منخفضة.
فاذا كانت ايران التي ظلت تحت الحصار الامريكي لاكثر من ثلاثين عاما نجحت في تطوير هذا البرنامج النووي، وبناء ترسانة عسكرية قوية، وفرض شروطها على الدول العظمى، والتمسك بهذه الشروط او معظمها حتى الدقائق الاخيرة التي سبقت انتهاء الموعد الزمني للاتفاق، واليهمنة، بشكل مباشر او غير مباشر، على خمس دول عربية ودائرة صنع القرار فيها مثل العراق وسورية ولبنان واليمن، ودولة البحرين (بدرجة اقل)، فكيف سيكون الحال في ظل رفع الحصار؟
نتنياهو ومعه بعض الزعماء العرب يشعر بالقلق من حدوث انقلاب في موازين القوى، بل وخرائط منطقة الشرق الاوسط، برمتها بعد توقيع هذا الاتفاق، واول خطوة في هذا الاطار هو تخفيف الضغوط على حلفائها في سورية والعراق خاصة، ودعم الآخرين في لبنان واليمن والبحرين.
ايران، بعد هذا الاتفاق، ربما لن تعود الى الوضع الذي كانت عليه في زمن الشاه، اي ان تلعب دور الشرطي الامريكي في المنطقة، لسبب بسيط وهو ان قيادتها الحالية تتمسك بدرجة من الكرامة الوطنية عالية جدا، ولها طموحات سياسية واقصادية وعسكرية كبيرة، اي انها لا يمكن ان تقبل لدور التابع، بل دور المتبوع اقليميا على الاقل.
الرئيس الامريكي باراك اوباما يريد ان يجعل من هذا الاتفاق الايراني اهم انجازاته في السياسة الخارجية بعد ان قاربت فترته الثانية والاخيرة على الانتهاء (بقي منها ما يقرب من العامين)، ربما يبرر فوزه بجائزه نوبل للسلام، ولكنه في الوقت نفسه يشعر بقلق حلفائه القدامى الذين تخلى عنهم، وخذلهم بالتوجه نحو ايران، وهذا ما يفسر اتصالاته الهاتفية مع زعماء السعودية ودول الخليج وتوجيه دعوة جماعية اليهم لعقد قمة في منتجع كامب ديفيد سيء الذكر لطمأنتهم وتهدئة مخاوفهم.
***
لا نعرف ما اذا كان نتنياهو سيكون مدعوا الى القمة نفسها، ام قمة ثنائية موازية، ولكن ما نعرفه، ان اوباما الذي سيغادر البيت الابيض قريبا، سيلتقي بوجوه عربية عابسة، واعصاب مرتعشة، وخيبة امل واضحة، تجاه الحليف الامريكي الغادر الذي لا يمكن الاعتماد عليه.
الاتفاق الامريكي الايراني ربما يكون نكسة لبعض العرب، ومؤشرا آخر على صعود النفوذ الايراني على حساب هذا البعض، ولكنه فأل سيء لاسرائيل، وهذه احد ابرز نقاطه الايجابية، اما النقطة الايجابية الاخرى، اذا كان هناك زعماء عرب حقيقيين فعلا، فتتلخص في ضرورة تحويله، اي الاتفاق، الى نقطة انطلاق لنهضة عربية في المجالات كافة، وبناء مشروع عربي، والتعلم من الدهاء الايراني في التفاوض ببراعة، وكيفية استخدام كل اوراق القوة في التعاطي مع الدول العظمى والحفاظ على القرار المستقل.
المفاوض الايراني صمد 13 عاما على مائدة المفاوضات مع الدول الست العظمى ولم ترهبه الاساطيل وحاملات الطائرات، بينما لم يصمد المفاوض العربي (السادات) اسبوعين في كامب ديفيد، والفلسطيني اربعة اشهر في اوسلو، وهنا يكمن الفرق.
المطلوب صحوة عربية حقيقية بعيدا عن العنتريات الجوفاء صحوة علمية وعسكرية وثقافية وسياسية يقودها رجال بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يرفضون التبعية ويؤمنون بالاعتماد على النفس، ويتحلون برصيد كبير من الكرامة الوطنية، ومن المؤسف والمؤلم معا اننا لا نرى مؤشرات على وجود هؤلاء في الوقت الراهن على الاقل وصححونا اذا كنا مخطئين.