أحمد السيد النجار
تبدو الخريطة العربية متخمة بكم مروع من الصراعات التى تهدد دولا كبيرة وصغيرة، بحيث باتت هذه الخريطة وما تنطوى عليه من توازنات تقليدية عرضة لتغيرات كبيرة.
فبلادنا العربية تتعرض بالفعل لهجمات متتابعة من أعدائها فى الخارج، ومن قوى الشر والتخلف والإرهاب الداخلية المتواطئة أو المتوافقة مع الخارج. وصارت مناطق كبيرة ودول رئيسية موضوعا لتلك الهجمات. وسواء كان العدو خارجيا فى صورة استعمارية فظة كما فى حالة فلسطين، أو كان داخليا أو مختلطا كما فى حالات العراق وسوريا فى المشرق، ومصر والسودان فى القلب، وليبيا ودول مغاربية اخرى فى الجناح الغربى للوطن العربي، فإن الخطر الذى يتهدد البلدان العربية يبقى واحدا. ورغم قدم ما تتعرض له الدول العربية، ورغم محاولات بعض الشعوب العربية للثورة لإعادة بناء النظم السياسية على أسس الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية والمساواة، إلا أن هوس استحواذ بعض الفصائل الدينية المتطرفة على تلك الثورات، قد أفضى إلى حالة من الاضطرابات الداخلية والتشويه الحقيقى لمسار تلك الثورات وتحويل بعضها إلى حروب اهلية . كما أن الثورات المضادة داخليا واجهزتها الإعلامية الممولة بكثافة من أموال سياسية فاسدة وغير مشروعة قد لعبت دورا كبيرا فى الانفلات الأمنى وتكفير الشعوب بالثورة كفكرة وكحالة واقعية فى البلدان التى قامت فيها. كذلك ساهمت الثورة المضادة التى قامت بها الدول الاستعمارية الكبرى لتخريب الثورات العربية والقضاء على النزوع الاستقلالى التحررى الذى انطوت عليه، فى تخريب تلك الثورات. وتدخل المال الأجنبى الأسود لتكريس الفرقة والانقسام فى بنية تلك الثورات التى قامت بها فرق سياسية لا يجمعها شىء سوى الاتفاق على إسقاط النظم القديمة دون وجود برنامج سياسى ـ اقتصادى ـ اجتماعى مشترك يمكن التعويل عليه فى بناء نظم جديدة مبنية على التوافق الوطنى على برنامج مشترك، مما دفع الأمور والخيارات السياسية إلى صناديق الاقتراع فى النهاية. وفى ظل هذا الوضع صارت الخلافات حول البديهيات نفسها هى السمة السائدة بين القوى السياسية التى شاركت فى الثورات، وهى حالة يسهل توظيفها من قوى الثورة المضادة لشيطنة الثورات وتخريبها، وهو ما حدث فعليا فى العديد من الدول العربية.
وإذا كانت الحرب الإرهابية التى تواجهها مصر والمدفوعة بحالة من السعار التى اصابت التنظيم الدولى للإخوان ومموليه قد اصطدمت وتصدم ببأس شعب عظيم وبقدرة أجهزة الدولة على المواجهة مهما افلتت عملية هنا أو هناك، فإن الأمر ليس كذلك فى باقى دول المنطقة. ولكن وبما ان الجرح الفلسطينى هو الأكثر نزيفا وألما، وهو الأكثر تجسيدا للمنطق النازى الذى يحكم الكيان الصهيونى فى تعامله مع الشعب الفلسطينى وحقوقه، فإنه الأحق بأن نبدأ به..
جريمة صهيونية جديدة ضد فلسطين والإنسانية بأسرها
فى قلب الوطن العربى يتواصل العدوان الصهيونى الغاشم على فلسطين التى قدمت قافلة جديدة من الشهداء تتجاوز الألف شهيد، فضلا عن آلاف الجرحى، وسط حالة من الصمت المخزى عالميا. والأمر لا يتعلق بحركة سياسية-دينية طائفية ومتطرفة مثل حماس وأخواتها، بقدر ما يتعلق بالشعب الفلسطينى نفسه الذى يتحمل فى جلد أسطورى تبعات الاعتداءات الصهيونية الإجرامية عليه فى أراضيه المحتلة عام 1967. وبداية فإن هذا الشعب له الحق الكامل فى استخدام كل أشكال الكفاح من أجل نيل حريته واستقلاله الوطنى على اراضيه وإقامة دولته المستقلة. وهذا الكفاح والحقوق التى يجرى من اجلها هى من البديهيات لكل من لديه ضمير وطنى وإنساني. وحتى ميثاق الأمم المتحدة والقواعد الراسخة فى القانون الدولى والعلاقات الدولية تقر بحق الأمم والشعوب فى تقرير مصيرها، وهو الحق الذى تم حجبه عن الشعب الفلسطينى البطل حتى الآن. وهذا الشعب اغتصبت العصابات الصهيونية أرضه فى مؤامرة استعمارية غربية دنيئة فى النصف الأول من القرن العشرين وبلغت ذروتها فى حرب الاغتصاب عام 1948. ولم تجد الأكاذيب الصهيونية حول بيع الفلسطينيين لأرضهم نفعا فى تبرير اغتصاب فلسطين إذ أنه من الثابت حتى فى الوثائق الصهيونية نفسها أن كل ما امتلكه الصهاينة من أرض زراعية فلسطينية بالبيع او بالمنح من سلطة الانتداب البريطانية المتواطئة معهم، لم يتجاوز 1,6 مليون دونم تبلغ نحو 11,4% من الأراضى الزراعية الفلسطينية، ولا تزيد على 6% من مساحة فلسطين كلها، بينما تم اغتصاب باقى فلسطين سواء كانت الأراضى الزراعية او الأراضى المشاع. الصحراوية وغير الصحراوية فى حرب الاغتصاب عام 1948. وللعلم فإن الأجانب كانوا يملكون نحو 13% من الأراضى الزراعية المصرية بالحجز والشراء عام 1917 فى ظل وجود فرمان عثمانى تم إصداره عام 1876 وكان يبيح ملكية الأجانب بمن فيهم اليهود الأوروبيون للأراضى فى الدول الخاضعة لتركيا العثمانية بما فيها مصر وفلسطين. واكمل الكيان الصهيونى المزروع كخنجر فى الجسد العربى سيطرته على أرض فلسطين باحتلالها من خلال عدوان إجرامى غادر عام 1967.
ورغم التنازل التاريخى الهائل الذى اقدمت عليه الدول العربية والقيادات الفلسطينية بقبول وجود الكيان الصهيونى كدولة فى حدود ما قبل عدوان يونيو 1967 بالنسبة للبعض، وفى حدود قرار تقسيم فلسطين بالنسبة للبعض الآخر، إلا أن ذلك الكيان عمد إلى أطول حالة مراوغة دولية بشأن إنهاء صراعه مع العرب وفى القلب منهم الشعب الفلسطيني. فكلما وصلت مفاوضات التسوية إلى لحظة الحقيقة التى ينبغى أن يقر فيها بدولة فلسطينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة وفقا لحدود ما قبل عدوان عام 1967، يتم الانقضاض على عملية التسوية التى تجرى أساسا بالشروط والأطر الأمريكية والإسرائيلية. وهذا الانقضاض يتم من خلال انفراط عقد الائتلاف الحاكم فى تل ابيب، بما يتبعه من إجراء انتخابات جديدة والبدء فى المفاوضات من نقطة الصفر مع الائتلاف الحاكم الجديد. أو يتم من خلال إثارة الفرقة بين الفصائل الفلسطينية وإظهار الطرف الفلسطينى بأنه غير قادر على التوافق على صيغة للتفاوض مع الكيان الصهيوني. أو يعمد هذا الكيان إلى إشعال المواجهات مع الشعب الفلسطينى بفعل صهيونى مباشر، أو باستغلال بعض القوى الفلسطينية التى تقوم بهذا الدور فى إطار موقفها من الكفاح من اجل تحرير الوطن المغتصب، أو تقوم به فى اللحظات التى تحتاجها إسرائيل التى اخترقت الكثير من تلك القوى وتنظيماتها.
