بقلم : عريب الرنتاوي
تعدّدت التقديرات وتطايرت «السيناريوهات» الخاصة بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة في ضوء نتائج انتخابات الكنيست الـ22: حكومة وحدة برئاسة بيني غانتس، وأخرى برئاسة بنيامين نتنياهو، وثالثة يمينية مصغرة، ورابعة يمين وسط بشبكة أمان عربية، وخامسة وسادسة، بالنظر لتشظي الأحزاب الإسرائيلية وغياب أغلبية وازنة في الكنيست لصالح أي فريق من الأفرقاء المتنافسين.
ما يهمنا في واقع الأمر، ليس شكل الحكومة الجديدة ولا من سيترأسها أو ممن ستتألف ... ما يهمنا هو رصد الأثر الذي يمكن أن يترتب على كل سيناريو من السيناريوهات المحتملة أو المستبعدة، على مسارات القضية الفلسطينية ومآلات حلها النهائي ... ما يهمنا حصراً في هذا المقام، هو كيف سينعكس أي من هذه السيناريوهات على المشروع الوطني الفلسطيني أو ما تبقى منه على أقل تقدير.
وفي الحقيقة أنه وبعد طول تأمل في الخطاب الكتل الحزبية الوازنة وبرامجها، نستطيع الجزم بأنه ما من سيناريو من السيناريوهات العديدة السابقة، يمكن أن يفضي إلى حدوث انفراج على مسارات إنهاء الاحتلال
وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه الوطنية المشروعة ... الانتخابات في نيسان/أبريل الماضي، والتي أعيد إجراؤها بنتائج متماثلة تقريباً في انتخابات أيلول/ سبتمبر الجاري، تظهر انجراف مركز الخريطة السياسية – الحزبية في إسرائيل صوب اليمين ... كتلة من 73 مقعداً في الكنيست (من أصل 120)، تتوزع على ثلاثة ائتلافات / أحزاب: أبيض - أزرق (33 مقعداً)، الليكود (32 مقعداً) وفقاً للنتائج النهائية وإسرائيل بيتنا (8 مقاعد) ... لا حكومة من خارج وعاء اليمين واليمين المتطرف هذا، لا وحدة وطنية ولا مصغرة.
هذه الأطراف تلتقي على رفض «حل الدولتين» وهي تعهدت بمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة، قابلة للحياة ومتصلة جغرافياً ... التصور الجمعي لهذا الأطراف للدولة العتيدة، يضعها في منزلة أقل من دولة وأعلى بقليل من حكم ذاتي ... جميع هذه الأطراف، تنكر حق اللاجئين في العودة والتعويض، والأطراف ثلاثتها، تؤمن بالقدس عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل ... أما منطقة غور الأردن وشمال الميت، فمواقفها منها تراوح ما بين الضم الفوري للسيادة الإسرائيلية أو إبقاء السيطرة الإسرائيلية لقرن قادم من الزمان، حتى أن غانتس اتهم نتنياهو بسرقة شعاراته عندما تعهد ضم غور الأردن وشمال البحر الميت للسيادة الإسرائيلية ... الأطراف الثلاثة تؤمن بضم المستوطنات للسيادة الإسرائيلية، ولا ترغب برؤية الفلسطينيين يسيطرون على حدودهم ومعابرهم الدولية وأجوائه ومياههم وفضائهم.
الأطراف الثلاثة، تنظر لقطاع غزة كمصدر للتهديد، وهي تتمنى أن تستفيق ذات صباح وقد ابتلعته مياه البحر، فإن كان غانتس يؤمن بالقوة الخشنة لفرض معادلات جديدة للصراع وإعادة ترميم الصورة الردعية لإسرائيل، وهو من الذين تورطوا في الدم الفلسطيني من الرأس حتى أخمص القدمين، فإن نتنياهو يفضل المزج ما بين القوة الخشنة والأدوات الناعمة، وإن بمقادير مختلفة ومتغيرة، منطلقاً من فرضية أن بقاء غزة تحت حكم حماس، بل ومنع انهيار سلطة الأمر الواقع في غزة، فيه مصلحة إسرائيلية على المدى المتوسط والأبعد: تأبيد الانقسام وإحباط المطالبات بقيام دولة فلسطينية مستقلة وتسفيه مقولة «الشريك الفلسطيني»... الأطراف الثلاثة، دفنت منذ زمن بعيد «وديعة رابين»، وهي تلقفت بامتنان كبير، هدية ترامب لنتنياهو: الاعتراف بضم الجولان المحتل إلى السيادة الإسرائيلية.
العنصرية الموجهة للفلسطينيين العرب داخل الخط الأخضر، هي قاسم مشترك أعظم بين الكتل الثلاثة، وإن اختلفت وتفاوتت أشكال التعبير عنها: نتنياهو شن أبشع حملات التمييز والشيطنة ضد العرب، وليبرمان يرى فيهم أعداء لإسرائيل، لا يكون حيث يكونون، فيما غانتس يعتذر للإسرائيليين عن تزكية النواب العرب له عند رؤفين ريفلين لتشكيل حكومة جديدة، ويتعهد بعدم تشكيل حكومة تعتمد شبكة أمان عربية بحال من الأحوال.
الحراك الكثيف الذي تشهده إسرائيل لتشكيل حكومة جديدة، وبصرف النظر عن نتائجه ومآلاته، لا يغير في واقع حال الفلسطينيين، ومن الخطأ الرهان على الفوارق الطفيفة في لهجة وخطاب هذه الجماعات، أو رفع سقف التوقعات المرتبط بكل سيناريو من السيناريوهات ... ثمة فوارق بين هذه الكتل في السياسة الداخلية، تخص الإسرائيليين اليهود وتعنيهم في المقام، وربما يتأثر بها، وإن بدرجة ثانية، الفلسطينيون داخل الخط الأخضر، بخلاف ذلك، لا يبدو أن ثمة ما يمكن الرهان عليه.