وليد شقير
تطرح مواجهة مفاعيل التفجير الإرهابي الذي استهدف الكويت الجمعة الماضية أهمية التماسك الداخلي في أي دولة تتعرض لجنون التكفيريين، لا سيما تلك الدول، مثل الكويت، التي يستهدف هؤلاء بجرائمهم التسبب بفتنة فيها نتيجة قدر من التنوع السياسي والمذهبي الذي تتميز به، والذي ساهم في جعلها نموذجاً ديموقراطياً متقدماً بين دول الخليج، فأرست بحكم انفتاح قيادتها ودينامية المجتمع تقاليد ممارسة سياسية منفتحة.
وعلى رغم العثرات التي شابت هذه الممارسة في السنوات الأخيرة، فإن قدرة المجتمع على الصمود إزاء رياح الفتنة، كانت مشحونة بالشعور الدائم بالحاجة الى حماية الوحدة الوطنية الذي عُجن الكويتيون به في أخطر أزمة وجودية واجهوها في تاريخهم عند اجتياح صدام حسين بلدهم عام 1990.
لا ينتقص الحديث عن الكويت في مواجهة تفجير مسجد الإمام الصادق من أخطار ما واجهته تونس، وتواجهه مصر هذه الأيام من مفاعيل انتشار الإرهاب وتوسعه في الإقليم، وعودته للظهور في فرنسا... إضافة الى المملكة العربية السعودية. فالهدف المزدوج لهذا الإرهاب إبقاء حال عدم الاستقرار مسيطرة والتسبب بفتنة مذهبية. إلا أن استهداف الكويت يشكل نقلة نوعية، تشي، بعد التفجيرات ضد مواقع شيعية في السعودية، بأن هناك نية لجعل تقويض الاستقرار وتعميم الفتنة السنية - الشيعية، فعل الأواني المستطرقة التي تعبر منها هذه الفتنة حدود هذه الدول في إطار ما يشهده الإقليم من تفتيت. وما تعرضت له الكويت يتعدى حدودها. وإذا كان تعاطي القيادة السعودية بحكمة إزاء جرائم «داعش» في القطيف والدمام في أيار (مايو) الماضي، باحتضانها السريع للمناطق الشيعية التي تعرضت للتفجيرات، ومسارعة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الى تفقد انفجار جامع الإمام الصادق، خطوات شكلت نصف الطريق نحو إجهاض مفاعيل أي ردود فعل تنجر الى ما أراده من يقف وراء هذه الجرائم، فإن التساؤل عمن يستظل «داعش» في توسع دائرة الإرهاب يبقى مشروعاً. ومن دون إهمال إلحاحية الخطوات الداخلية في كل دولة، من العراق الى الكويت، والسعودية ومصر وتونس... لقطع الطريق على الفتنة، ومعالجة جذور الإرهاب المحلية في كل دولة، والتي تتراوح بين الملاحقة الأمنية الدؤوبة، والمراجعة المتواصلة لأسباب ثقافة التحريض المتعدد الجهات، والذي يتفجر كراهية وحقداً على مواقع التواصل الاجتماعي كلما وقع حدث أمني كبير، يبقى السؤال عمن يقف وراء استغلال عوامل الانقسام الداخلية الكامنة ليسهّل العبور الجهنمي للحدود من قبل التفكيريين.
ومن دون إهمال كل العناوين التي تشكل تحدياً داخل كل دولة معنية بالتصدي لـ «داعش» ومن يستفيد منها من أجهزة المخابرات، على صعيد إصلاح الخطاب الديني، والالتفات الجديد الى الخلفية الاقتصادية لنمو التطرف في بعض الأوساط، ولوجوب تعالي القوى السياسية المتخاصمة هنا أو هناك والتفافها حول قيادات الداخل، كما هو مطلوب في الكويت وغيرها، فإن فسحة الوقت التي أعطيت لـ «داعش» وغيره، كي يتوسع انطلاقاً من الحرب المدمرة في سورية مدعاة للتساؤل، في الحد الأدنى، عما إذا كان استمرارها نتيجة عجز المجتمع الدولي عن إنهائها هو سبب هذا التوسع، أو أن السبب هو نتيجة طبيعية لقرار دولي بترك المحرقة السورية متواصلة لأنها تستنزف المنطقة برمتها، إذا أجزنا نظرية المؤامرة؟
تترسخ القناعة بأن استمرار الحرب السورية يستولد تمدد الإرهاب وتوسعه، على رغم إعلان دول الغرب أن محاربة «داعش» غير ممكنة بالتعاون مع نظام بشار الأسد، حيال اقتناع روسيا بوجوب التعاون معه.
تتلكأ دول الغرب، لا سيما أميركا، في تحديد الأولويات وحسم مسألة النظام في سورية ودعم تغيير فعلي فيها، بحل ينقل سورية الى مرحلة تسمح لتركيبة جديدة بمحاربة «داعش»، بحجة أن الإرهاب سيملأ فراغ سقوط النظام. والحال أن هذا الإرهاب يملأ الفراغ الناجم عن هذا العجز الدولي، في المنطقة برمتها، ويستفيد من الفراغ الناجم عن سقوط الدولة المركزية في سورية ويملأه أيضاً، قبل سقوط الأسد. هو إرهاب يتقاسم الفراغ مع إيران، الفريق المقابل في الانقسام المذهبي الذي يلف المنطقة.