أيتام الشرق الأوسط

أيتام الشرق الأوسط

أيتام الشرق الأوسط

 العرب اليوم -

أيتام الشرق الأوسط

غسان شربل

الشرق الأوسط الحالي لا يشبه ذاك الذي كان قائماً قبل أربع سنوات. أطاحت الزلازل المتلاحقة ركائز استقراره وغيّرت الأولويات. دول رئيسية تفكّكت. وجيوش كبيرة تآكلت. تحولت الميليشيات المذهبية قوى إقليمية تعبُر الحدود لإسقاط نظام أو إنقاذ نظام. خسرت الحدود الدولية حصانتها وباتت الاستباحة مشهداً عادياً. تمزَّق النسيج الاجتماعي هنا وهناك. شهدت المنطقة يقظة دموية لهويات تقل عن حجم الخريطة أو تفيض عنها. مجموعات خائفة ومخيفة تتخاطب بلغة الأرض المحروقة. ذاكرة تُدمَّر مزنرة بمتفجرات «داعش». ومتحف الفسيفساء ينزف بعد استهدافه ببرميلين.

تبدو المنطقة متروكة لجحيمها. لن تُرسِل أميركا أبناءها لإنقاذ مدينة يمكن أن يضمها قاسم سليماني غداً إلى لائحة إنجازاته. لن ترسل أبناءها لإنقاذ مدينة يمكن أن تسقط بعد تحريرها في يد «داعش» أو «النصرة». تركت أميركا لأهل المنطقة مهمّة أن يقلعوا أشواكهم بأيديهم. يمكن أن تُسعفهم بسلسلة غارات أو حفنة مستشارين. إدارة باراك أوباما تصرّ على الفصل الكامل بين الملفات. أغلب الظن أن أميركا ستبتعد قليلاً عن المنطقة في السنوات المقبلة. سيولد النظام الإقليمي الجديد من حروب طويلة وتمزُّقات مريرة. روسيا غير قادرة على الاضطلاع بأدوار إنقاذية حاسمة، ومبعوثو بان كي مون تنقصهم الهالة والإمكانات والأدوات.

يستوقفك كلام رجلٍ خَبِرَ قصور القرار وردهات القنوات السرية. يقول: «لكي تفهم ما يجري الآن عليك أن تمزّق في ذهنك الخرائط ومعها القواعد القديمة للعبة». والكلام مقلق ومخيف. لسنا في منطقة تسمح بالطلاقات المخملية، على غرار ما شهدته تشيكوسلوفاكيا. نحن من القماشة اليوغوسلافية. من منطقة تُحفَظُ فيها الخريطة بالقهر وتُرسَم فيها حدود الطلاق بالدم.

لنترك إسرائيل جانباً. في المنطقة أربع مجموعات سكانية كبرى: العرب والفرس والأتراك والأكراد. وحدهم الأكراد الذين يقترب عددهم من أربعين مليون نسمة لا يملكون دولة، بل يتوزعون على أربع دول في الإقليم.

واضح أن موقع إيران أفضل مما كان عليه قبل عقد. إنها قوة إقليمية هجومية مُزعْزِعة للاستقرار، كادت أن تُغيِّر ملامح الإقليم برمّته. إنها صاحبة الكلمة الأولى في العراق. وهي منعت حتى الآن سقوط النظام السوري. وصاحبة الكلمة الأولى في بيروت. وكادت أن تحقق اختراقاً غير مسبوق في اليمن لولا انطلاق «عاصفة الحزم». ثم إن توقيع الاتفاق النووي سيحرّر إيران من وطأة العقوبات، من دون أن يُلزِمها بالتراجع عن فتوحاتها في المنطقة.

صحيح أن سياسة «تصفير المشاكل» التي روّج لها أحمد داود أوغلو تبخّرت، لكن الصحيح أيضاً هو أن تركيا دولة أنجزت قفزة اقتصادية نقلتها إلى موقع مختلف. ثم إن الحدود التركية ليست مهددة، والديموقراطية التركية تعمل وأظهرت قدرتها حتى على تقليم أحلام السلطان.

واضح أيضاً ان أحوال الأكراد أفضل مما كانت عليه. نجح إقليم كردستان العراق في صد هجمات «داعش» بمساعدة دولية، وتمكّنت البيشمركة من التقدُّم إلى معظم المناطق التي كانت تسمى «المناطق المتنازع عليها». ونجح أكراد سورية في التصدي لـ «داعش»، وها هم يفرضون أمراً واقعاً جديداً في مناطقهم، سيؤثّر بلا شك في ملامح سورية المقبلة. وفي تركيا اقتحم الأكراد البرلمان بصفتهم الحزبية، عبر انتخابات أعطتهم كتلة من ثمانين نائباً في تطور غير مسبوق.

لا حاجة إلى الاسترسال في شرح أوضاع المجموعة العربية. كل الزلازل تضرب الشق العربي من الشرق الأوسط. القتيل عربي. والبيت الذي يُدمَّر عربي. ومجلس العزاء عربي. والاقتصاد الذي ينهار عربي. والخريطة التي تتمزّق عربية. يستطيع المرء التفكير هنا بالعراق وسورية واليمن وليبيا والصومال. يستطيع أن يتخوَّف من المستقبل في تونس والجزائر ولبنان وغيرها. الخسائر الاقتصادية رهيبة. تكفي الإشارة إلى أن إعادة إعمار سورية وحدها تحتاج إلى أكثر من ثلاثمئة بليون دولار، هذا إذا توقفت الحرب الآن.

لن تدوم حروب الشرق الأوسط إلى الأبد. ستأتي ساعة يولد فيها نظام إقليمي جديد، وتتبلور قواعد جديدة للعبة. مهمّة وقف التدهور في موقع اللاعب العربي مهمة شاقة تكاد أن تكون ملقاة اليوم على عاتق مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية. نجاح المهمة يستلزم بالتأكيد عودة مصر إلى الاضطلاع بدورها، وخروج سورية من النفق الدموي بحل سياسي، يرمِّم ما أمكن من وحدتها وملامحها، واستعادة العراق من سياسات انتحارية تقل عن حجم الخريطة أو تفيض عنها. من دون ذلك وإذا استمر الاتجاه الحالي ستكون النتائج كارثية. لقب أيتام الشرق الأوسط لن يُطلَق هذه المرة على الأكراد وسائر الأقليات، بل سيفوز به العرب. ليست نكبة أقليات ومكوّنات. إنها نكبة أمّة بكاملها.

arabstoday

GMT 10:30 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 10:27 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 10:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 10:16 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 10:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 10:12 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أيتام الشرق الأوسط أيتام الشرق الأوسط



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
 العرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab