بقلم - عماد الدين حسين
انتظرنا الرئيس الأمريكى جو بايدن أن يمر، لكنه دخل من أحد الأبواب الخلفية.
حدث ذلك فى وقت مبكر من صبيحة يوم الأربعاء الماضى فى مقر مركز المعارض والمؤتمرات فى ضاحية نائية شمال العاصمة الإسبانية مدريد، وهو المركز الذى شهد أعمال قمة حلف شمال الأطلنطى «الناتو» الحاسمة يومى الأربعاء والخميس الماضيين.
المركز أقرب إلى مدينة متكاملة تجاورها حديقة الملك خوان كارلوس رقم واحد، وهى قريبة جدا من أحد أكبر مطارات مدريد.
الصحفيون والإعلاميون والمصورون اصطفوا منذ السابعة أمام القاعة التى شهدت انعقاد القمة الاستثنائية للحلف. بعضهم سعى جاهدا أن يحجز مكانا مميزا حتى يكون أقرب للمكان الذى سيقف فيه الرؤساء، وبالتالى يتمكن من تصويره أو توجيه الأسئلة إليه.
المكان شديد الاتساع، والعدد كبير جدا، ورغم ذلك كان كل شىء مريحا ومنظما.
عدد المشاركين كبير للغاية ويصل لاكثر من خمسة آلاف شخص منهم ١٥٠٠ إعلامى، فى حين كان الأمريكيون الوفد الأضخم بألف مشارك، وعلى حد قول أحد الأوروبيين الذين قابلتهم، فإن ححم المشاركة ربما يتناسب مع حجم التمويل الأمريكى الذى يمثل 22% من إجمالى الميزانية، وهو الأمر الذى أصر الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب على أن ترفع بقية الدول ميزانيتها العسكرية بنسبة 2%. وأظن أن منطق ترامب الفج يتم تنفيذه الآن بصورة حريرية.
إجراءات الأمن ــ كما كتبت يوم الخميس ــ كانت كثيفة، والإغلاقات التى شهدتها شوارع مدريد كانت أكثر، خوفا من حدوث أى طارئ، خصوصا مع وجود ثلاثين من قادة دول الناتو على رأسهم جو بايدن.
وقفنا ــ نحن الصحفيين ــ فى انتظار وصول القادة وكان أول الواصلين الأمين العام لحلف الناتو ينس سولتنبرج بقامته الفارعة.
حديث الرجل لم يكن يحمل الكثير من المعلومات الجديدة، فهو يتحدث كثيرا منذ غزت روسيا أوكرانيا، هو قال كلاما كثيرا خلاصته أن روسيا صارت التهديد الأكبر للحلف.
انتهى كلام الأمين، ودخل إلى حيث القمة، ثم بدأ توالى وصول القادة. القاعدة أن يدخل الرئيس أو رئيس الوزراء، ويتحدث بكلمات قصيرة للصحفيين، وربما يتلقى سؤالا أو اثنين ثم يدخل القاعة، لكن بعض القادة تحدثوا مطولا، وكان أبرزهم رئيس الوزراء الإسبانى بيدرو سانشيز مستضيف القمة، وكذلك المستشار الألمانى شولتز، والرئيس البولندى أندريه دودا الذى وجه كلامه بالأساس لتليفزيون بلاده.
حينما دخل الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لم يقف أمام الميكروفونات المنصوبة، بل اكتفى بالابتسام وتوجيه تحية للإعلاميين ثم واصل حديثه مع كبار مساعديه واتجه للقاعة مباشرة.
الرئيس التركى رجب طيب أردوغان لم يتحدث للصحفيين أيضا، وانهمك فى حوار مع وزير خارجيته مولود شاووش أوغلو، علما أنه تحدث قبل حضوره بساعات مؤكدا أن بلاده حصلت على ما تريد نظير موافقتها على انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف، ورغم أن الأمريكيين نفوا تقديم أى تنازلات إلا أن رائحة الصفقة كانت تملأ أجواء القمة ليس فقط بتعهد السويد وفنلندا بمنع أنشطة أنصار حزب العمال الكردستانى، ولكن موافقة واشنطن على بيعها طائرات إف 16 الحديثة، علما أن امريكا أوقفت معظم الصفقات العسكرية مع تركيا لإصرارها على شراء نظام الدفاع الجوى الروسى «إس ٤٠٠»، وهو الأمر الذى أغضب واشنطن.
رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون مازح الصحفيين، وتحدث مطولا، والمعروف أنه عمل صحفيا وكذلك زوجته الأخيرة.
حينما دخل معظم القادة، وتجاوزت الساعة الثامنة صباحا، استغرب الكثيرون أن بعض الصحفيين بدأ مغادرة المكان والاتجاه إلى المركز الصحفى الذى يبعد عن قاعة القمة بنحو ألف متر، فى حين أن البعض الآخر ظل واقفا فى مكانه انتظارا لمجىء الرئيس الأمريكى جو بايدن، لكن فجأة قال أحد رجال الأمن إن بايدن دخل القاعة بالفعل، وسأل كثيرون: كيف دخلها فى حين أن الإعلاميين جميعا يراقبون المشهد، وجاءت الإجابة بأنه دخل من باب خلفى حتى يتجنب الرد على أسئلة الصحفيين، ربما على خلفية الهفوات الكثيرة التى صار يقع فيها فى الفترة الأخيرة، لكنه تحدث معهم فى اليوم الثانى والأخير فى مؤتمر صحفى موسع قائلا إن بلاده ستدافع عن كل شبر فى حدود الناتو.
دخل القادة جميعهم، وكانت الخطوة الأهم هى إقرار الاستراتيجية الجديدة للحلف والتى تتعامل مع روسيا باعتبارها تهديدا للحلف، وتحذر الصين من تنامى قوتها العسكرية.
السؤال: كيف سيكون المشهد بعد هذه القمة التى انتهت يوم الخميس الماضى بإقرار الاستراتيجية الجديدة؟!