الاستثمار المحلى والأجنبى وتقرير الاستثمار العالمى

الاستثمار المحلى والأجنبى وتقرير الاستثمار العالمى

الاستثمار المحلى والأجنبى وتقرير الاستثمار العالمى

 العرب اليوم -

الاستثمار المحلى والأجنبى وتقرير الاستثمار العالمى

أحمد السيد النجار

تُعَد المهمة الاقتصادية الكبرى المطروحة على الحكومة المصرية فى الوقت الراهن بعد الحالة التى أوجدها افتتاح القناة الجديدة هى استنهاض الاستثمارات المحلية واجتذاب الاستثمارات العربية والأجنبية المباشرة فى القطاعات الأكثر أهمية وحيوية للاقتصاد والمجتمع فى مصر. وقد بدأت بالاستثمارات المحلية لأنها هى الأساس وهى القادرة على إيجاد دورات النمو والازدهار الاقتصادى فى أى بلد. فتلك الدورات تتحقق بالأساس من خلال سواعد وعقول وأموال أبناء البلد. وعندما تبدأ دورات الازدهار الاقتصادى فى أى بلد، فإنها تغرى المستثمرين الأجانب على التوجه لذلك البلد والالتحاق بدورة ازدهاره، والمشاركة فى الاستفادة من تلك الدورة للنمو والازدهار. وكلما كانت تلك الاستثمارات المحلية ممولة بالمدخرات المحلية وليس من خلال الاقتراض من الخارج فإنها تكون أكثر فاعلية وتضمن حركة رأس المال وأرباحه داخل السوق المحلية وتقلل استنزاف الموارد الذى يحدث فى حالة الاقتراض من الخارج.

وترتيبا على ذلك فإن المهمة القومية ذات الطابع العملى والثقافى فى آن هى اتخاذ الإجراءات الكفيلة برفع معدلى الادخار والاستثمار المحليين وتعزيز ثقافة الادخار والاستثمار وفقا للآليات التى تم تناولها مرات ومرات فى مقالات سابقة. وفى هذا السياق تبدو المبادرات الاستثمارية الحكومية أمرا لا مناص منه، سواء كان ذلك من خلال زيادة مخصصات الاستثمار فى الموازنة العامة للدولة لإنشاء مشروعات عامة تستثمر الموارد المعدنية والمحجرية الطبيعية، أو من خلال مشاركة الحكومة فى الاكتتابات العامة بنسبة رمزية لتشجيع المواطنين على الإقبال على تلك الاكتتابات المكرسة لبناء مشروعات خاصة. وفضلا عن ذلك فإن تطوير السياسات المصرفية للتركيز على إقراض القطاع الخاص الكبير والمتوسط والتعاونى والصغير لتمويل التجارة والاستثمار، وإنشاء حضانة قومية للمشروعات الصغيرة ووضع أموال الصناديق الخاصة تحت ولايتها لتمويل ورعاية المشروعات الصغيرة والتعاونية كثيفة الاستخدام للعمالة، وتسهيل إجراءات تأسيس الأعمال والتخارج منها إلى أقصى حد لتشجيع الاستثمارات عموما.

ونؤكد مرة أخرى أن استنهاض وتطوير الاستثمارات المحلية لا يعنى الانغلاق بل يتطلب تعزيز الاندماج فى الاقتصادين الإقليمى والعالمى ولكن من مواقع متوازنة وعادلة. كما أن الاستثمارات الأجنبية التى ستأتى بالضرورة فى حالة بدء دورة من النمو والازدهار الاقتصادى فى مصر لابد أن يتم توجيهها فى المسار الصحيح الذى يضمن تحقيق أهداف مصر من تلك الاستثمارات وتمكينها من تحقيق الأرباح المعتدلة التى تهدف إليها على قاعدة تبادل المنافع. وفى هذا السياق ربما يكون من المفيد إجراء تحليل عام لحركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى مصر وعبر العالم والتى يرصدها تقرير الاستثمار العالمى الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الاونكتاد).

