عن مغامرة مسعود البارزاني…

عن مغامرة مسعود البارزاني…

عن مغامرة مسعود البارزاني…

 العرب اليوم -

عن مغامرة مسعود البارزاني…

بقلم : خير الله خير الله

يشكّل تراجع الأكراد عبر اقتراح يقضي بـ“تجميد” نتائج الاستفتاء، خطوة إلى الأمام. هناك اعتراف بالهزيمة المؤقتة غلّفتها دعوة كردية إلى الحوار وإلى العودة إلى نصّ الدستور العراقي والاحتكام إليه.

يأتي ذلك في وقت تبيّن بوضوح ليس بعده وضوح أن الانتقال إلى الاستقلال لا تزال دونه عقبات كثيرة في مقدّمها رفض كلّ الدول المحيطة بكردستان قيام دولة كردية. كلّ ما تطلبه دول الجوار وحكومة بغداد من الأكراد هو الاستسلام واعتبار الاستفتاء وكأنّه لم يكن، علما أنّه كان وأنّ نتائجه معروفة.

اكتشف أكراد العراق أخيرا، خصوصا رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، أنّ الظروف الراهنة غير مواتية للاستقلال. حصل تراجع، خصوصا بعد الذي حصل في كركوك التي كانت ولا تزال قنبلة موقوتة على الصعد العراقية والكردية والإقليمية.

السؤال ما الحدّ الذي يمكن أن يبلغه التراجع الكردي في وقت ليس هناك من يريد الالتقاء مع الأكراد في منتصف الطريق وإنقاذ ماء الوجه لرئيس إقليم كردستان.

على العكس هناك من يريد الانتهاء من الرجل. أسوأ ما في الأمر أنّ هناك أكرادا يريدون ذلك ويعملون لأجله. هنا أيضا أخطأ البارزاني في سوء تقديره لوزن المعارضة الكردية، وهي معارضة لشخصه أكثر بكثير مما هي معارضة لمشروعه.

الدليل على ذلك، أنّه لم يبرز أيّ اعتراض كردي على لفّ جثمان الرئيس جلال الطالباني الذي يمثّل الأكراد الآخرين، في معظمهم طبعا، بالعلم الكردي وليس العلم العراقي.

حدث ذلك لدى إعادة هذا الجثمان إلى أرض كردستان بعيد الاستفتاء حيث دفن أحد رموز النضال الكردي في السنوات الستين الماضية. لُفّ جثمان الطالباني بالعلم الكردي، علما أنّه بقي سنوات طويلة رئيسا للجمهورية العراقية وكان يمارس صلاحياته من بغداد وليس من السليمانية أو أربيل أو أيّ مكان آخر من كردستان.

كانت حسابات البارزاني خاطئة إلى حد كبير، في مجملها، بعدما تبيّن له أن الموقف الأميركي من النوع الذي لا يمكن الاعتماد عليه. هذا عائد إلى أسباب عدة في غاية التعقيد. كذلك، تبيّن إلى إشعار آخر، أن دعم إسرائيل ليس كافيا كي تنحاز واشنطن للاستقلال الكردي وتدافع عن الاستفتاء ونتيجته.

اختار مسعود البارزاني السير إلى النهاية في الاستفتاء على الاستقلال على الرغم من كل الإشارات التي تلقّاها عن التحفظات الأميركية وعن الموقفين الإيراني والتركي. اختار هذا الطريق الصعب تفاديا للانتحار السياسي بعدما اعتبر، من خلال تجربة استمرّت سنوات عدّة، أنّ لا مجال لشراكة مع الحكومة المركزية في بغداد في ظلّ الدولة الدينية التي نجحت إيران في إقامتها في العراق بعد سقوط نظام صدّام حسين في العام 2003.

لا شكّ أنّ عوامل عدّة جعلت البارزاني يصرّ على الاستفتاء. من بين هذه العوامل ضمور عائدات الدولة العراقية من النفط وترسيخ دور “الحشد الشعبي” بصفة كونه العمود الفقري للنظام الجديد في العراق وللدولة العراقية، وهو دور ترافق مع استمرار الانقضاض الإيراني على مؤسسات الدولة العراقية، أو ما بقي منها.

لعبت عوامل عدّة دورا في إقناع البارزاني وعدد كبير من الشخصيات الكردية بأنّ لا بديل من الاستفتاء في ظلّ التغييرات التي تشهدها المنطقة كلّها بعد مرور قرن كامل على سايكس-بيكو.

ما يمكن قوله الآن إنّ الاستفتاء حصل وإن نتيجته واضحة. من الصعب إلغاء النتيجة ولكن هل في بغداد وطهران وأنقرة من يبحث عن مخرج من أزمة ما بعد الاستفتاء الكردي، وهي أزمة كردية أوّلا.

في ظلّ موازين القوى الراهنة سيكون من الصعب إيجاد مخرج، لكن السؤال الملحّ الذي سيظل يطرح نفسه ماذا إذا حصل تغيّر في موازين القوى القائمة التي مكّنت “الحشد الشعبي” من طرد قوات البيشمركة من كركوك؟

أثبتت إيران من خلال ما شهدته كركوك أنّها اللاعب الأساسي في العراق وأنّ لا وجود لمن يريد التصدّي لها، خصوصا بعدما تجاهلت الإدارة الأميركية الدور الذي لعبه “الحشد” في كركوك، وقبل ذلك في الموصل، بقيادة اللواء قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الايراني.

من الصعب التكهّن بما إذا كانت ستحصل استجابة للتراجع الكردي. لكنّ من السهل التكهن بأنّ هناك من يريد التخلّص من مسعود البارزاني. من الواضح أن بغداد غير بعيدة عن هذا التوجّه بتشجيع إيراني مباشر.

ففي موازاة الكلام الكبير عن استعدادات للجيش العراقي و”الحشد” للقضاء على آخر معاقل “داعش” في الأراضي العراقية، هناك مصادر ذات اطّلاع واسع تؤكّد أن الهدف الحقيقي للجيش العراقي و”الحشد” هو ممارسة مزيد من الضغط العسكري وغير العسكري على أربيل.

هذه ليست المرّة الأولى التي يجد فيها الأكراد أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه. عاد عليهم ارتباطهم بالدعم الإيراني في أيام الشاه بكارثة. كان ذلك في العام 1975. كان كافيا توقيع شاه إيران وصدّام حسين اتفاق الجزائر الخاص بشط العرب في آذار-مارس من تلك السنة، حتى انهار التمرّد الكردي الذي قاده الملّا مصطفى البارزاني.

لن يعيد التاريخ نفسه في العام 2017، لكنّ الثابت أن على الأكراد تقديم مزيد من التنازلات في الظروف الراهنة. هناك استغلال إلى أبعد حدود لنقاط الضعف لدى مسعود البارزاني. تستغل نقاط الضعف حكومة حيدر العبادي، الذي عليه إظهار أنّه ليس رجلا مفلسا كما يحاول أن يصوّره غريمه نوري المالكي. كذلك تستغلّ نقاط الضعف لدى البارزاني كل من إيران وتركيا.

معروف أن إيران تريد أن تثبت في كلّ يوم أنّها اللاعب الأساسي في العراق وأنّ الورقة العراقية في جيبها، في حين ليس سرّا أن أكثر ما يخيف تركيا هو فكرة الدولة الكردية المستقلّة.

كان الاستفتاء الكردي مغامرة غير محسوبة. ربّما كان ذلك عائدا إلى أن مسعود البارزاني لم يقرأ الخارطة الإقليمية وخارطة الانقسامات الداخلية الكردية والموقف الأميركي جيّدا. ربّما أيضا قرأ كلّ ذلك جيّدا. وحدها الأيّام ستظهر هل كان الاستفتاء الذي عبّر الأكراد من خلاله عن حقيقة ما يتطلّعون إليه غير قابل للتأجيل؟

في كلّ الأحوال، مارس مسعود البارزاني لعبة كبيرة سيتبيّن قريبا هل في استطاعته الاستمرار فيها… أم عليه في مرحلة معيّنة التفكير في التنحّي. الكثير سيعتمد على ما إذا كانت موازين القوى الإقليمية باقية على حالها أم لا.

هل لدى رئيس إقليم كردستان معطيات لا يعرفها أحد غيره جعلته يذهب إلى النهاية في مغامرته؟ هل المسألة مسألة وعود أميركية لم ينفّذ شيء منها؟

الأكيد أن الأكراد يستأهلون دولة خاصة بهم. ما ليس أكيدا هل كانت الظروف الراهنة تسمح بمغامرة من نوع تلك التي خاضها مسعود البارزاني…

 

arabstoday

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيّر "حزب الله" ولم تتغيّر إيران!

GMT 06:29 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 06:26 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 04:35 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية منظمة التحرير!

GMT 03:26 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السنوار يكتب مستقبل غزّة ولبنان... ولكن!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن مغامرة مسعود البارزاني… عن مغامرة مسعود البارزاني…



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab