محمد سلماوي
ما لصحافتنا قد صارت محلية بهذا الشكل! بل تكاد تكون قروية لا تهتم ولا تنشر إلا ما يحدث فى القرية التى تصدر بها،. غير متابعة وغير واعية بما يحدث فى العالم من أخبار قد يتصل بعضها بنا بطريق مباشر أو غير مباشر.
لقد علمت من الصحافة الأجنبية برحيل كاتبة نوبل الشهيرة نادين جورديمر قبل عشرة أيام وتوقعت أن تهتم الصحافة بمثل هذا الخبر، فقد كانت الكاتبة الكبيرة صديقة لمصر، بالإضافة لمكانتها الدولية المرموقة، ولدورها التاريخى فى محاربة التفرقة العنصرية فى جنوب أفريقيا، كما وقفت أكثر من مرة مع حق الشعب الفلسطينى وضد ما كانت تسميه «البطش الإسرائيلى» وكل هذه أسباب كان يجب أن تدفع الصحافة والإعلام فى مصر إلى الاهتمام برحيل تلك الشخصية الكبيرة التى نالت أعلى التقدير على مستوى العالم.
وقد ربطتنى بنادين جورديمر صداقة متقطعة عبر السنين، كانت كلما طالت سنوات عدم الاتصال عادت فتجددت بخطاب أو بلقاء رتبته الأحداث أو الصدفة، ومازلت أذكر أننى اتصلت بها فى مثل هذه الأيام قبل عشر سنوات فى جوهانسبرج بجنوب أفريقيا لأبلغها بأنها مدعوة لتكون ضيفة الشرف فى معرض القاهرة الدولى للكتاب عام 2005، وأنها سعدت بهذه الدعوة وقبلتها على الفور، لكنها وضعت شرطاً بدونه قالت إنها لن تأتى إلى مصر، وهو أن أرتب لها لقاء مع أديب مصر العالمى نجيب محفوظ الذى كتبت له مقدمة الترجمة الإنجليزية لكتابه «أصداء السيرة الذاتية»، لكنها لم تقابله قط.
وقد شرحت لى نادين جورديمر، بعد وصولها القاهرة، أنها ترتبط بمصر ارتباطاً وثيقاً، حيث تابعت دعمها لحركات التحرر فى أفريقيا فى الخمسينيات ومناهضتها لسياسة «الأبارتايد» فى جنوب أفريقيا، والتى كانت قضية جورديمر الأولى فى الكثير من أعمالها الأدبية، لذلك فحين تزوجت اختارت أن تمضى شهر العسل فى مصر التى لم تكن قد زارتها من قبل.
وقالت لى جورديمر ونحن فى الطريق للقاء نجيب محفوظ، إنها زارت مصر بعد ذلك عدة مرات، وفى كل مرة كانت تسعى لمقابلة الأديب المصرى الكبير، لكن لسبب أو لآخر لم يتحقق اللقاء أبداً.
وقد كان لقاء جورديمر بمحفوظ لقاءً تاريخياً بين اثنين من عمالقة الأدب العالمى الحائزين على أعلى جائزة أدبية فى العالم، ودار بينهما حوار هام ومثير امتد لأكثر من ساعة، نشرتُ بعض تفاصيله فى حينه ثم أفردتُ له فصلاً كاملاً فى كتابى «فى حضرة نجيب محفوظ» الذى صدر فى الذكرى المئوية لميلاد أديبنا الأكبر.
وقد زارت جورديمر مصر بعد رحيل محفوظ بدعوة منى أيضاً، حين طلبت منى الجامعة الأمريكية ترشيح شخصية كبيرة تلقى المحاضرة التذكارية بمناسبة منح جائزة نجيب محفوظ التى يقدمها قسم النشر بالجامعة كل سنة، فرشحت نادين جورديمر فقبلت الدعوة قائلة «للأسف لن أستطيع أن أكرر عليك الشرط الذى وضعته حين دعوتنى لمعرض الكتاب»، فقد كان محفوظ قد رحل عن دنيانا، وقامت جورديمر برثائه فى مقال تناقلته الصحف العالمية فى ذلك الوقت.
ألم يكن خبر رحيل تلك الكاتبة العظيمة يتطلب منا مجرد النشر فى صحافتنا القاصرة؟!