حركة الاستثمارات ورؤية الرأسمالية العالمية

بداية لابد من تأكيد أن حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة عبر العالم تُعَد مؤشرا على الرؤية الحقيقية للرأسمالية العالمية لمناخ الاستثمار فى البلدان المتلقية لتلك الاستثمارات وقدرة الرأسمالية على تحقيق الأرباح من العمل فيها. وإذا كان مناخ الاستثمار يتضمن حالة وأداء وانفتاح وحجم الاقتصادات المتلقية للاستثمارات الأجنبية والإطار التشريعى والتنفيذى الذى يحكمها، فإنه يتضمن أيضا حالة الاستقرار الأمنى والسياسى فى البلدان المتلقية للاستثمارات ومدى اكتمال واستقرار مؤسسات النظام السياسى فيها. لكن ذلك لا ينفى أن هناك انحيازات سياسية للرأسمالية العالمية. وتلك الانحيازات قد تؤدى على سبيل الاستثناء لتوجه الاستثمارات لبعض الأسواق متجاهلة الاعتبارات الأساسية السابقة فى محاولة لخلق نموذجها فى هذا الإقليم أو ذاك. ويعتبر تدفق الاستثمارات الأجنبية للكيان الصهيونى وهونج كونج فى زمن خضوعها للسيطرة البريطانية نموذجا لذلك.

وبالنسبة لدولة مثل مصر فإن الاعتبارات العادية هى التى تحكم تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إليها. بل إنها عانت لفترة طويلة من تحيز عكسى بسبب النظرة الاستعمارية التقليدية لمصر باعتبارها قلب أمة يمكنها أن تجمع هذه الأمة لتصبح قطبا عالميا إذا حققت نهوضا اقتصاديا قويا. وهذه النظرة هى نفسها التى تنطلق منها المخططات الاستعمارية لتفتيت البلدان العربية عبر تجميع قطعان الإرهابيين من كل حدب وصوب وتوفير التمويل اللازم لها عبر دول نفطية وتسليحها لتدمير وحدة دول مثل ليبيا وسوريا.

تدفقات الاستثمارات فى العالم وفى مصر

تشير بيانات تقرير الاستثمار العالمى إلى أن قيمة تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر عبر العالم قد بلغت نحو 1228 مليار دولار عام 2014. وجاءت الصين فى المرتبة الأولى كأكبر دولة متلقية للاستثمارات الأجنبية المباشرة بقيمة 129 مليار دولار. لكن تلك الدولة التى تتصدر العالم فى تلقى الاستثمارات الأجنبية المباشرة لا تشكل لها تلك الاستثمارات سوى نحو 3.2% من الاستثمارات الجديدة فيها، حيث أن الغالبية الكاسحة عبارة عن استثمارات محلية. وهذا الواقع يؤكد ما ورد آنفا من أن الأكثر أهمية هو استنهاض الاستثمارات المحلية وهو نفسه يؤدى لتشجيع وجذب الاستثمارات الأجنبية. ولابد لمصر من إنهاء النظرة الاتكالية التى تتصور أنه يمكن بناء النهوض الاقتصادى ورفع مستوى التشغيل وزيادة الناتج ونصيب الفرد منه من خلال الاستثمارات العربية والأجنبية، لأن هذا ببساطة ومن التجارب الدولية المختلفة لا يحدث فى الواقع فالأمم واقتصاداتها تبنى أساسا بعقول وسواعد وأموال أبنائها.

وقد تلقت مصر استثمارات أجنبية مباشرة قيمتها 4783 مليون دولار عام 2014، وهو ما يعادل 0.4% من تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة عبر العالم فى العام نفسه. وكانت قيمة الاستثمارات الاجنبية المباشرة التى تدفقت إلى مصر قد بلغت نحو 6.7 مليار دولار عام 2009، ونحو 6.4 مليار دولار عام 2010، ونحو 483 مليون دولار عام 2011 فى ظل الاضطراب الأمنى والسياسى فى عام الثورة على الديكتاتور المخلوع مبارك سواء بسبب الثورة أو بسبب ما أعقبها من انفلات أمني. وبلغت تلك الاستثمارات نحو 6 مليارات دولار عام 2012، ونحو 4.2 مليار دولار عام 2013.

ولو نسبنا الاستثمارات الأجنبية المباشرة التى تلقتها مصر عام 2014 إلى الناتج المحلى الإجمالى فى العام نفسه فإن النسبة ستزيد على 10%. أى أعلى كثيرا من نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الناتج المحلى الإجمالى الصيني.

ومن المؤكد أن التعاقدات الحقيقية التى تمت عبر المؤتمر الاقتصادى وبعده ستتكفل بمضاعفة قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى عام 2015 أكثر من مرة، وإن كانت قيمتها ستظل بعيدة عن الأرقام التى أفرطت أجهزة الإعلام فى ترويجها وقت انعقاد المؤتمر والتى خلطت بين التعاقدات والتعهدات ورفعت سقف توقعات المواطنين وأسهمت فى خلق نوع من الإحباط لدى البعض، من عدم تحول تلك الأرقام إلى قوة مادية فى الواقع فورا على غير طبيعة الأشياء فى هذا الصدد.

الاعتماد على الذات والانفتاح فى آن

كانت دعوة الاحتشاد الوطنى واستنهاض قيم الاعتماد على الذات كآلية رئيسية لتحقيق التنمية قد تجسدت بصورة ملهمة فى تمويل مشروع قناة السويس الجديدة من خلال مدخرات المواطنين التى جاء أكثر من 27 مليارا منها من خارج الجهاز المصرفى من أموال كانت تتأرجح بين استخدامها فى تمويل الاستهلاك أو الادخار المنزلى (تحت البلاطة). وكان هذا المشروع وطريقة تمويله إشارة واضحة إلى أنه عندما تتوافر الثقة لدى المواطنين فى أى مشروع وفى الجهة القائمة على تنفيذه فإنهم يمكن أن يسهموا بفعالية فى التمويل وبصورة يمكن أن تساعد على رفع معدل الاستثمار من مستواه المتدنى الراهن الذى يدور حول مستوى 14% من الناتج المحلى الإجمالى والذى يقل عن نصف المعدل المطلوب للدخول إلى درب النمو الاقتصادى السريع.

وبالتالى فإنه يمكن استخدام آليات مشابهة لتنشيط الاكتتابات العامة لبناء مشروعات خاصة يملكها حملة الأسهم لاستغلال الثروات المعدنية والمحجرية والتصنيع الزراعي، لأن الأمل الحقيقى للنهوض والتنمية فى مصر يكمن فى قطاع الصناعة التحويلية دون أى تقليل من أهمية قطاعى الخدمات والزراعة.

وهذه الاستثمارات الجديدة او التوسع فى الاستثمارات القائمة هى وحدها الكفيلة برفع الناتج القومى وتحسين مستويات المعيشة وخلق وظائف حقيقية للعاطلين وتمكينهم من كسب عيشهم بكرامة وتقليل معدل البطالة بصورة فعالة. وبما أن البطالة هى أحد الأسباب الرئيسية للفقر فى مصر فإن معالجة أزمة البطالة الموروثة والمتفاقمة يشكل مدخلا رئيسيا لمعالجة الفقر فى مصر.

وضمن الدول التى تضخ استثمارات مباشرة كبيرة للبلدان الاخري، هناك عدد من الدول الصديقة والشريكة لمصر اقتصاديا والتى يمكن التعويل على جذب استثمارات مهمة من شركاتها. وقد بلغت قيمة الاستثمارات المباشرة التى خرجت فى عام 2014 من دول الاتحاد الأوروبى نحو 280 مليار دولار، منها نحو 112 مليار دولار من ألمانيا، ونحو 43 مليار دولار من فرنسا. وبلغت قيمة الاستثمارات التى خرجت من الصين نحو 116 مليار دولار، ومن روسيا نحو 56.4 مليار دولار، ومن كوريا الجنوبية نحو 30.6 مليار دولار، ومن الولايات المتحدة نحو 337 مليار دولار، ومن اليابان نحو 113.6 مليار دولار. أما بالنسبة للدول العربية فقد خرجت استثمارات مباشرة قيمتها 13 مليار دولار من الكويت، ونحو 5.4 مليار دولار من المملكة العربية السعودية، ونحو 3 مليارات دولار من الإمارات وفقا لتقرير الاستثمار العالمى الصادر هذا الشهر.

ومن المهم الإشارة فى النهاية إلى ان أغلب مناطق العالم قد تشبعت استثماريا بينما تعتبر منطقة الفرص الكبرى هى المنطقة العربية والقارة الإفريقية فكلتاهما بكر من هذه الناحية. وبالتالى فإنه من المهم إدراك ذلك وتقديم الفرص الاستثمارية الممكنة والعمل على تحقيق المتطلبات الأساسية لاستنهاض الاستثمارات المحلية واجتذاب الاستثمارات الأجنبية عبر تحقيق الاستقرار السياسى والأمنى القائمين على التراضى وعلى احترام حريات وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وعلى تعزيز جاذبية ومميزات السوق المصرية.

arabstoday

GMT 06:29 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 06:26 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يخشى "حزب الله"... بل يخشى إيران!

GMT 06:22 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

نحن واللحظة الحاسمة

GMT 06:16 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... القول ما قالت «ندى» الجميلة!

GMT 06:14 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

المعادلة الصعبة في الشرق الأوسط

GMT 06:12 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

المعادلة الصعبة في الشرق الأوسط

GMT 06:09 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان.. وقرار أممى

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتخابات الأميركية واستحقاقات الحرب السرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستثمار المحلى والأجنبى وتقرير الاستثمار العالمى الاستثمار المحلى والأجنبى وتقرير الاستثمار العالمى



هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 01:27 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطالب بإنهاء الصراع الإسرائيلي اللبناني
 العرب اليوم - ترامب يطالب بإنهاء الصراع الإسرائيلي اللبناني

GMT 07:45 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يطلق صواريخ من لبنان ويصيب 19 شخصًا في وسط إسرائيل
 العرب اليوم - حزب الله يطلق صواريخ من لبنان ويصيب 19 شخصًا في وسط إسرائيل

GMT 10:43 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

ميس حمدان تتحدث عن تطور السينما السعودية
 العرب اليوم - ميس حمدان تتحدث عن تطور السينما السعودية

GMT 03:26 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

بلينكن يطلب من إسرائيل السماح باستئناف التلقيح لأطفال غزة

GMT 12:54 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان

GMT 17:43 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

كندة علوش تكشف عن طريقة خروجها من الكآبة

GMT 03:47 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش الاحتلال يعلن إسقاط طائرة مسيرة قادمة من لبنان

GMT 00:13 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرة مجهولة المصدر تسقط في الأراضي الأردنية

GMT 00:06 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات إسرائيلية جديدة على النبطية في لبنان

GMT 02:21 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع حصيلة قتلى فيضانات إسبانيا إلى 158

GMT 03:40 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يتبرع بمليون يورو لضحايا إعصار دانا في إسبانيا

GMT 01:37 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب جزر الكوريل الجنوبية

GMT 03:30 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

ميسي يثير الغموض حول مشاركته في كأس العالم 2026

GMT 08:15 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عمرو دياب يكشف سبب حذف أغانيه

GMT 20:15 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

انتخاب محمود المشهداني رئيسا للبرلمان العراقي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab