بقلم - إميل أمين
هل نهاية نظام إردوغان، الذي وصفه رئيس الوزراء التركي السابق داود أوغلو، بـ«الاستبدادي» بدا في الانهيار بالفعل؟كل دولة تنقسم على ذاتها تخرب، وكل بيت ينقسم على ذاته لا يثبت، وهذا ما يحدث في الداخل التركي اليوم.
أوغلو رئيس حزب المستقبل التركي يتهم إردوغان بأنه أسس نظاماً استبدادياً في البلاد، وأنه لن يصمد طويلاً، معتبراً أن حزب العدالة والتنمية قد قام بإفراغ أجهزة ومؤسسات الدولة من مضمونها في ظل النظام الرئاسي المطبق منذ منتصف عام 2019.
إردوغان غافل عما يؤدي إليه جنون العظمة المنبت الصلة بالواقعية السياسية، لا سيما أن هناك أنباء تتحدث عن قرب طرح مشروع قانون لتعديل قانون الانتخابات بهدف التضييق على الأحزاب السياسية الجديدة، الأمر الذي يصفه العقلاء والحكماء من البقية الباقية من السياسيين الأتراك بأنه المكافئ الموضوعي لفكرة التقاط النظام أنفاسه الأخيرة.
من أين يمكن للمرء أن يرصد علائم الانهيار الداخلي في البيت التركي؟
الكثير جداً في واقع الحال، ما بين السياسي والاقتصادي، والأمني، وقد أحدث إردوغان اضطراباً كبيراً يحتاج إلى سنوات طوال للمعالجة.
البداية من عند القبضة الأمنية الجنونية التي يتعاطى بها مع الأتراك أنفسهم، وقد بلغ الأمر حد ما يشبه الاضطهاد والمراقبة من قبل وزير الداخلية التركي لرئيس المحكمة الدستورية التركية العليا، الأمر الذي يعني أن القضاء في تركيا بات يمتثل لضغوطات الحكومة غير الرشيدة، ما ولد احتقاناً مضافاً لدى قطاع النخبة السياسية والعدلية الرافضة للاستبداد الذي تحدث عنه أوغلو من قبل.
مشهد آخر يدلل على أن تركيا تتعرض للتجريف الخطير يوماً تلو الآخر، فقد جاءت البيانات مؤخراً تفيد بأن المئات من الأطباء الأتراك يسعون للفرار من الداخل التركي إلى الدول المجاورة، وذلك هرباً من المعاناة الواقعين تحتها من جراء التربص بهم، واعتبار أن من يخالف الخليفة المنزه عن الخطأ خيانة وجريمة تستحق السحق والمحق، ولهذا لم يكن من الغريب أو العجيب أن تتزايد الإصابات من جراء كورونا في الداخل التركي بنسب غير مسبوقة.
منذ بضعة أيام تكشف للعالم أمر خطير للغاية أيضاً؛ وهو أن شركة طيران تابعة لجهاز المخابرات الوطني التركي، تقوم برحلات برعاية حكومية مباشرة من أنقرة، لخطف المعارضين لإردوغان والعهدة على الراوي موقع «نورديك مونيتور»، الأمر الذي يعني أن الجنون الإردوغاني لم يعد يقيم وزناً لعلاقاته الخارجية، كما أنه لم يعد مهموماً أو محموماً بنظرة العالم له، وربما يكون ذلك انطلاقاً من مفهوم أن الغريق لا يخشى البلل.
تركيا تنكشف يوماً تلو الآخر، فالآغا العثمانلي لا وقت لديه للداخل، إنه مشغول إلى أبعد حد ومد بغزوات الخارج وأحلام إعادة العثمانية مرة جديدة، ولهذا فإنه يوماً تلو الآخر تتعرض خزينته للنضوب، ويفقد البنك المركزي احتياطياته، ولهذا كان من الطبيعي أن تنخفض الليرة التركية بنسبة 22 في المائة الأيام الماضية، وبعد أن بلغت الفائدة أقل من الصفر بكثير، وللقارئ أن يتفهم انعكاسات هذا المشهد على واقع حال الاقتصاد التركي في الداخل.
هل التفكك والتفسخ الداخلي لفتا أنظار إردوغان إلى الانهيار القائم والمقبل؟
بالمطلق لا، فالرجل سائر في غيه في منطقة شرق المتوسط وهو لا يدري أنه بذلك يكتسب أعداء جدداً سوف يضيقون عليه الخناق، إلى أن يستسلم، وساعتها سيكون شعبه أول من يسلمه إلى الانقضاء المحتوم.
سقطت رهانات إردوغان على واشنطن، وأخفق تلاعبه على أوتار المتناقضات ما بين موسكو وبكين، لا سيما أن القيمة الاستراتيجية لموقعه وموضعه تتضاءل يوماً تلو الآخر، ولم يعد يفيده التهديد بإغلاق قاعدة إنجرليك أمام الأميركيين، ذلك أنهم سوف يستبقونه ربما قريباً جداً بإخلائها من الحضور التقليدي لـ«الناتو»، والاستعانة بخليج «سودا» بجزيرة كريت كبديل عنها، وقد يكون هناك ما هو أخطر، أي التفكير في إبعاد تركيا مرة واحدة عن «الناتو»، إذا ظل إردوغان ممثلاً للرجل السيئ في منطقة كانت ولا تزال تمثل قلب العالم القديم والمهم.
الأوهام لا تفيد، والبكائيات لا تستنقذ الأمم، لا سيما في مواجهة التكتلات الإقليمية التي تحاول تصويب المشهد، وقد جاء مولد منظمة غاز شرق المتوسط وإعلان القاهرة مقراً لها الأسبوع الماضي، ليؤكد أن الهمجية الإردوغانية في البحر لم تعد مقبولة ولا مستقبل لها.
من المستحيل أن يمضي الرجل المتوهم في مواجهة مصر وإسرائيل واليونان وقبرص وإيطاليا والأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية دفعة واحدة، عطفاً على فرنسا المرجح انضمامها للمنظمة، وواشنطن العضو المراقب اليوم وربما الشريك غداً، وحتى لا تفوت نصيبها من غاز المتوسط.
انهيارات إردوغان تتمثل في جانب مهم آخر وهو السعي للتصالح مع مصر وبأي تضحيات حتى لو كانت فصيل الإخوان الذين يجدون عنده الملجأ، ومصر تراقب والتاريخ يضحك من جهل الأغبياء.
الخلاصة... الاستبداد الإردوغاني لا يفيد.