بقلم : زاهي حواس
تتنافس الدول ذات الحضارات والتراث الإنساني على القيام بتسجيل وتوثيق المواقع التراثية والمدن التاريخية وإضافتها إلى قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو العالمية، وبالتالي يكون لهذه المواقع المسجلة وضعٌ خاص في التعامل معها والحفاظ عليها من جميع الأسباب التي قد تعرضها لخطر التغيير أو الضياع؛ كحمايتها مثلاً من مشروعات التمدد العمراني التي قد تؤثر عليها بالسلب. بالفعل هناك ضرورة ملحة لتسجيل المواقع والمدن التراثية والحفاظ عليها كجزء مهم من ثروات البلاد التي لا تقدر بالمال، كونها جزءاً أصيلاً من ذاكرة الأمم والشعوب، وأذكر أنني حضرت كثيراً من اجتماعات هيئة التراث العالمي باليونيسكو، وناقشت كثيراً من الملفات الخاصة بالمواقع الأثرية المقدمة من الدول لبحث إمكانية تسجيلها على قائمة التراث الإنساني العالمي، لكن للأسف كان كثير منها يُرفض من قبل منظمة اليونيسكو، وبعض المواقع يتم البدء في تسجيلها، ثم يتوقف العمل نتيجة مؤثرات سلبية، إما طبيعية أو بشرية، مثل وجود مشروعات التنمية بجوار المواقع التراثية.
هناك تحديات بالفعل تواجه الدول التي تعمل على الحفاظ على تراثها القديم، وفي الوقت نفسه استمرار عجلة التنمية والتطوير في المجالات كافة، لتحسين حياة شعوبها، ويكون التحدي واقعاً يحتاج إلى قرارات مدروسة بعناية في حال تماس الهدفين، بمعنى تلاقيهما في مكان واحد. من هنا تأتي تجربة المملكة العربية السعودية الأولى من نوعها، وهي نجاحها في تسجيل 6 مواقع أثرية على قائمة التراث العالمي؛ بالإضافة إلى 10 مواقع أخرى على القائمة المؤقتة، التي سيتم رفعها إلى القائمة الدائمة، وكذلك تسجيل كثير من المواقع الأخرى للترشيح لقائمة التراث العالمي. ونحن هنا نتحدث فقط عن التراث المادي فقط. بالطبع هذا النجاح، وتلك النقلة النوعية في الحفاظ على تراث المملكة، يقف وراءه جهد وعمل جاد تم الإعداد له بأسلوب علمي رفيع.
ومن أهم المواقع التي أدرجت ضمن قائمة التراث العالمي باليونيسكو موقع مدينة العلا، وقد أطلق على هذا الموقع اسم «أهرامات السعودية». وحقيقة الأمر أن لهذا الموقع سحراً خاصاً؛ وقد زرته مرات كثيرة، آخرها في حضور الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار في مصر. ترى في العلا سيمفونية رائعة لترميم وتطوير الموقع والحفاظ عليه؛ وتوفير كل وسائل الشرح والتعريف بالمكان وأهميته.
جدير بالذكر أن العلا يعمل بها كثير من البعثات العلمية من مختلف دول العالم، التي تهتم بالنواحي التاريخية والأثرية للمكان. وقد سعدت كثيراً عندما شاهدت الفيلم الوثائقي الذي تم تصويره بواسطة قناة ديسكفري، وهو الفيلم الذي شاهده مؤخراً إعلاميون من كل دول العالم، ليتأكد لهم أن المملكة العربية السعودية تولى اهتماماً بالغاً لمواقع التراث والآثار لديها؛ وليس فقط المواقع الإسلامية. وهناك اهتمام كبير من الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود وزير الثقافة بالمملكة العربية السعودية بموقع العلا المهم، خاصة أنه ينتمي إلى المدينة.
لقد تم إدراج حي الطريف في منطقة الدرعية القديمة عام 2010، ومن بعده وضعت جدة التاريخية عام 2014 ضمن قائمة التراث العالمي باليونيسكو، كذلك تم تسجيل الفنون الصخرية في منطقة حائل عام 2015، وواحة الأحساء عام 2018، بعدها تم تسجيل منطقة حمى الثقافية بنجران هذا العام 2021.