وحتى بالنسبة للحل القائم على القبول بدولة واحدة من البحر إلى النهر تضم كل الأراضى الفلسطينية فى دولة ديمقراطية لكل مواطنيها على قدم المساواة، فإن الكيان الصهيونى يرفض هذه الفكرة بصورة قاطعة خشية أن تسيطر الأغلبية السكانية العربية فى فلسطين الكاملة على الدولة من اللحظة الأولى. كما أن ثقافة العصابات الإرهابية الصهيونية العنصرية التى انشأت كيانها بالإرهاب لا تقبل بفكرة الديمقراطية والمساواة مع الغير. ويطرح الكيان الصهيونى فكرة شديدة العنصرية واللصوصية فى الوقت الراهن تتمثل فى طلب الاعتراف بيهودية الدولة. وهذا الطلب اللصوصى كلية هو الأساس الذى يريد الكيان الصهيونى أن يبنى عليه استراتيجيته القادمة لتهجير الفلسطينيين خارج وطنهم المحتل عام 1967 والمغتصب عام 1948. وذلك السيناريو المدمر للقضية الفلسطينية هو ما كان يساعد عليه نظام حكم الرئيس المصرى المعزول عبر فتح سيناء للفلسطينيين، وهو امر لم يكن دعما حقيقيا للقضية الفلسطينية بقدر ما كان تسهيلا للخطة الصهيونية الإجرامية لتهويد الدولة وتبرير طرد الشعب الفلسطينى من اراضيه المحتلة إلى دول الجوار العربية.
والحقيقة ان أى مراقب للوضع فى فلسطين سيدرك أن حماس واخواتها قد عمدوا إلى إشعال الجبهة مع الكيان الصهيونى بحثا عن استعادة الشعبية المتراجعة منذ سقوط حكم اقرانهم الإخوان فى مصر وما تبعه من إغلاق الأنفاق السرية التى كانت تعتدى على سيادة الدولة المصرية ، وتشكل اداة إثراء غير مشروعة لأمراء التهريب والمتاجرة بالقضية. لكن ذلك لا ينفى ان للشعب الفلسطينى كل الحق وفى اى وقت لاستخدام كل الوسائل الكفاحية لتحرير وطنه السليب، ولإبقاء قضيته حية فى ضمير الأجيال الفلسطينية الجديدة وفى ضمير العالم.
ولأن الشئ بالشئ يذكر فإن رواية «الحرية أو الموت» للروائى اليونانى الأشهر «نيقوس كازنتزاكس» تدور حول الثورة اليونانية ضد الاحتلال التركى العثماني. وقبل انفجار تلك الثورة فى جزيرة كريت اليونانية، كان كل شئ يشير إلى أنها ستلقى الهزيمة امام قوة وتنظيم الأتراك، لكن الأبطال الذين قاموا بها أرادوا إبقاء قضية شعبهم واستقلاله وحريته، حية فى ضمير الأجيال الجديدة حتى ولو كان الثمن حياتهم التى قدموها قربانا على مذبح الحرية. لكن القضية بقيت حية بفضل تضحياتهم وتمكنت أجيال جديدة من اليونانيين من مواصلة الكفاح إلى أن انتصرت اليونان وازاحت الاحتلال الاستيطانى التركى فى النهاية. وقد اعتبر العالم هذه الرواية واحدة من عيون الأدب العالمي، وتعامل مع كفاح اليونانيين على أعمال بطولية خارقة. وبالقياس فإن كل ما يبقى قضية فلسطين المحتلة حية فى ضمير الشعب والعالم إلى ان تتم تسويتها بصورة قائمة على الحق والعدل يستحق نفس التقدير الذى استحقه ابطال رواية «الحرية او الموت».
العراق.. الجريمة الأمريكية تكملها شياطين الطائفية
فى مشرق الوطن العربى يتعرض العراق وهو عماد رئيسى لهذا الوطن، لمأزق تاريخى بالغ الحرج فهذا البلد العربى الكبير محكوم بصيغة حكم طائفية عرقية دنيئة وضع أسسها الاحتلال الاستعمارى الإجرامى الأمريكي. منذ عام 2003. وفى مواجهة هذا الحكم هناك متمردون بصيغ طائفية أشد تخلفا تدعمها بعض الدول العربية وكأنها تنتقم من العراق وشعبه، ضمن انتقامها الأوسع نطاقا من البلدان العربية التى حكمتها النظم الوطنية والقومية العربية فى وقت سابق. وهناك مجموعة عرقية كردية تحاول الانسلاخ عن الدولة العراقية الموحدة بأكبر غنيمة جغرافية ممكنة، بالسيطرة على الإقليم الكردى ومعه محافظة تقطنها غالبية عربية هى محافظة كركوك أو التأميم بثروتها النفطية الكبيرة، حتى لو أدت سيطرتها عليها على حساب الغالبية العربية والتركمانية فيها إلى فتح بوابات جهنم لصراع عرقى ممتد. ومأساة العراق تكمن فى المطامع الغربية وبالذات الأمريكية الهائلة التى تحيط بثروته النفطية العملاقة التى تعد ثالث أكبر ثروة نفطية مثبتة فى العالم. وتشير أحدث البيانات المتاحة حول حجم الثروة النفطية العراقية إلى أنها تبلغ نحو 143,1 مليار برميل تعادل 11,6% من إجمالى الاحتياطى العالمى من النفط. ووفقا لمعدل الاستخراج الراهن للنفط فى العراق والبالغ 2,7 مليون برميل يوميا، فإن عمر الاحتياطى النفطى العراقى يبلغ قرابة 145 سنة وهو الأعلى عالميا، علما بأن عمر الاحتياطى النفطى للمملكة العربية هو 78 سنة، وعمر الاحتياطى النفطى العالمى إجمالا هو 48 سنة. وللعلم فإن الكثير من الدراسات يشير إلى أن الاحتياطيات النفطية المحتملة فى العراق يمكن أن تدفع به للمرتبة الأولى عالميا فى هذا الشأن، متفوقا على المملكة العربية وإيران.والأسوأ أن الحسابات الأمريكية الغبية التى وقفت وراء غزو واحتلال العراق عام 2003 أفضت فى النهاية إلى إلقائه منزوع السلاح فى حجر إيران والقوى الطائفية المرتبطة بها. وأدت صيغة الحكم الطائفية إلى توليد طائفية مضادة اشد تخلفا وعنفا ودناءة.
وتم بالفعل تحطيم التوازنات الجيوستراتيجية القديمة من أجل استنزاف الشركات الغربية للثروات النفطية العراقية من الدولة المركزية نفسها، او من الدويلات التى صارت تدعم نشوءها على خريطة العراق بداية بالدولة الكردية. ولاتبدو التحالفات السياسية القائمة على اسس طائفية بقادرة على إيجاد اى مخرج للعراق من المأزق الراهن، خاصة فى ظل الدور التخريبى الذى تقوم به بعض الدول العربية ودول الجوار فى تأجيج الصراع الطائفى المدمر فى العراق. ولن يكون هناك من مخرج للعراق إلا من خلال مجموعات وطنية عابرة لكل التنظيمات السياسية الطائفية والقبلية والعرقية القائمة. ويحتاج العراق لأن يكون على راس تلك المجموعات قيادات مشهود لها بالانتماء الوطنى وبتغليب مصلحة العراق على كل ما عداها من مصالح. ومن المؤكد أن تلقى تلك القوى العراقية لمساندة فعالة من قوى دولية وإقليمية حريصة على وحدة العراق وسلامته واستقراره مثل مصر والصين وروسيا وبعض الدول الأوروبية الكبرى، يمكن أن يساهم فى إنجاح اى مسعى من هذا النوع. بل إن هذه القوى يمكن ان تبادر لعقد مؤتمر لإنفاقذ العراق وتحاول العمل على تشكيل هذه الجبهة الوطنية لانقاذ العراق العظيم من شياطين الطائفية والاقتتال الأهلى والتقسيم.
سورية تتفادى المصير الليبى رغم ثأر «القبائل» وانتقام الغرب
فى سورية بدأ الشعب فى المطالبة بالحرية والديمقراطية. وكان رد الأمن عنيفا وغبيا لدرجة انه كانت هناك وعود من النظام فى البداية بمحاسبة من استخدم العنف فى مواجهة التظاهرات الشعبية الأولى فى درعا. لكن الأمر تطور على نحو سريع من خلال التدخلات الإقليمية والدولية التى استهدفت استغلال الهبة العفوية الأولى كمنطلق لتخريب سورية وتدمير وحدتها ودولتها. وكانت إسرائيل والغرب معنيين اساسا بتدمير الأسلحة الأشد فتكا التى تملكها سورية كأدوات دفاعية مثل الأسلحة الكيماوية. بينما كان تدمير الدولة السورية هدفا فى حد ذاته لبعض الدول العربية الآسيوية. وبدا الأمر بالنسبة لتلك الدول اقرب للثأر القبلى المتخلف والعدواني، منه لحسابات الدول التى تضع التوازنات الجيوستراتيجية فى اعتبارها وهى تتخذ اى مواقف دولية أو إقليمية. وبقدر بطء النظام السورى وارتباكه فى البداية فى إتخاذ أى خطوات إصلاحية تستجيب لمطالب الشعب كليا او جزئيا، كانت هناك سرعة هائلة فى تسليح وعسكرة الانتفاضة مما أفقدها حقوقها المدنية من جهة، وجعلها ألعوبة بأيدى من يملكون تمويلها وتسليحها.
وحاول الغرب تكرار النموذج الليبى باستخدام تفوق قوات النظام على قوات المعارضة بعد عسكرتها كمبرر للتدخل الخارجي. لكن روسيا والصين تكفلتا بحماية سورية من المصير الليبي، فضلا عن قوة وبأس الجيش السورى وقدرته على الصمود فى مواجهة قطعان الإرهابيين من كل نوع. وبسرعة البرق ظهرت نماذج من رواد التطبيع مع الكيان الصهيونى كممثلين للمعارضة. وتراجع الدعم الشعبى لهذا النمط للتغيير الذى يحركه أعداء سوريا إقليميا ودوليا. وتقاطر الإرهابيون من كل حدب وصوب على ذلك البلد العربى الكبير والذى يعد عمادا رئيسيا من أعمدة الوطن العربي. وتولى التمويل الملوث الذى قدمته دول غربية كبرى، ودول نفطية كبيرة إلى وقود لإبقاء الحرب الدائرة فى سورية. ورغم أن الدولة السورية قررت فى النهاية التخلى عن الأسلحة الكيماوية كثمن لتهدئة الغول الغربى الراغب فى تدمير قوتها العسكرية، إلا أن ذلك لم يؤثر على مواقف بعض الدول العربية الممولة للمجموعات الإرهابية فى سورية. فتلك الدول تعاملت مع سوريا بمنطق الغزو القبلى الراغب فى التدمير الكامل للطرف الآخر دون أى رادع عقلانى أو سياسى او اخلاقي.
وكما هو الحال بالنسبة للعراق، فإن سورية تحتاج إلى مبادرة إقليمية ودولية من قوى حريصة على وحدتها وسلامتها واستقرارها لإنهاء الحرب وتجفيف منابع الإرهاب، وبناء نموذج حقيقى للمشاركة السياسية واحترام الحريات وحقوق الإنسان والمساواة والعدل، مع إعادة كل الخيارات للشعب السورى الذى يحق له بعد المآسى التى شهدها أن يختار بكل حرية من يقوده لصناعة المستقبل والمصير والمسار.
وفى ليبيا تمكن الغرب فعليا من استخدام عسكرة الثورة وفقدانها لحقوقها المدنية وضعفها امام قوات الجيش النظامى فى الحصول على غطاء دولى لتدخل حلف الأطلنطي. وقد أوصل ذلك التدخل ليبيا إلى حافة التمزق والانهيار كدولة فى الوقت الراهن. وتجدر الإشارة إلى أن ليبيا كانت واحدة من الدول العربية المبادرة إلى تحرير قطاع النفط من السيطرة الغربية فى سبعينيات القرن العشرين. وتملك ليبيا احتياطيات نفطية ضخمة تبلغ 47 مليار برميل من النفط تشكل نحو 4% من الاحتياطى النفطى العالمي. وتلك الثروة والسيطرة عليها كانت دائما هدفا للشركات النفطية الأمريكية والغربية الكبرى. وتلك الشركات تمتلك نفوذا جبارا على الإدارات الأمريكية المتعاقبة. ولو لم تلق ليبيا مساندة كبيرة وحاسمة من الدول المعنية بوحدتها واستقلالها فإن مسيرة الفوضى والاضطراب يمكن ان تودى بما تبقى من عناصر الدولة الموحدة فى هذا البلد العربى المهم.
باختصار تبدو الساحة الإقليمية فى الوطن العربى مهيأة للفوضى وتخريب بنية الدول فى العديد من الدول العربية، بفعل إقليمى ودولي، لكنها فى الوقت نفسه مهيأة لتجاوز الهجمة الاستعمارية من الغرب واتباعه الإقليميين شرط وجود قوة قائدة إقليميا وقادرة على الاختيار والفرز للتحالفات الإقليمية والدولية التى يمكن ان تساعد على معالجة الأوضاع العربية بصورة قائمة على الحق والعدل. وتبدو مصر بحكم الجغرافيا والتاريخ والديموجرافيا والإرث الحضارى هى القادرة على القيام بهذا الدور شرط ان يدرك ابناؤها طبيعة المهمة الملقاة على عاتقهم واهمية تضافر الجهود فى البناء الداخلى لأن من يريد القيام بهذا الدور، لابد ان يكون قد رسخ قواعد بنيانه الداخلى أولا.