تسعى مصر لدفع عملية النمو الاقتصادى بكل الوسائل سواء من خلال الاستثمارات المحلية أو العربية والأجنبية. وهذا النمو هو السبيل لرفع مستويات المعيشة وخلق الوظائف وتمكين البشر من كسب عيشهم بأنفسهم وبكرامة. وإذا ترافق النمو الاقتصادى مع العدالة الاجتماعية فإنه يكون من اليسير تعزيز الاستقرار السياسى والأمنى المبنى على التراضى الاجتماعى وليس على القبضة السلطوية.
وتضع مؤسسات الدولة الإطار القانونى والإجرائى ومعطيات البيئة الاقتصادية والاستثمارية اللازمة لتحقيق النمو. وهذه البيئة من المفترض أن تستنهض استثمارات القطاع الخاص المحلى والأجنبي، فضلا عن القطاع العام. لكن الدولة فيما يتعلق بالقطاع العام تكون مسئولة بصورة مباشرة عن حالته وقدراته على تخليق الدخل والوظائف وإصلاحه إذا تطلب الأمر. فهذا القطاع رافعة مهمة للتنمية الاقتصادية ولقدرة الدولة على القيام بدور المنتج المرجح الذى يدفع السوق وأسعار المنتجات نحو التوازن والعدل بصورة متسقة ومرتبطة بتكلفة الإنتاج الحقيقية بعيدا عن الممارسات الاحتكارية الجشعة. كما أن وجوده يعطى الاقتصاد فرصة ليسير على ساقين هما القطاع العام والقطاع الخاص المحلى والأجنبي، بدلا من السير على ساق واحدة.
وقد قام القطاع العام المصرى بدور تاريخى فى قيادة التطور الاقتصادى الذى أوصل مصر عام 1965 إلى أن تتصدر البلدان النامية فى مؤشراتها الاقتصادية، حيث كان الناتج المحلى الإجمالى لمصر 5,1 مليار دولار، مقارنة بنحو 3 مليارات دولار لكوريا الجنوبية، ونحو 4,4 مليار دولار لتايلاند، ونحو 3,8 مليار دولار لإندونيسيا، ونحو 2,3 مليار دولار للمملكة العربية السعودية فى عام 1965. أى أن كل دولة من هذه الدول كانت تأتى خلف مصر فى حجم الناتج المحلى الإجمالى رغم أن القطاع العام كان هو المهيمن على الاقتصاد المصرى آنذاك.
القطاع العام يواجه النكسة ويمول الحرب
كان القطاع العام المصرى هو الآلة الجبارة التى مكنت مصر من إعادة بناء بنيتها الأساسية العسكرية وتسليح جيشها بعد هزيمة عام 1967. وكان التماسك والاحتشاد الشعبى والرسمى ولحمة الدولة والشعب استعدادا للحرب من أجل استعادة الأرض والكرامة دافعا هائلا للقطاع العام ليحقق إنجازات كبيرة ويقوم بدور مشرف فى تمويل حرب الاستنزاف وفى الاستعداد للمعركة الكبرى فى أكتوبر 1973. لقد تعرض الاقتصاد المصرى لخسائر هائلة فى حرب 1967. فقد فقدت مصر 80% من معداتها العسكرية فى تلك الحرب. كما فقدت ثروات سيناء ومنها النفط والفحم والإمكانيات السياحية بعد أن وقعت تحت الاحتلال الصهيوني. كما فقدت إيرادات قناة السويس التى كانت قد بلغت 95,3 مليون جنيه تعادل 219.2 مليون دولار عام 1966. كما تكبدت مصر خسائر جسيمة فى منشآت ومعدات قناة السويس قدرت بنحو مليار جنيه تعادل 2300 مليون دولار. كما تعرضت العديد من المنشآت الصناعية والعقارية للتخريب والتدمير الجزئى أو الكلي. كما فقدت مصر جزءا مهما من إيراداتها السياحية عموما، فضلا عن الخسائر البشرية.
وقد قدر رئيس وزراء مصرى فى منتصف السبعينيات تلك الخسائر المتراكمة بنحو 11 مليار جنيه مصرى أى نحو 25 مليار دولار بأسعار تلك الفترة حيث كان الجنيه المصرى يساوى نحو 2.3 دولار فى الفترة ما بين حربى يونيو 1967 ، وأكتوبر 1973.
