محمد سلماوي
كلما شاهدت صور الدكتور محمد مرسى فى قفص الاتهام وهو يقول: أنا رئيس الجمهورية.. أنا الشرعية! تذكرت كتاباً قرأته منذ خمس أو ست سنوات لوزير الخارجية البريطانى الأسبق ديفيد أوين بعنوان «فى المرض وفى السلطة: مرض رؤساء الحكومات خلال الـ100 سنة الأخيرة»، ففى هذا الكتاب يقول السياسى البريطانى الكبير إن رجال السياسة كثيراً ما يصيبهم المرض النفسى وهم فى السلطة فلا يعودون يسمعون إلا صوتهم مما يؤثر على قراراتهم، وهو يسمى ذلك «عرض الغطرسة» أو Hubris Syndrome ويقول إن هتلر، ومارجريت تاتشر «فى أواخر أيامها فى الحكم»، وإيدن خلال حرب السويس، وجورج بوش الابن، وتيودور روزفلت، ولندن جونسون كانوا جميعاً مصابين بهذا العرض، بينما تشرتشل لم تظهر عليه مثل هذه الأعراض التى يصل فيها المرء إلى مرحلة يتصور أنه منفذ لإرادة إلهية، وأنه يستمع إلى صوت الرب يحدثه، ولجورج بوش تصريحات يعترف فيها بذلك.
وقد يكون ذلك كله من قبيل التشبيه المجازى لولا أن ديفيد أوين فى الأصل طبيب كان متخصصاً فى جراحة الأعصاب قبل أن يتجه إلى السياسة، وقد كان فى شبابه يمارس علم النفس السياسى، وقام بعلاج عدد غير قليل من نواب البرلمان من الاكتئاب ومن إدمان الخمر، وهو يقول فى كتابه إنه خلال هذه الفترة بدأ يلاحظ الضغوط التى يتعرض لها رجال السياسة وكيف تؤثر أمراضهم النفسية على القرارات التى يتخذونها، كما لاحظ أن بعض القادة الذين لم يكونوا مرضى بالمعنى المفهوم كانت السلطة ذاتها تسكرهم وتصيبهم بالهوس بما كان يؤثر على قراراتهم، وغالباً ما يستمر معهم المرض حتى بعد أن يتركوا السلطة.
ويقول أوين إن هناك أعراضاً أولية ينبغى ملاحظتها فى هؤلاء، مثل الثقة بالنفس المرضية، واحتقار ما يقدم لهم من نصائح وإهمالهم التفاصيل بما يفقدهم فى النهاية السيطرة على الواقع.
وقد مكث ديفيد أوين ست سنوات يدرس تلك الأعراض فى بعض أشهر رجال السياسة خلال الـ100 سنة الأخيرة إلى أن خرج بتلك النظرية وأصدر دراسة تحمل اسم «عرض الغطرسة»، وقال إنه أصاب تونى بلير وحليفه الأمريكى فى ذلك الوقت جورج بوش، مما جعله يرتكب أكبر حماقة عرفتها السياسة الخارجية فى العصر الحديث وهى غزو العراق.
وقد قام بنشر دراسته كاملة فى كتابه الممتع الذى صدر سنة 2008 والذى يجعلك تفسر الكثير من مواقف القادة السياسيين غير المنطقية والتى لا تتوافق مع الواقع كما نراه، وإنما تعبر عن واقع داخلى آخر لا يراه إلا المصاب بهذا المرض النفسى.