بقلم: عماد الدين حسين
أى شخص زار أوروبا قبل ظهور فيروس كورونا ونشوب الحرب الروسية الأوكرانية، سيكتشف على الفور أن أسعار العديد من السلع والخدمات ارتفعت.
ليس الهدف من هذا المقال محاولة الربط وتبرير ارتفاع الأسعار فى مصر، بل محاولة للرصد حتى ندرك ما يحدث فى العالم بسبب تداعيات كورونا والحرب الأوكرانية.
وحتى نكون منطقيين فهناك فارق أساسى بين ارتفاع أسعار السلع فى أوروبا وارتفاعها فى مصر ومثيلاتها من الدول الأخرى.
وهذا الفارق هو مستوى الاقتصاد هنا وهناك، ومدى قدرته على امتصاص وتحمل الصدمات والأزمات. وللتوضيح أكثر فإن الاقتصاد الألمانى مصنف كثالث أقوى اقتصاد عالمى من حيث الناتج القومى الإجمالى بنحو 3.8 تريليون دولار خلف أمريكا والصين، وهو أيضا ثالث أقوى صادرات بحوالى 1.6 تريليون دولار بعدد سكان لا يزيد على ٨٥ مليون نسمة فى حين أن صادرات الصين تبلغ 2.2 تريليون لكن بعدد سكان يزيد على ١٫٤ مليار نسمة، والولايات المتحدة تصدر بنحو 1.6 تريليون بعدد سكان يقل عن 350 مليون نسمة، وطبقا لهذا المعيار فإن الاقتصاد الألمانى هو الأكثر كفاءة عالميا، إذا قارنا حجم الصادرات بعدد السكان.
طبقا للبيانات الرسمية فإن التضخم أخيرا بلغ مستوى قياسيا منذ عام 1990 وربما عام 1981، وارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة 4.7% فى إبريل الماضى مقارنة بنفس الشهر فى العام الماضى. ويتوقع الخبراء أن يزيد معدل التضخم عن مجمل العام الحالى على 6% فى أكبر اقتصاد أوروبى منذ توحيد شطرى البلاد عام 1991.
عند تحرير الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية فى٣ نوفمبر ٢٠١٦، كان المصرى الذى يسافر لأوروبا يتعامل باعتبار أن اليورو يساوى أقل من تسعة جنيهات مصرية، الآن فإن اليورو يساوى نحو عشرين جنيها مصريا، وبالتالى فإنه خسر أكثر من ضعف قيمته أمام كل العملات الأجنبية الصعبة، ثم جاء ارتفاع الأسعار العالمية عموما بسبب تداعيات كورونا وأوكرانيا وارتفاع أسعار الوقود ليفاقم من الأزمة.
الذى يقلق ألمانيا منذ دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا فى ٢٤ فبراير هو الغاز لأن روسيا تزود ألمانيا بأكثر من ٤٦٪ من احتياجاتها من الغاز، والدولة الألمانية أعلنت أنها بصدد التوقف عن الاعتماد على الغاز الروسى قبل نهاية هذا العام. لكن ذلك قد يؤدى إلى ركود متزايد فى القطاع الصناعى.
المانيا تناشد مواطنيها تقليل تشغيل وسائل التدفئة، وقالت إن كل تخفيض فى تشغيل وسائل التدفئة بنسبة معينة سيوفر مليارات اليورهات التى يتم دفعها لاستيراد الغاز سواء من روسيا أو غيرها.
زيادة التضخم مرتبطة بالأساس بزيادة أسعار الطاقة وحينما ركبت مع صديق مصرى مقيم فى برلين الأسبوع الماضى قال لى إن سعر لتر البنزين صار بنحو ٢ يورو أى ٤٠ جنيها مصريا، وهو سلعة محورية لأنه يؤدى إلى ارتفاع العديد من أسعار السلع، كما ارتفعت أسعار السكن بنحو ٢٥٪ وكذلك أسعار التأمين على كل شىء.
وكما عرفت من العديد من المصريين المقيمين ــ قابلتهم هناك فى الأسبوع الماضى خلال حضورى الاحتفال بمرور عشر سنوات على افتتاح فرع برلين للجامعة الألمانية بالقاهرة ــ فإن الأسعار زادت بنسبة تتراوح بين 5ــ30 ٪، مقارنة بآخر مرة زرت ألمانيا وكانت من حوالى 4 سنوات. وطبقا لدراسة اقتصادية فان اسعار السلع ارتفعت بنسبة 16.6% مقارنة بالعام الماضى، وكما قالت الخبيرة الاقتصادية فرونيكا غريم فى مسح لوكالة الأنباء الألمانية: «لقد زاد خطر دوامة الأجور والأسعار بشكل كبير وسيتعين على الألمان التكيف مع الأسعار المرتفعة على المدى الطويل.
قد يقول البعض إن الهدف من وراء هذه الكلمات هو تبرير ارتفاع الأسعار فى مصر، والرد ببساطة أن هناك فارقا جوهريا وهو أن الاقتصاد الألمانى شديد القوة وتستطيع الدولة الألمانية امتصاص العديد من الصدمات ولديها ما يكفى ويزيد من الموارد ليس فقط لمساعدة مواطنيها، ولكن لمساعدة العديد من الدول الأوروبية، بل وأوكرانيا نفسها.
لكن المشكلة تكمن فى البلدان التى تعانى من مشاكل هيكلية فى اقتصاداتها مثل مصر وغيرها.
نحن نعتمد على الخارج ونستورد العديد من السلع الأساسية، ولدينا موارد قليلة ومشكلتنا الكبرى أن صادراتنا قليلة وتعليمنا الفنى شديد الضعف، وبالتالى سوف نعانى كثيرا، لكن علينا تذكر أن العالم أجمع تأثر تقريبا بالأزمة لكن بدرجات مختلفة. وبالتالى فالدرس هو كيف نستفيد مما يحدث فى الخارج بما يقلل من الأضرار.