ورغم هول الخسائر الاقتصادية التى منيت بها مصر من جراء العدوان الصهيونى فى عام 1967، فإن القطاع العام المصرى مكن مصر من الصمود وإعادة بناء القدرات العسكرية ومن الوفاء بالاحتياجات الاجتماعية الأساسية، ومن تمويل حرب الاستنزاف ومن بعدها حرب اكتوبر.
لكن هذا القطاع يتعرض بصورة عامة وبالذات فى بعض وحداته لوضع مأساوى منذ سنوات طويلة. وبالتحديد منذ أن كفت الدولة عن التخطيط المنظم لبناء استثمارات صناعية عامة جديدة قبل ما يقرب من أربعة عقود. وتتمثل الأزمات الرئيسية للقطاع العام فى غياب التمويل الضرورى للتحديث وحتى لشراء الخامات الضرورية للعمل فى بعض الأحيان، وجمود الرؤى القائمة على إدارة أصول القطاع العام وقطاع الأعمال العام. كما أن بعض وحدات القطاع العام ابتليت لفترات طويلة بقيادات محدودة الكفاءة وأحيانا فاسدة من أهل الثقة لا الخبرة.
إهدار القطاع العام بالخصخصة
كان النصف الثانى من سبعينيات القرن العشرين إيذانا ببدء التدهور فى القطاع العام المصري. فمنذ ذلك الحين غابت استراتيجية التنمية الصناعية. وكفت الدولة عن تطوير وتحديث قطاعها العام إلا فيما ندر من حالات استثنائية. وبعد ذلك بدأت عملية التدمير المنظم لذلك القطاع وتخسير بعض وحداته وبيعه للمستثمرين المحليين والعرب والأجانب فى صفقات شهدت غالبيتها إهدارا مروعا للمال العام ومستويات فارقة من الفساد الذى أكد القضاء المصرى حدوثه بالحكم بإعادة بعض تلك الشركات للدولة على ضوء فساد صفقات خصخصتها. وقد كتبت كثيرا عن الفساد فى صفقات الخصخصة منذ أكثر من عقد ونصف العقد من الزمن وحتى الآن سواء فى تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية الذى يصدره مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أو فى الكتب والكراسات الاستراتيجية أو على هذه الصفحة فى جريدة الأهرام. ومن يريد الرجوع إلى تفاصيل الفساد فى خصخصة الشركات والأصول العامة يمكنه الرجوع لمقالات سابقة أو دراسات فى التقرير المشار إليه.
وعندما طرحت فكرة الخصخصة فى بداياتها الأولى فى مصر، كان المستهدف بالخصخصة وفقا للمطروح آنذاك هو الشركات العامة الخاسرة باعتبار أن الخسارة تنم عن سوء الإدارة العامة وبالتالى فإن بيعها للقطاع الخاص الساعى لتحقيق أقصى ربح دائما يمكن أن يحولها إلى شركات رابحة. أما ما قيل عن أن الخصخصة تعد مدخلا لتوسيع قاعدة الملكية وإشراك أكبر عدد من المواطنين فى ملكية الشركات التى كان القطاع العام يملكها، فإنه كان أقرب للهزل فى موضع الجد لأن أوسع قاعدة للملكية على الإطلاق هى قاعدة الملكية للقطاع العام المملوك للشعب بأسره. ولم يكن بيع تلك الشركات للأجانب مطروحا أصلا.
ومضت سنوات قبل أن يتم تحويل الفكرة إلى واقع عملي. وعندما بدأ التطبيق، طرحت للبيع أفضل الشركات والفنادق الرابحة، وتم تناسى ما طرح فى البداية عن بيع الشركات الخاسرة عندما كان الهدف هو إقناع المواطنين بالفكرة التى لم تناقش بصورة كافية، وقام دعاة الخصخصة فى الداخل والخارج باستغلال المناخ العالمى المواتى بعد موجة الخصخصة فى بريطانيا والولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخرى وبعد تفكك الاتحاد السوفيتى السابق وانهيار نظامه القديم.
باختصار تعرضت مصر، عند تطبيق برنامج الخصخصة، لابتزاز الحالة العالمية، خاصة وأن هذا الابتزاز تم عبر مواقف الدول الدائنة لمصر وعبر صندوق النقد الدولى الذى أصبح أهم أدواره هو أنه يعمل كوكيل للدول الدائنة فى مواجهة الدول المدينة والذى شكلت خصخصة القطاع العام المصرى مطلبا رئيسيا له وللدول الدائنة لمصر كشرط لإعادة جدولة الديون وإسقاط جانب منها.
وقد ساهمت كل هذه الظروف والملابسات فى سيادة منطق أيديولوجى متعسف فى تناول القضية. وقد بدا الأمر أحيانا وكأن القطاع العام خطيئة أو كابوس ينبغى التخلص منه لتحقيق الانطلاق الاقتصادي، رغم أنه تطور وتعاظم دوره فى الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة كآلية لمواجهة أزمة الكساد العظيم فى ثلاثينات القرن العشرين عندما تدخلت الدولة لاستعادة التوازن الكلى فى الاقتصاد ولرفع مستوى التشغيل من خلال الإنفاق العام. كما تعاظم دور القطاع العام فى تلك الدول أيضا بعد الحرب العالمية الثانية حينما كان من الضرورى أن تتدخل الدولة لإعادة بناء الاقتصاد الذى خربته الحرب ولاقتحام بعض المجالات الحيوية للاقتصاد والأمن القومي. كما أن القطاع العام نشأ فى غالبية الأحوال فى الدول النامية نتيجة لعجز القطاع الخاص فى تلك الدول عن تنفيذ الاستثمارات الضرورية لتحقيق التقدم الاقتصادى وسد فجوة التخلف عن الاقتصادات المتقدمة وبناء أسس اقتصاد قادر على التفاعل مع الاقتصاد الدولى من موقع قوي. وبالتالى فإن هذا القطاع العام قام ويقوم بدور مهم فى الاقتصادات النامية بالذات، ويمكن إصلاحه ومنع الفساد فيه ومكافحته إذا حدث، فى حالة وجود نظام ديموقراطى كامل يتضمن تداول السلطة السياسية من ناحية، ويضمن أيضا عدم استمرار أى رئيس لمجلس إدارة أى شركة أو هيئة عامة لأكثر من 5 سنوات فى منصبه كآلية لمنع الجمود ولقطع الطريق على تكون شلل الفساد.
والخصخصة ليست هى التحرير الاقتصادى لأن أحدا لا يمكنه أن يدعى أن الاقتصاد البريطانى قبل تاتشر التى قادت عملية الخصخصة فيه، أو الاقتصاد الأمريكى قبل ريجان الذى انطلق بدوره بعملية الخصخصة فيه، كانا اقتصادين اشتراكيين أو قائمين على التخطيط المركزي، لأنهما ببساطة كانا أكثر اقتصادات العالم تحررا بمعنى إتاحة الحرية الكاملة للقطاع الخاص للعمل فى كافة المجالات مع تحرير العلاقات الاقتصادية الخارجية بدرجة عالية. والحقيقة أن اعتماد سياسة الخصخصة فى الدول الصناعية المتقدمة لم يكن تحولا نحو تحرير تلك الاقتصادات، لأنها كانت حرة منذ البداية وإنما كان تحولا باتجاه تهميش الدور الاقتصادى المباشر للدولة لمصلحة تعظيم هيمنة القطاع الخاص على الاقتصاد بعد أن أثبت قدرته ولسنوات طويلة على تحقيق الأهداف الاقتصادية للدولة فى الداخل والخارج وعلى تعظيم القوة الاقتصادية كمكون رئيسى للقوة الشاملة للدولة، فضلا عن الالتزام بالأعباء العامة المتمثلة أساسا فى سداد الضرائب. كما أن تحول أحجام عملاقة من الفوائض النفطية والفوائض التجارية الآسيوية إلى أسواق المال وقطاعات العقارات الغربية وبالذات البريطانية والأمريكية، أدى إلى اضطرابات جمة فى أسواق المال، وإلى تصاعد مخاطر الفقاعات العقارية، مما جعل الدولة تتجه لتقييد الأموال الجامحة بأصول ثابتة من خلال برنامج الخصخصة.
لكن من الضرورى الإشارة إلى أنه فى الوقت الذى جرى فيه تهميش الدور الاقتصادى المباشر للدولة أو دورها كمنتج مباشر للسلع والخدمات فى الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة، فإن الدولة حافظت بل وزادت من دورها غير المباشر فى الاقتصاد من خلال الإنفاق العام فضلا عن صياغة السياسات الاقتصادية العامة. وقد بلغ الإنفاق العام للدولة كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى عام 2012 نحو 47% فى فرنسا، ونحو 44.9% فى بلجيكا، ونحو 41.9% فى هولندا ونحو 41.8% فى بريطانيا، ونحو 40.7% فى إيطاليا، ونحو 54.6% فى اليونان. وبلغت النسبة فى مصر نحو 30.5% فى العام نفسه وفقا لبيانات البنك الدولى بقاعدة البيانات الخاصة بتقرير مؤشرات التنمية فى العالم 2015.
أما فى مصر، فإنه لم يكن هناك مبرر واحد لخصخصة القطاع العام وأفضل شركاته وفنادقه الرابحة. فمصر دولة مستوردة لخدمات رأس المال وليست دولة صاحبة فوائض مالية أو يتدفق لمصارفها وأسواقها أحجام ضخمة من الأموال، كما كان الحال فى بريطانيا، كما ان عمليات الخصخصة تقطع الطريق على بناء استثمارات جديدة، لأنها ببساطة تؤدى إلى توجيه الأموال الراغبة فى بناء تلك الاستثمارات الجديدة إلى شراء أصول قائمة ومنتجة فعليا، وبذلك لا تتم إضافة أى أصل إنتاجى وإنما مجرد تدفقات نقدية للحكومة على قدر وقيمة ما باعته من الأصول العامة.
ونظرا لأن الدولة فى مصر لم يكن لديها موقف موحد من فكرة بيع الأصول العامة من الشركات والفنادق والأراضي، فإنه فى الوقت الذى تم فيه بيع القطاع العام المدني، كان القطاع الاقتصادى التابع للجيش والذى ينتج سلعا عسكرية ومدنية، يشهد نموا سريعا بما أبقى على دور مهم للدولة فى الاقتصاد وإن بصبغة عسكرية ويعمل طبقا لآليات مختلفة ويتمتع بميزات خاصة فى مجالى العمالة والضرائب بصورة لا تتمتع بها الشركات العامة والخاصة التى تتنافس معه فى الاقتصاد المدني.
وزارة مستقلة وإصلاح جوهرى للقطاع العام
منذ أكثر من عقد من الزمن أصبح القطاع العام يتيما، حيث نقلت تبعيته لوزارة الاستثمار، ومنذ ذلك الحين تولت الوزارة عمليات الخصخصة، بينما تراجعت فكرة الإصلاح. وحتى عندما قيل أن هناك عمليات إصلاح كانت فى الحقيقة عبارة عن عمليات بيع ظالمة لأفضل قطع الأراضى التى تملكها بعض الشركات لمصلحة البنوك الدائنة، والآن يبدو الأمر أقرب للكابوس، فالعديد من شركات القطاع العام الكبرى تعانى الخسائر، وتضطر الدولة لإنفاق مبالغ كبيرة سنويا لتقديم دخول إضافية للعاملين فيها فى صورة حوافز تعينهم على مواجهة متطلبات الحياة، وسوف يستمر هذا النزيف لأن هذه الطريقة تنتصر للدور الاجتماعى للدولة طواعية، أو تحت ضغوط العمال، بمنطق »إطفاء الحرائق«، لكنها لا تنتصر للإصلاح الحقيقى للقطاع العام، أو لثقافة البناء وترسيخ الاعتماد على الذات.
وكما ورد فى البداية، فإن المعضلة التى تواجه شركات القطاع العام، وحتى الصحف القومية ومطابعها، هى نقص التمويل الضرورى لتحديث الآلات والمعدات لرفع معدلات إنتاجية العمل ورأس المال. ونقص التمويل الضرورى لشراء الخامات والسلع الوسيطة.
وترتيبا على ذلك، فإنه لا بد من إعطاء أولوية قصوى لضخ أحجام كبيرة من الأموال فى شركات القطاع العام لتحديث الآلات وتوفير الخامات، وعلى ضوء تحديث الآلات وتوفير الخامات يمكن لتلك الشركات أن تعمل بطاقتها القصوى وبمعدلات إنتاجية أعلي. وهذا الأداء سيمكنها من تجاوز الخسائر وتحقيق أرباح يمكنها تمويل تحسين دخول العاملين وتحقيق فائض محول للموازنة العامة للدولة ومراكمة احتياطيات مالية، ولا بد أن يقترن الإصلاح بإعلاء قيمة العمل وإلزام العاملين بوقت العمل ونوعيته بشكل صارم لا يسمح بكل أشكال التلاعب لتضييع وقت العمل، كما أن التدريب المستمر لرفع الكفاءة سيكون مهما فى هذا السياق، كما أن إنهاء البطالة المقنعة تدريجيا بوقف أى تعيينات لحين الوصول للأعداد المطلوبة للعمل فعليا وفق قواعد تعلى من قيم التفوق والكفاءة هى أمور مهمة لإصلاح القطاع العام.
ونظرا لأن ثقافة الانفتاح والعمل على جذب الاستثمارات العربية والأجنبية ترتبط تاريخيا بإهمال القطاع العام، أو النظر إليه نظرة دونية، فإنه ربما يكون من الأوفق إعادة وزارة قطاع الأعمال العام كوزارة مستقلة تكون مهمتها رعاية وإصلاح وتطوير الشركات المملوكة للدولة وتحويلها إلى مشروعات رابحة قادرة على الوفاء بمتطلبات العاملين فيها، وقادرة أيضا على تحقيق أرباح تؤدى لمراكمة الاحتياطيات وتمويل التجديد والتطوير أو تحويل الفوائض للدولة.
وعند أى حديث عن إصلاح جوهرى للقطاع العام فإن السؤال الذى يقفز للذهن هو كيف يمكن توفير الأموال الضرورية لتمويل هذا الإصلاح؟
والحقيقة أن الدولة يمكنها أن تقوم بذلك ضمن إنفاقها العام، خاصة وأن انخفاض أسعار النفط قد تكفل بتخفيض مخصصات دعم الطاقة بصورة هائلة، حيث انخفضت أسعار النفط فى الوقت الراهن إلى أقل من ثلث مستواها فى صيف عام 2014. كما أنه ينبغى التعامل بكفاءة ومرونة مع أصول الشركات العامة بما يمكنها من تمويل هذا الإصلاح فى الكثير من الأحوال.
وعلى سبيل المثال فإن شركة طنطا للكتان المقامة على 83 فدانا فى منطقة ميت حبيش بطنطا على بعد 50 مترا من طريق القاهرة ـ الإسكندرية الزراعي، يمكن أن تستغل نحو 16 فدانا أى 67200 متر فى أنشطة عقارية ومعارض سلعية ومناطق ترفيهية وتحقق عائد هائل من ذلك يستخدم فى تطوير وتحديث الآلات والمصانع بصورة ملهمة. بل ويمكن نقل المصانع إلى مدينة صناعية جديدة ولتكن مدينة السادات مع بناء مساكن ومؤسسات خدمية تعليمية وصحية للعمال الذين سينتقلون إلى تلك المدينة وإخلاء مكان المصانع القديمة كليا واستغلال مساحتها الهائلة فى مشروعات سكنية وتجارية وإدارية واستخدام العائد فى تمويل عملية التحديث وتوفير الخامات ونقل المصانع والاحتفاظ باحتياطيات مالية استراتيجية يمكن استثمارها مصرفيا لحين الحاجة إليها فى تمويل أى توسعات أو استثمارات إنتاجية جديدة. وهذا الأمر متكرر فى الكثير من الشركات. وفى كل الأحوال فإن بقاء الحال على ما هو عليه وتكرار التوترات العمالية بسبب ضعف إنتاجية الشركات وخسائرها واحتياجها للدعم المتكرر من الدولة هو أمر غير مقبول. وينبغى حسم هذه القضية بصورة عملية واقتصادية واجتماعية فى آن للحفاظ على الشركات وتطويرها حتى تصبح رافدا للنمو وخلق الوظائف وزيادة الصادرات وترسا عملاقا فى آلة النهوض الاقتصادي، بدلا من كونها عبئا ثقيلا على الدولة فى الوقت الراهن.