القاتل في السودان مقتول

القاتل في السودان... مقتول

القاتل في السودان... مقتول

 العرب اليوم -

القاتل في السودان مقتول

بقلم - بكر عويضة

منذ نهار خامس عشر أبريل (نيسان) الماضي، انطلق شبح الدمار ينسف محاولات وقف الإعصار قبل فوات الأوان. مذ ذلك اليوم، طفقت جوارح الصقور تحوم في أرجاء أرض سودان الخير، في حين أخذ نعيق بوم الشر، ونواح غربان القتل، يغطيان بسحب سواد الليل المظلم سماوات ديار قيل فيها، ذات يوم، عن جدارة واستحقاق، إنها «سلة غذاء العالم العربي»، وظل ذلك الوصف يصاحبها طوال أزمان عدة، وخلال عقود ازدهار واعدة، ومن أبناء شعبها الطيب الأعراق، جاب أوطان العرب رجال ونساء، بينهم أطباء يعالجون، وأساتذة يعلّمون، وخبراء في غير مجال، وعلماء في حقول عدة. وفي فضاء الأدب العربي حلّق روائيون وكتّاب سودانيون كبار، رحل بعضهم، إنما بقي إبداع ما تركه يصدح من بعده. بين هؤلاء، مثلاً، كلٌّ من الرائع الطيب صالح، الذي أسَرَ الناسَ بطيب الخُلق، وحُسن المعشر، قبل أن يأسر بقلم كاتب المقال، وخيال الروائي، قلوب قراء وقارئات كل ما كتب. ومثله أيضاً الصديق القريب منه، الأستاذ محمد الحسن أحمد، الناشر الصحافي، والكاتب الملتزم، مؤسس دار «الأضواء» للصحافة والنشر في الخرطوم. ومن قماشتهما كذلك الفاتح التيجاني، الإعلامي الناجح، الفائق التهذيب، والمتواضع حد إنكار الذات تماماً. ومثلهم جميعاً صلاح أحمد إبراهيم، الشاعر الدبلوماسي المرهف.

تلك كانت بضعة أسماء لمع بريقها داخل السودان وخارجه، يُضرب بها المثالُ على العطاء السوداني المشهود له في الفضاء الإبداعي، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن إسهام الخبرات السودانية في فضاءات عدة، عربياً، وفي أفريقيا، وعلى صعيد عالمي، تميز دائماً بمشاركات فعالة، في مختلف المراحل. لماذا، إذنْ، يجب أن يعاني هذا البلد، الواسع الثراء في مجالات كثيرة، من افتقار إلى دوام فترات الاستقرار، بما يمكن شعبه من تجاوز مراحل التخلف عن مواكبة العصر، والقفز إلى صفوف المجتمعات النامية فعلاً، القادرة على تطوير النمو في مختلف المجالات إلى الأفضل، لا الانتكاس إلى الخلف؟ الأرجح أن أول جواب سوف يبرز، للرد على السؤال، هو القول إن الانقلابات العسكرية هي السبب. صحيح. إنما ليس من الصحيح الاكتفاء بوضع المسؤولية على أكتاف ضباط قرروا الخروج من ثكناتهم إلى مواقع العمل السياسي. هم، في السودان وفي غيره من أقطار ابتُليت بهكذا داء، يتحملون النصيب الأكبر مما آلت إليه أوضاع بلدانهم. لكن هذا لن يغسل أيدي قيادات أحزاب سياسية في أكثر من بلد عربي، من مسؤولية الفشل في وضع مناهج عمل سياسي تقوم على خطط علمية، تتوخى المستقبل من منظور غير مؤدلج، وغير أناني، ولا يضع المصالح الحزبية، والولاءات الإقليمية، من جهة، والدولية في الإطار الأوسع، قبل مصالح عموم الناس.

ستة وأربعون يوماً تمر اليوم منذ اندلاع حرب جنرالين كانا حليفين حتى أمس قريب، شهد السودان خلالها أفظع مما جرى خلال صراعات عدة سبقتها. القول إنها «أفظع» نسبي بالطبع؛ بمعنى أن فظاعاتها لن تلغي ما وقع من فظائع خلال الصراع المرير الذي انتهى بانفصال الجنوب عن الشمال، ولن تُنسي الناس آلام حروب دارفور وضحاياها الكثر.

مع أخذ هذا كله في الحسبان، يبقى من المرعب حقاً أن يواجه السودانيون كل هذه المآسي الآخذة في التصاعد يوماً بعد آخر. فأن يغدو أكثر من سبعة وعشرين مليوناً في أشد الحاجة إلى معونات إنسانية، خلال أسابيع معدودة، وهم داخل وطنهم، وفق تأكيد الأمم المتحدة، هو في حد ذاته جرم يتحمل وزره المصرّون على هذه الحرب. يضاف إلى ذلك كله تحول مئات آلاف البشر إلى لاجئين في دول مجاورة، ثم أن تفشل جهات دولية في توصيل المساعدات للمحتاجين، بسبب إفشال المتحاربين كل اتفاق هدنة يتم التوصل إليه، كما أكد بيان سعودي - أميركي قبل يومين، هو نوع من الإصرار على ارتكاب مزيد من الفظائع بلا وازع من ضمير.

علامَ يتقاتل هؤلاء، ثم يجرّون معهم السودانيين إلى مستنقعات اقتتال أبناء وطن واحد، ووحول أحقاد سوف تستغرق طويل وقت كي تندمل، إذا اندملت فعلاً؟ سؤال قد يبدو ساذجاً لمن يغوصون في أعماق نظريات التحليل، ويفتشون عن مبررات إقليمية، أو دولية. لكن، مع ذلك، يكفي أن يتذكر كل متورط في هذه الحرب حقيقة لن يغيّبها أي مبرر، خلاصتها أن القاتل، في السودان، وبكل حرب أهلية، مقتول في النهاية، فعلياً أو معنوياً، حتى لو نجا بعضاً من الوقت.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القاتل في السودان مقتول القاتل في السودان مقتول



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
 العرب اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab