الكنائس فى «مصر»

الكنائس فى «مصر»

الكنائس فى «مصر»

 العرب اليوم -

الكنائس فى «مصر»

بقلم : مصطفى الفقي

وقعت فى يدى لوحة تاريخية لكنيسة مصرية فى العصر العثمانى، وهى توحى بأن الحريات الدينية لم تتعرض دائمًا للقمع الكامل، ولكنها شهدت فترات من الصعود والهبوط ما بين السماحة والاضطهاد.

ولن أذهب بعيدًا إلى «عصر الشهداء» عندما تعرض «أقباط مصر» لمذابح بشعة فى ظل ضغوط العصر الرومانى وما ارتبط به من ممارسات سوف تظل قابعة فى الذاكرة المصرية التى لم يشهد شعبها مثيلًا لها بعد الفتح الإسلامى، كان هناك اضطهاد للأقباط أحيانًا وتضييق عليهم أحيانًا أخرى مع تهميش دائم، وتلك كلها حقائق تاريخية ولكنها لا تعنى فى المقابل أن الأقباط جميعًا قد تعرضوا للقهر المستمر أو الإقصاء الذى لا يتوقف، فقد وصل نبوغ كثير منهم إلى مواقع مرموقة فى الدولة الإسلامية المصرية، وحاز الأقباط مناصب رفيعة فى بعض فترات الازدهار الوطنى.

ويهمنى هنا أن يتذكر الجميع أن جزءًا من معاناة المسيحيين المصريين هو جزء من المعاناة المشتركة التى يدفع ثمنها المسلمون أيضًا، ولقد جاءنى منذ أيام شاب مصرى مسيحى تخرج فى الجامعة عام 2010 يشكو لى أنه لم يجد الوظيفة المناسبة حتى الآن، ويعزو ذلك فى إشارة غير مباشرة إلى أن السبب هو مسيحيته، لذلك كانت دهشتى بالغة، فأنا أعرف عشرات الألوف من أقرانه المصريين المسلمين الذين يعانون البطالة أيضًا، ولم يجدوا الوظيفة المناسبة حتى الآن، فالقضية أن بعض المصريين يحيل الضغوط الاقتصادية العامة أو الروتين المتوطن فى بلادنا إلى مشكلة تختص بها طائفة دينية أو فئة مصرية!

ولاأزال أتذكر أن أستاذنا الراحل الكبير، د. لويس عوض، قد قال لى- ونحن نتناول الغداء معًا- إن «عبدالناصر» كان يبعث برجال المباحث العامة يتسمعون ما يقال فى (الوعظات الكنسية) فضحكت وقلت له: وكانوا يراقبون أيضًا خطب الجمعة وحركة المساجد! فالقضية كانت سياسية بالدرجة الأولى ولم تكن دينية أبدًا، ولقد تألق فى سماء الوطن مفكرون أقباط عظام نعتز بهم ونفاخر، من أمثال نموذجى «سلامة موسى» و«لويس عوض» وساسة كبار تتقدمهم أسماء من عائلات «غالى» و«عبيد» و«عبدالنور» وغيرها، ولو لم يكن لدى المصريين مسيحى لامع دوليًا وإقليميًا ومحليًا إلا «مجدى يعقوب» لكفاهم فخرًا على الدوام.

نعود الآن إلى قضية مبانى «الكنائس» المصرية التى يطل معظمها على مشارف المدن أو ضفاف النيل أو أعالى الكبارى والطرق الدائرية، ولابأس من ذلك، فهناك آلاف المساجد تتمتع بمواقع حاكمة أيضًا، ولكن الأمر المؤكد أن مشكلة بناء «الكنائس» تنحصر فى القرى الصغيرة التى قد تكون فيها أسر مسيحية من حقها أن تجد مكانًا للصلاة، والاعتراض على بناء الكنائس- فى ظنى- خطيئة وطنية وأخلاقية ودينية.

وإذا كانت دولة «اليونان» قد منعت إلى عهد قريب إقامة مسجد فى عاصمتها، وتحفظت «الدولة السويسرية» على مآذن المساجد، فالحالة لا يقاس عليها لأن تلك الدول لديها جاليات إسلامية، أما الأمر فى «مصر» فهو يختلف لأن المصريين جميعًا متساوون والأقباط ليسوا جالية وافدة، ولكنهم مصريون أقحاح شأن إخوتهم ممن دخلوا الإسلام واعتنقوه دينًا، ويهمنى أن أطرح بهذه المناسبة الملاحظات التالية:

أولاً: إننى لا أتحمس- بالمناسبة- لتسمية قانون «بناء الكنائس»، إذ إن ذلك يحتوى تمييزًا سلبيًا لا مبرر له، وكنت أتمنى لو حمل القانون الجديد اسم قانون «بناء دور العبادة»، على أن يتضمن فقرة أولى تضم عملية تنظيم المساجد وبنائها وإشراف وزارة الأوقاف عليها، ثم تنصرف باقى بنود القانون لمسألة بناء الكنائس باعتبارها دور عبادة لها احترامها وتوقيرها إذ يكفى أن الخليفة الراشد «عمر بن الخطاب» قد رفض أن يصلى فى كنيسة «القيامة» حتى لا يتخذ بعض المسلمين من بعده ذلك مبررًا لتحويلها إلى مسجد، و(العهدة العمرية) خير شاهد على روح الإسلام تجاه أهل الكتاب.

كما أننى أهمس فى أذن أشقائنا المسيحيين المصريين أن «الأديرة» هى دور عبادة أيضًا للرهبنة والصلاة وبعضها تصل مساحته إلى مئات الأفدنة، ولذلك فهى تدخل فى المساحة الكلية لدور العبادة المسيحية جنبًا إلى جنب مع «الكنائس»، ولقد تحولت كثير من «الأديرة» إلى وحدات إنتاجية مستقلة، وهذا أمر يحمد لها ولا يحسب عليها.

ثانيًا: إن قانون «بناء دور العبادة» الجديد هو إنجاز وطنى ضخم يجب أن تفاخر به حكومة الرئيس «السيسى» وأن يعتز به المصريون جميعًا، خصوصًا أن الحكومات السابقة وقفت عاجزة دونه! ونرجو أن يضع ذلك القانون نهاية لأسباب التحرش الطائفى والأحداث المؤسفة التى تحدث بين حين وآخر، خصوصًا فى «صعيد مصر»، وهى أمور عانى منها المصريون كثيرًا وأسهمت إلى حد كبير فى تشويه صورة الوطن أمام أبنائه فى الخارج، فضلًا عن ردود الفعل لدى كثير من الدول التى ترصد دائمًا المشكلات المصرية وتستثمر الأزمات التى تحدث فيها.

ثالثًا: إن العبرة ليست بالنصوص- وما أروعها- ولكن باقتناع أبناء الوطن بحقيقة التعايش المشترك التى تكاد تصل إلى خمسة عشر قرنًا لا يمكن إهدارها لأسباب تتصل بالجهل أو التعصب أو التطرف.

ولتقم لجان وطنية- مثل بيت العائلة وغيرها- بشرح روح القانون لمواطنينا فى «صعيد مصر» والقرى ذات التاريخ الملتهب بالأحداث الطائفية، حتى يدرك بسطاء الناس من أتباع الدينين أن «مصر» للجميع، وأن حرمة دور العبادة واحدة، وأن الاحترام المتبادل هو جزء من الصيغة التاريخية للوجود المصرى المشترك، لقد قال المعتمد البريطانى «الدون جورست» فى مطلع القرن الماضى: لم أر فى «مصر» مسلمين ومسيحيين، ولكننى وجدت مصريين يذهب أغلبهم إلى المساجد يوم الجمعة، ويذهب الباقى إلى الكنائس يوم الأحد!

إنها «مصر» صانعة الحضارة ورفيق التاريخ وكنانة الله.

arabstoday

GMT 04:59 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

اعترافات ومراجعات (80).. اليهود وكورت فالدهايم

GMT 03:37 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

مجمع اللغة العربية.. الأزمة والحل

GMT 02:51 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

اعترافات ومراجعات (62) الاكتئاب سلعة إسرائيلية

GMT 03:29 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

اعترافات ومراجعات (59) من أحمد حسنين إلى أسامة الباز

GMT 18:30 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

مصر والأزمات الإقليمية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكنائس فى «مصر» الكنائس فى «مصر»



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:11 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأميرة آن تُغير لون شعرها للمرة الأولى منذ 50 عاماً
 العرب اليوم - الأميرة آن تُغير لون شعرها للمرة الأولى منذ 50 عاماً

GMT 11:50 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ولي العهد السعودي يُدين الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل في غزة
 العرب اليوم - ولي العهد السعودي يُدين الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل في غزة

GMT 14:56 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أداة ذكية لفحص ضغط الدم والسكري دون تلامس

GMT 01:33 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقالات جديدة في أحداث أمستردام وتجدد أعمال الشغب

GMT 13:05 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

مهرجان آفاق مسرحية.. شمعة عاشرة

GMT 06:21 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

مفكرة القرية: الطبيب الأول

GMT 10:50 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

سبيس إكس تعيد إطلاق صاروخ Falcon 9 حاملا القمر الصناعى KoreaSat-6A

GMT 20:05 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

انضمام بافارد لمنتخب فرنسا بدلا من فوفانا

GMT 16:04 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يكشف طبيعة إصابة فاسكيز ورودريجو في بيان رسمي

GMT 07:23 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أزياء ومجوهرات توت عنخ آمون الأيقونية تلهم صناع الموضة

GMT 08:47 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يتألق في حفل حاشد بالقرية العالمية في دبي

GMT 14:12 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ليفربول يفقد أرنولد أسبوعين ويلحق بموقعة ريال مدريد

GMT 22:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

ليوناردو دي كابريو يحتفل بعامه الـ50 بحضور النجوم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab