سيرة نجيب محفوظ 22

سيرة نجيب محفوظ (2-2)

سيرة نجيب محفوظ (2-2)

 العرب اليوم -

سيرة نجيب محفوظ 22

عمار علي حسن

... وبلغ حرص نجيب محفوظ على إخفاء الراوى مداه فى رواية «عصر الحب» التى استهلها محفوظ بقوله: «يقول الراوى: ولكن من الراوى؟ ألا يحسن أن نقدمه بكلمة؟ إنه ليس شخصاً معيناً يمكن أن يشار إليه إشارة تاريخية، فلا هو رجل ولا امرأة، ولا هوية ولا اسم له، لعله خلاصة أصوات مهموسة أو مرتفعة، تحركها رغبة جامحة فى تخليد بعض الذكريات.. وإنى إذ أسجله كما تناهى إلىّ، إذ أسجله باسم الراوى، وبنص كلماته فإنما أصدع بما يأمر به الولاء، وأنفذ ما يقضى به الحب، مذعناً فى الوقت نفسه لقوة لا يجوز المجازفة بتجاهلها».

وأعتقد أنه لم يكن من المناسب لأديب يلفه كل هذا الغموض حول رواته وسارديه وحياته الخاصة أن يكتب سيرته الذاتية. وفى ظنى فإن عدم إقدام محفوظ على كتابة سيرته كان قراراً صائباً، حقق له ما كان يحرص عليه دوماً من إقامة ستار حديدى بين حياته الخاصة وبين كونه شخصية عامة بلغت شهرتها الآفاق.

كما حافظ هذا القرار على مكانة محفوظ ورصيده عند كثير من الناس، إذ إن العديد من السير الذاتية خصمت من أصحابها، وألقت بظلال ثقيلة على أفكارهم، فى مجتمعات لا تفرق بين الكاتب والكتاب، ولا تميز بين النص ومؤلفه، فتخلط بين هذا وذاك، فإن كان بالسيرة ما يشين، سحبت هذا على أعماله، وراحت تحصى التناقض بين ما جرى له فى حياته الشخصية وبين ما خطه قلمه من مواقف وأحداث، ودأبت على التنقيب عن مواطن النميمة، ونسجت شائعات لا تنتهى حول جملة وردت فى السيرة الشخصية أو اسم ما، أو تصرف معين.

وقد نأى محفوظ بنفسه عن التصنيفين اللذين يوزع عليهما كتّاب السير، وأولهما هو كتابة ما وعته الذاكرة من الحقيقة كما هو من دون رتوش، وثانيهما تجميل ما جرى، وإظهار صاحب السيرة فى أبهى وأنصع صورة ممكنة.

وأصحاب الصنف الأول إما ينشغل الناس بنقائصهم، فلا يحترمون إنسانيتهم، ولا يغفرون لهم ذنباً، أو يسترون لهم عيباً، بل ينظرون إلى صدقهم باعتباره نوعاً من الرياء الذى يروم صاحبه أن يقول الناس عنه إنه صادق، حتى لو فضح نفسه، أو هتك أسرار آخرين.

أما أصحاب الصنف الثانى فهم عند غالبية الناس كذابون وانتقائيون ومحرفون، ينتصرون لأنفسهم على حساب الحق والحقيقة، فيخفون كل قبيح، ويبرزون كل جميل فى حياتهم، فيظهر الزيف من أول سطر فى سيرتهم، وبالتالى تفقد معناها ومغزاها، وقد يؤول الناس كلامها على عكس ما قصد به صاحبها.

وفى الحالتين يخسر الأدباء والمفكرون كثيراً من دورهم فى الحياة، من زاوية أن الناس ينظرون إليهم باعتبارهم رموزاً يشار إليها، وقدوة يحتذى بها. ونتيجة عدم قدرة العوام على التفرقة بين «الخاص» و«العام» فى مسيرة منتجى المعرفة والفن، فإن هذه القدوة تُجرح، وقد تصاب فى مقتل، بينما منطق الأشياء يقتضى أن يشكل هؤلاء قادة للرأى فى مجتمعاتهم، الأمر الذى يفيدها فى السراء والضراء.

arabstoday

GMT 20:41 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

خطاب ترمب بين المثالية والواقعية

GMT 20:32 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

يوم الشهيد.. وعنصر التوقيت

GMT 11:42 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

تليين إيران أو تركيعها: لا قرار في واشنطن؟

GMT 11:36 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

فقراؤنا وفقراء غزة أولى بأعمال الخير

GMT 07:01 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

فرصة كي يثبت الشرع أنّه ليس «الجولاني»...

GMT 06:52 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

سوريا الواقع والافتراض

GMT 06:51 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

بيان القاهرة... إجماع وتحفظان

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سيرة نجيب محفوظ 22 سيرة نجيب محفوظ 22



الملكة رانيا بعباءة بستايل شرقي تراثي تناسب أجواء رمضان

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:24 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

يعيشون في جهنم و….!

GMT 11:54 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

هكذا يشنّ العرب الحروب وهكذا ينهونها

GMT 01:44 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مقتل 4 أشخاص في هجوم روسي على سفينة أوكرانية

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

باتريس موتسيبي رئيسًا لـ كاف لفترة جديدة

GMT 12:42 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

إفطار رمضانى مع وزير الخارجية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab