عن لبنان ونظامه الفريد وموقع النفايات في السياسة

عن لبنان ونظامه الفريد وموقع "النفايات" في السياسة

عن لبنان ونظامه الفريد وموقع "النفايات" في السياسة

 العرب اليوم -

عن لبنان ونظامه الفريد وموقع النفايات في السياسة

طلال سليمان

أستأذن في الكتابة في موضوع قد يبدو تفصيلياً، ثم إنه محلي يخص لبنان وحده، لكن دلالاته تشمل ـ في تقديري ـ الأنظمة العربية التي جعلت شعوبها ترى في النظام اللبناني المثال وغاية المنى.
*****
تتأكد صورة لبنان ـ عربياً ـ بوصفه بلداً أسطورياً اصطنعته خلطة من الخرافات والوقائع والحسابات الدولية المعقدة.
فهو دولة بنظام يلغي الدولة،

نظامه «ديموقراطي برلماني» ولكن الطوائف أقوى من البرلمان وأقوى بما لا يقاس من الديموقراطية... والطوائف «دول»، وبالتالي فقوتها ليست ذاتية، وإنما هي مستمدة من شروط التوازن الضروري لاستقرار النظام.

ولبنان هو دولة عربية، من حيث المبدأ، لكنه يرى نفسه «دولياً»، فإذا ما نسي ذكَّره الأشقاء العرب بأنه منهم ولكنه مختلف عنهم، «فالدول» هي التي أنشأت «كيانه السياسي» وهي التي رعت قيام «دولته»: ضعيفة قد تهتز وقد «تغيب» مؤسساتها أو تنقسم ولكنها لا تسقط تماماً.
طموح شعبه علماني، لكن واقع دولته يقوم على توازنات طائفية ومذهبية معقدة ومرهفة كحد السكين!

هو دار لجوء للخارجين من أوطانهم وعلى دولهم، لا سيما إذا كانوا أغنياء، أو ينتمون إلى أقليات عرقية أو دينية أو طائفية.
والكيان «غربي» بين العرب، لكنه «عربي» عند الغرب، و»أممي» في نظر نفسه. هو «مقرب» من أهل الخليج بوصفه مترجماً مميزاً للمصالح والأغراض والرغبات، دار اصطياف وإشتاء وسياحة ومصرفاً للتحويلات ووسيطاً في صفقات الإعمار.

شعبه أمم شتى، لكل أمة قياداتها في الداخل ومثلها الأعلى في الخارج. المعابد من كنائس ومساجد أكثر من أن تحصى، لكن المؤمنين قلة بينما المتعصبون كثرة. والطائفية استثمار ممتاز، تصنع زعامات ورئاسات ونيابات وتستولد مصالح مختلفة ومجزية جداً.

إذا اشتد عود العرب فهو الداعية المبشر بالعروبة إلى حد الادِّعاء بأنها من «اختراعاته» وهو «الوسيط» لدى الغرب. هو الداعية للحاكم العربي الأقوى، يترجم بعضه أفكار «الزعيم» ويوسع دائرة انتشارها (من دون ان يتبناها) بينما يسمح بعضه الآخر للخصوم أن يروجوا لمعارضته ويشهِّروا بنظامه القمعي!

والنظام اللبناني جبار قد تهز «دولته» الفتنة أو الضغوط المتقابلة، وقد تسقط حكومات أو تعطلها، لكنه يتخطى الأزمات باستناده إلى توازنات عربية ورعاية دولية دائمة حتى حين تختلف «الدول» في ما بينها على تقاسم المصالح في المنطقة من حوله.

ولأنه نظام مدوَّل، باعتباره يستند إلى توافقات دولية لها تأثيرها المباشر عربياً، فقد كانت رعايته مسؤولية مشتركة بين الأقوى والأشد نفوذاً دولياً والأقوى تأثيراً ونفوذاً بين الدول العربية. من هنا ان مصر كانت دائماً في موقع الراعي العربي ومعها بعض النفوذ الميداني السوري وحصة للأغنى من بين الدول العربية.

وعندما غيبت الحرب على سوريا وفيها دورها في لبنان، من دون ان تلغي قوتها السلبية الآن (حق الفيتو)، وجاء إلى الحكم في الرياض من يريد دوراً إقليمياً مؤثراً، فحوَّل مجلس التعاون الخليجي إلى تحالف سياسي ـ اقتصادي ـ عسكري (بشهادة الحرب على اليمن) تقدمت الرياض لتكون صاحبة دور مباشر في بيروت، مع «جائزة ترضية» لمصر التي تمنعها همومها الثقيلة، اقتصادياً بالأساس ومن ثم سياسياً، من منافسة الدول المذهَّبة والتي خرجت من قوقعتها لتتصدر، مفاجئة العالم باندفاعها عسكرياً إلى الحرب في اليمن بذريعة طرد «النفوذ الإيراني» منها...

واستعادة اليمن إلى بيت الطاعة السعودي طموح قديم لا يغادر العائلة المالكة في الرياض... وهو طموح له تاريخ حربي أيضاً، ربما كان آخر مواقعه في الثلاثينيات من القرن الماضي، وعبر هجوم تجاوز «الحدود الطبيعية» بين البلدين الجارين ليستولي الأقوى على بعض المناطق اليمنية فيضمها إلى المملكة المذهَّبة.

... ونعود إلى الأعجوبة اللبنانية: فالدولة بلا رئيس منذ سنة ونصف تقريباً، ومجلسها النيابي الذي مدد ولايته (4 سنوات) يفتقد النصاب دائماً، فلا يجتمع وبالتالي لا يشرِّع، ولا يقوم بمسؤولياته الدستورية وأخطرها انتخاب رئيس للدولة. وكل حكومة تشكل فيه يُمضي رئيسها المكلف شهوراً طويلة قبل أن يأتي الإذن من تلاقي المصالح بين دول عديدة للسماح بأن يكون لهذا الوطن الصغير حكومة، غالباً ما تولد شوهاء، تحمل أسباب عجزها في تركيبتها الائتلافية بحكم الضرورة وليس بالرغبة.

والحكومة في لبنان ائتلاف عربي ـ دولي بقدر ما هي شراكة اضطرارية بين زعماء الطوائف، لذا فإن توازناتها دقيقة... وفي السنوات الأخيرة كان كل من كُلِّف برئاسة الحكومة يمضي شهوراً طويلة من «المشاورات» العبثية في انتظار بزوغ الضوء الأخضر من عواصم عدة لكي «يشكل» حكومته وفق توازنات زئبقية وبميزان الذهب الخالص. وبالتالي فإن الحكومات كانت تريح الخارج أكثر مما تحقق طموح الداخل... خصوصاً وأنها في الغالب الأعم كانت أقرب إلى التلاقي بالمصالح بين قوى سياسية محصنة بمواقعها الطائفية...

في الماضي البعيد كانت القاهرة هي الطرف المقرر، مع أخذ مصالح النظام في دمشق بالاعتبار، ومراعاة السعودية وأقطار الخليج عموماً لأسباب تتصل بالحاجة إليها للمساعدة... هذا في ظل الحرص على تحاشي الاصطدام بالمصالح الغربية بعنوان واشنطن (ومن قبل كانت باريس مع لندن). وإلى ما قبل سنوات قليلة كانت دمشق مركز القرار مع مراعاة للرياض، أما واشنطن فالقاسم المشترك بين الجميع. وقد دخلت روسيا بعد إسقاط الشيوعية فيها نادي الدول المعنية بالنظام اللبناني عن طريق السياسة كما عن طريق الدين، فالكنيسة الأرثوذكسية الروسية موجودة وذات دور معترف به منذ أيام القياصرة.

هذه الأيام يعيش لبنان في أسر أزمة النفايات التي كان يفترض انها وجدت حلولها في درة السياحة في الشرق العربي، لبنان، منذ زمن بعيد. لكن الواقع كشف ان العاصمة الأنيقة (والحديثة نسبياً بأبراجها الشاهقة التي الشقة فيها بملايين الدولارات) يمكن ان تمتلئ جنباتها في مختلف أنحائها بالنفايات لأن الحكومات المتعاقبة أهملت معالجة هذه المسألة التي تبيَّن انها يمكن ان تدر الملايين.

حوَّل العجز «النفايات» إلى قضية وطنية... وتفجر الغضب الشعبي بعدما تكشفت بعض أسرار الشركات التي كانت تتولى جمع النفايات وطمرها فإذا أرباحها تفوق أي تقدير، وإذا هي مقسمة بين الشركاء من أصحاب النفوذ... ثم إذا بهم هم هم يتقدمون ـ بعد تأخير مقصود للضغط على تمرير صفقة التعاقد الجديدة ـ للحصول على «امتياز» معالجة النفايات التي تهدد الصحة العامة وتفضح قصور الحكم وتثير غضب الشارع المستفَز لأسباب كثيرة بينها غرق الدولة في الديون والعجز المتفاقم إلى حد الخطورة عن تلبية احتياجات الناس.

نزلت الجماهير إلى الشارع تتقدمها نخب ثقافية واجتماعية يغلب عليها عنصر الشباب المغضب أصلاً لافتقاد فرص عمل تتناسب مع كفاءاته والمدفوع دفعاً إلى الهجرة (قريبة ومؤقتة إلى الخليج والسعودية أو بعيدة ونهائية إلى الغرب عموماً بعنوان الولايات المتحدة وكندا فضلاً عن السويد كمعبر أو دار هجرة مؤقتة).
انكشف النظام تماماً. لكن هذا لا يعني انه على وشك الانهيار.

ولقد هرع سفراء الدول، العظمى والمتوسطة، الغنية والبعيدة، «ينصحون» ويشدون أزر السلطة... ولكن تقديم الحلول السريعة والحاسمة يتجاوز قدراتهم ولا بد ان يصدر عن أهل الحكم...
على أن السعودية، ومعها أقطار الخليج، مشغولة في اليمن،
وأوروبا تحاول جاهدة معالجة طوابير الهاربين من ظلم دولهم في أوطانهم العربية طلباً لحياة آمنة.
أما الحكومة فلا تملك حلاً سحرياً، فإذا ما اكتشفته فليست لديها القدرة على تنفيذه فضلاً عن أن الوضع في الشارع ضاغط جداً وينذر باحتمالات خطرة

مع ذلك فحين التقى أقطاب السلطة، بناءً على مبادرة متعجلة من رئيس المجلس النيابي، لمعالجة الوضع المتفجر، انشغلوا بتصفية الحسابات في ما بينهم فاختصموا وانفضَّ عقدهم من دون قرار... مرجئين «الحوار» بين العاجزين أسبوعاً لعلهم ينتبهون إلى المخاطر التي تحدق بالبلاد والتي تؤكد فشلهم الكلي، وإن هي عجزت عن المس بالنظام بقواه المحتربة بعيداً عن مطالب الناس وهمومهم فضلاً عن طموحاتهم.

 

arabstoday

GMT 06:27 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 06:25 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 06:24 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تعود الجائزة عربية بعد 6 سنوات؟

GMT 06:12 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 06:09 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 06:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 06:02 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 06:01 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن لبنان ونظامه الفريد وموقع النفايات في السياسة عن لبنان ونظامه الفريد وموقع النفايات في السياسة



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 03:27 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة
 العرب اليوم - فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

GMT 15:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تدعم لبنان وحزب الله في محادثات وقف إطلاق النار
 العرب اليوم - إيران تدعم لبنان وحزب الله في محادثات وقف إطلاق النار

GMT 22:43 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
 العرب اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 05:58 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

GMT 07:03 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:26 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ليفربول يُرهن ضم مرموش في انتقالات يناير بشرط وحيد

GMT 11:44 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع أرباح "أدنوك للإمداد" الفصلية 18% إلى 175 مليون دولار

GMT 13:23 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز "غلوب سوكر"

GMT 20:14 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab