بقلم :عوني الكعكي
كلما أردت الحديث عن وزارة الخارجية اللبنانية، وعن أولئك الذين تسلموا مقدّراتها، تعود بي الذاكرة الى كل من:
سليم تقلا، والرئيس شارل الحلو، وحميد فرنجية وفيليب تقلا، وهنري فرعون والرئيس صائب سلام والرئيس ألفرد نقاش وشارل مالك وفؤاد بطرس، والرئيس رشيد كرامي والرئيس كميل شمعون، وفؤاد بطرس ونصري المعلوف والرئيس سليم الحص وجان عبيد وغيرهم من عمالقة السياسة والديبلوماسية في لبنان.
وفجأة، لا أصدّق ما حدث من انحدار في مستوى من تولّى ويتولّى وزارة الخارجية - التي كانت مفخرة للبنان.. حتى آلت الأمور الى «صهر النكبة» وشربل وهبي وأخيراً عبدالله بو حبيب.
وما قاله بو حبيب فعلاً، يثير الدهشة، إذ كيف لشخصية ديبلوماسية رفيعة ان تنزلق الى مثل هذا القول من أجل منصب.
فليس من شك بأنّ الذي استمع الى معالي وزير الخارجية اللبناني «الفارسي»، يدرك ان وزارة الخارجية اللبنانية قد انتهت حتى قبل هذا التاريخ. فمع حديث السفير عبدالله ابو حبيب انتهت ومنذ اليوم الذي تسلّم فيه هذه الوزارة العريقة التي كانت تعتبر مفخرة الديبلوماسية في العالم. وكان الصهر العزيز قد ظن يوماً ان هذه الوزارة هي المكان المناسب ليقضي أيامه بالسفر، على حساب الوزارة متنقلاً في بلاد العالم، للبحث عن أصوات لانتخاباته النيابية، خاصة بعد سقوطه مرتين متتاليتين في الانتخابات، واضطر «العم» الى تغيير قانون الانتخاب في لبنان حيث جرت الانتخابات الأخيرة عام 2018 بقانون عجيب غريب هجين ليس له مثيل في العالم، بل كان المطلوب من هذا القانون فقط إنجاح الطفل المعجزة.
وللعلم فإن آخر إحصاءات تشير الى أنّ عون حصل في الانتخابات النيابيةعام 2005 على 72٪ من أصوات المسيحيين. في حين نال في العام 2009 51٪ من أصوات المسيحيين فقط، أما في العام 2018 وبالرغم من «نجاح الصهر» ولأوّل مرة في التاريخ فقد نال التيار العوني 21٪ من أصوات المسيحيين.
إنّ هذا المؤشر يدل على فشل حكم فخامة الرئيس الذي تبيّـن أنه أفشل عهد في تاريخ لبنان.
وبالعودة الى الوزير الذي كنا نظن أنه سيكون من أنجح الوزراء واعتقدنا أنه سيعيد الى هذه الوزارة بعض ما سببه الصهر من خسائر معنوية فيها، لم يتم ما توقعناه، فالأسوأ ان السفير شربل وهبي الذي صار فجأة وزيراً للخارجية وفي ظروف غريبة عجيبة فشل هو الآخر فشلاً ذريعاً، وهو الذي جاء مكان الوزير ناصيف حتي الذي قدّم استقالته. أما الوزير شربل فقد طرد من الخارجية لأنه صرّح بأنّ العرب بدو غير متحضرين، فتسلمت مكانه الوزيرة المميزة زينة عكر التي أعادت قسماً من المجد الى الوزارة ولكن الظروف لم تسعفها. أما الوزير الحالي عبدالله بو حبيب الذي كان سفيراً للبنان في الولايات المتحدة فقد توقعنا انه سيعيد الى لبنان وإلى وزارة الخارجية أمجادها، لكنه وللأسف سقط في الرهان بسرعة فائقة... فما قاله من كلام عن العرب لا يعبّر عن فضل لا بل عن أفضال المملكة العربية السعودية على لبنان التي لا تحصى ولا تعد.
نبدأ من العام 1950 يوم ذهب الحاج حسين العويني، مع رجل الاعمال نجيب صالحة ورجل الاعمال صاحب شركة C.A.T البساتنة وكانوا من أوائل اللبنانيين الذين أصبحوا من الاغنياء في العالم فهم حققوا ثروتهم في المملكة العربية السعودية.
أما الجيل الثاني فكان يضم عصام فارس ورفيق الحريري ومصطفى درنيقة الذين أسّسوا أكبر شركات المقاولات هناك وأصبحوا من أثرياء العالم.
هذا جزء بسيط مما قدمته المملكة للبنانيين.
بالمقارنة هل يمكن لمعاليه أن يعطينا اسم لبناني واحد، استطاع أن يحصل على دولار واحد في إيران.
من ناحية ثانية، أنجزت المملكة العربية السعودية ومنذ بداية الحرب الاهلية اول اتفاق سمّي باتفاق الرياض عام 1976 الذي أسّس قوات الردع العربية ثم اتفاق الطائف عام 1990.. كل هذا الخير جاء من المملكة، وهنا نقول لمعاليه الذي يمكن أن يكون غائباً عن الوعي، إنّ الذي أعاد بناء ما هدمته الحرب الاهلية بعد الطائف هو الرئيس الشهيد الكبير رفيق الحريري، بالمال السعودي، ومنذ اغتياله عام 2005 في شباط لم تجر أية عملية بناء منذ ذلك التاريخ.
بالعودة الى أيام المغفور له الملك عبدالله... هل يتذكر المليار دولار المقدمة لشراء أسلحة لقوى الامن الداخلي والجيش... كما نذكّر بـ3 مليارات دولار أخرى التي قدمها الملك عبدالله للرئيس ميشال سليمان لشراء أسلحة للجيش اللبناني... هذا إضافة الى إعادة إعمار بيروت منذ عام 1982 بعد الاجتياح الاسرائيلي.
أكتفي بتقديم هذه المعلومات.
وإن نسينا فيجب أن لا ننسى أنّ 350 ألف مواطن لبناني يعملون في المملكة و150 ألف مواطن يعيشون في الكويت وأبوظبي وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة ويحوّلون 7 مليارات دولار سنوياً لأهاليهم في لبنان.
بينما أطلب منك يا سعادة الوزير العبقري الذي جاء من واشنطن برتبة سفير، ان تذكر لنا عدد العاملين من اللبنانيين في «حبيبتك» بلاد الفرس، وكم هو مجموع الأموال التي يتم تحويلها منهم الى لبنان؟
عيب... وألف عيب، أن يتحدث وزير مثقف وعريق في عالم الديبلوماسية بهكذا حديث، لأنّ ما قاله يؤكد أنّ معلوماته تحت الصفر... ولا تليق بموقعه.
من ناحية ثانية، إذا كان يريد الدفاع عن «الفرس» يكفي أنّ الفرس يساعدون الحزب العظيم على حكم لبنان وسوريا والعراق واليمن من خلاله ولو توقف الدعم فماذا سيحصل للحزب وللفرس؟
إنّ ما وصلت إليه وزارة الخارجية اليوم، يجعلنا نترحّم على أولئك العظماء الذين تسلموا مقدّراتها، فقد بتنا في عصر الانحدار والانحطاط، بسبب الذين تسلموا هذه الوزارة في هذا العهد القوي، ولم يكونوا «قدّ الحملة»، بعدما تخلّوا عن الديبلوماسية المطلوبة منهم.