محمد سلماوي
شىء مؤسف ذلك الذى يحدث بين الأحزاب والقوى السياسية الآن، فالانتخابات باتت على الأبواب وهم مازالوا يختلفون ويتفرقون وتتنازعهم اعتبارات شخصية لا علاقة لها بالمصلحة العامة.
إن مجلس النواب القادم أحد أهم البرلمانات فى تاريخنا الحديث، فهو المنوط به تحويل المبادئ التى قامت عليها ثورتا 25 يناير و30 يونيو إلى تشريعات وقوانين ثابتة تقوم عليها الجمهورية الجديدة، وهو المنوط به تطبيق الدستور الجديد ليصبح واقعاً معاشاً، وليس حبراً على ورق، فأين الأحزاب السياسية من كل ذلك؟
إن الدستور الجديد يعطى مجلس النواب سلطة كبيرة فى تشكيل الوزارة، ومن أجل ذلك يجب أن يكون هناك حد أدنى من الاتفاق بين القوى السياسية داخل البرلمان، وإلا سنتحول إلى لبنان آخر فنعجز عن تشكيل وزارة متفق عليها، والدستور ينص على أنه بعد عدة محاولات لتشكيل الوزارة إذا لم تتفق الأغلبية البرلمانية على الوزارة حل البرلمان، وهذا يعنى أن هذه الأحزاب المتنافرة إذا استمرت على هذا المنوال داخل البرلمان ستؤدى إلى حله وتكون قد جنت على نفسها، وكبدت الحياة السياسية جهوداً لا لزوم لها، فهل هذا معقول؟
ثم أين الشباب من ذلك كله؟ إننى لم أسمع عن حزب واحد من بين أحزابنا التى يزيد عددها على الـ80 حزباً، يدعو الشباب للانضمام إلى تحالفه الانتخابى. إن البرلمان القادم ينبغى أن يكون برلمان الشباب، فمن من الأحزاب سعى إلى شباب الثورة وتبناهم حتى يمنحهم الدعم المطلوب فى الانتخابات المقبلة؟
لقد عبر الرئيس عبدالفتاح السيسى عن ضجره مما يجرى بين الأحزاب السياسية فى لقائه بالصحفيين منذ أيام، حين دعا الصحافة والإعلام للقيام بالدور الذى يبدو أنه يئس من أن تقوم به الأحزاب الحالية، فقال: لماذا لا تقومون بإلقاء الضوء على الشباب المتميز الذى يمكن أن يقوم بدور فى المرحلة القادمة؟ ثم كان أكثر تحديداً حين دعا الإعلام لوضع قائمة من 800 شاب تتم دعوة الناس للاختيار من بينهم للانتخابات القادمة.
إن مثل هذا الحديث من رئيس الجمهورية لا يدل فقط على أنه مهموم بالانتخابات القادمة، وعلى أنه يرى أن مجلس النواب القادم يجب أن يعتمد على الشباب إذا كان سيمثل الثورة، لكنه يدل أيضاً على يأس الرئيس من أن تقوم الأحزاب بدورها فى هذا الصدد، فما يطالب به الرئيس الصحافة والإعلام هو صميم عمل الأحزاب السياسية، وإذا كان الرئيس يطالب الصحافة والإعلام بذلك فهذا بسبب فشل الأحزاب فى القيام بهذا الدور لانشغالها بتنافساتها الضيقة والتى لا تهم أحداً.
لقد عشنا لحظة مماثلة بعد قيام ثورة يوليو، انحدرت فيها الأحزاب إلى هذا الأسلوب غير المسؤول، ما أدى إلى قيام الثورة بحل الأحزاب، هذه المرة لن تلجأ القيادة السياسية إلى مثل هذه الإجراءات الاستثنائية، لكن الشعب نفسه هو الذى سيحل الأحزاب بانصرافه عنها، وهذا أخطر عليها، لأن الحزب الذى ينصرف عنه الشعب لا قوام له ولا قيام.