بقلم - إميل أمين
نهار الأحد الفائت كان فائز السراج، يلتقي السلطان المتوهم إردوغان في تركيا، في زيارة جاءت بعد أقل من شهر من إعلان الأول عزمه الاستقالة وتسليم مسؤولياته للسلطة التنفيذية التي ستنبثق عن لجنة الحوار برعاية الأمم المتحدة نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.
السؤال بين يدَي المشهد: «ما السبب وراء هذا اللقاء الذي يجيء قبل اختفاء السراج من على مسرح الأحداث بثلاثة أسابيع، ذلك إذا افترضنا وفاء السراج بوعده وليس التلاعب على المتناقضات، والنكوص على ما وعد به؟».
المؤكد أنه لا يمكننا تفهم أبعاد تلك الزيارة التي تعد السادسة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) تشرين الثاني 2019، إلا إذا نظرنا إلى المشهد الليبي من جهة والتركي من جهة مقابلة.
على الصعيد الليبي جاءت الزيارة في وقت يبدو فيه، ولو على حذر، بعض علامات التفاؤل من لقاءات الوفدين الليبيين في مدينة بوزنيقه المغربية، الأمر الذي دعا وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطه إلى التصريح بأن الحوار الليبي قد يكون مقدمة لاتفاقيات تُنهي الأزمة الليبية.
على صعيد آخر تتسارع الجهود الدبلوماسية لاستنقاذ ليبيا من الفخاخ والشِّراك الداخلية والخارجية التي تُنصب لها، ولهذا كانت العاصمة الألمانية برلين تشهد نهار الاثنين الماضي مؤتمراً دولياً بتنظيم ألماني وتعاون أممي، عُقد عبر الدوائر التلفزيونية، شارك فيه الأعضاء في مؤتمر برلين ودول جوار ليبيا الست، إضافة إلى دول لجنة المتابعة مثل سويسرا وهولندا.
كان الهدف من لقاء برلين الدفع في طريق تطبيق قرارات مؤتمر برلين، لا سيما أن هناك إشارات إيجابية بعد محادثات مونترو السويسرية ينبغي البناء عليها ومراكمة الإيجابيات.
ولعله من المؤكد أن مناخاً إيجابياً بدرجة ما بات يلفّ الأطراف الليبية من بوزنيقه إلى برلين ومونترو، ما جعل أجواء المفاوضات أكثر أريحية، وبات الحديث عن المناصب السياسية يجري في إطار من الضوابط التقنية والقانونية، السياسية والإدارية لمن سيشغل المناصب.
على الصعيد الليبي كذلك، نرى وربما للمرة الأولى منذ بدايات الأزمة تدخلاً أميركياً جدياً يسعى لإنهاء الأزمة، وبالشراكة مع مصر تحديداً التي تجري على أراضيها لقاءات تسابق الزمن، مثل لقاء السيد عقيلة صالح مع السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند.
قبل هذا اللقاء كان السفير نورلاند قد التقى في العاصمة المصرية العديد من القيادات المصرية لتبادل الحوار حول أفضل السبل لدعم منتدى الحوار السياسي الليبي المرتقب، فيما أحد الأهداف الأساسية بحث توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا.
ماذا عن الجانب التركي، والذي أبدى انزعاجه من فكرة استقالة السراج؟
غداة الإعلان المزعوم، كانت أنقرة تؤكد أن الاتفاقيات الموقَّعة مع حكومة الوفاق ستستمر على الرغم من عزم السراج على الاستقالة، ما يعني خلق «وضع قائم»، يمضي إلى الأمام، مهما تغيرت الإرادة السياسية الليبية، الأمر المرفوض شكلاً وموضوعاً من غالبية الليبيين، إلا من جماعات الإسلام الأصولي الليبية وفي مقدمها جماعة الإخوان المسلمين، تلك التي تدين بالولاء للأغا العثمانلي، على أمل واهٍ موصول بإحياء العثمانية البائدة.
يبقى من المنطقي القول إنَّ كل زيارة قام بها السراج لتركيا طوال عام مضى، كان وراءها هدف يتصل بشَق الصف الليبي، وتعميق الخلافات، وتمزيق النسيج المجتمعي للدولة الليبية حتى لا تقوم لها قائمة.
وبالنظر إلى التحركات الإيجابية الأخيرة والإرادة الدولية الداعمة لليبيين الوطنيين للخلاص من استعباد الأتراك، يمكن القطع بأن زيارة السراج كان هدفها الوحيد هو وضع العصا في دواليب أي تقدم في طريق وحدة الليبيين وإحلال السلام محل الخصام، وكذلك إيجاد التفافة أو مَخرج لإعلان الاستقالة، وهو الهدف التكتيكي، أما الهدف الاستراتيجي فهو الحفاظ على المصالح غير المشروعة التي تحصلت عليها أنقرة في ليبيا، من اتفاقيات تتعلق بالأمن والعسكرة والنفط والاقتصاد، وربما هناك ما لا نعلمه.
يصرح إردوغان في لقائه مع السراج بأن تركيا ستقدم كل أنواع الدعم لليبيا حتى تصل إلى درجة الرخاء.
وهنا يعنّ لنا التساؤل: عن أي رخاء يتحدث الأغا الذي فاته قطار الزمن؟ عن رخاء تصدير الإرهاب والإرهابيين إلى ليبيا كي لا تقوم لها قائمة من جديد، أم عن رخاء سلب ونهب البنك المركزي الليبي، أم تحويل موانئ ليبية مثل مصراتة إلى موطئ قدم للأتراك؟
التضليل الإردوغاني البواح عن أولوية إحلال السلام والحفاظ على وحدة وسلامة ليبيا، أمر لا يستقيم مع الأيادي التركية المخضبة بالدماء في ليبيا.
فات الميعاد، سواء على السراج أو إردوغان، الأول لأنه تابعٌ ومنقاد لرغبات رجل فقد عقله، وبات خياله المريض يخيّل له مقدرته على معاداة مصر وسوريا والعراق عسكرياً، والتدخل في شرق آسيا مع أذربيجان ضد أرمينيا، وتهديد مصالح الطاقة العالمية في شرق المتوسط، ودعم الإرهاب بصورة غير مسبوقة في المنطقة.
وأخيراً، صدق الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد أحمد أبو الغيط، من أنَّ نهاية إردوغان ستكون غير طيبة.