أنا مصرى

أنا مصرى

أنا مصرى

 العرب اليوم -

أنا مصرى

عمار علي حسن

قطعة من جهنم تطير فى سقف السماء على غير هدى. قمر منقوش يدنو ويتهادى ويقاوم الريح. يغيب فى عين الشمس ويبين حين يروغ بعيداً عنها.

أجرى فى الأرض المحروثة ويتقاطر هناك فى خضار الزرع الممتد رجال كثيرون، جماعات وفرادى يرفعون العصى الممشوقة ويهرولون فى اتجاه القمر المزركش.

جاء صوت مخنوق من بعيد يتقطع فى لهاث صاحبه:

- طيّارة إسرائيلية..

وخز الاسم قلوب الناس، فانفتحت نوافذ الأسى. هاج الثأر المحموم، فاندفعت الأرجل تغالب طين الأرض وأحراشها.

ارتسمت فى مساحة الفضاء بين الطيارة المحترقة والعيون التى تلاحقها وجوه الذين ضاعوا فى الصحارى، وأولئك الذين تسلم أهلهم أشلاءهم من عربات الجيش الضخمة بعد حرب 67.

راحت الطائرة تتباعد، مخلفة وراءها سحابة دخان أسود، وبعض وهج يحل بذاكرة الذين تابعوها حتى أضحت نقطة حمراء ترتعش فى المدى.

أخذت المظلة المنقوشة التى تقل قائد الطائرة، وتبدو كقمر معلق فى بطن الفضاء، تراقص الهواء. تقترب حتى تصير فوق رأسى..

ها أنا طفل صغير. أقفز إلى فرع شجرة الرمان، وأسلخ عصا رفيعة لبلابة. أجرى وعينى تحلق مع الرجال فى الفضاء. فى جيبى صورة أبى. أعطتها أمى لى ذات ليلة حين طالنى الوعى.

قالت وهى تغالب الدموع التى حبستها سنوات الانتظار:

- صورة أبيك.

- أبى؟

- كنت طفلاً صغيراً حين حملك بين ذراعيه، وضمك إلى صدره، وقبّلك فى جبينك ثم مضى. ومن يومها لا نعرف عنه شيئاً.

- أين ذهب؟

- ذهب يحارب إسرائيل..

- مات يا أمى؟

- ربما مات، وربما يعيش..

وعيال الناس عيَّرونى كثيراً وقالوا:

- أبوك ضاع.

وقلت ها هى طيارة إسرائيلية، وربما أجد أبى قد رجع مع هذا القمر المنقوش.

تطوّحه الريح يميناً فنجرى يميناً، تأخذه شمالاً فنتبعه كظله، تغالبه وتدفعه فوق النيل، تقاوم اليدان المعلقتان فى حبال القمر فيعود مرة أخرى، يحلق فوق الزروع.

رويداً.. رويداً، راح يتدلى بانحراف تجاه الأرض المحروثة، حتى كاد أن يلامسها. امتدت الأيدى فتوارى كل جسد الطيار بين مخالب الأذرع المتحفزة، وغابة العصى الممشوقة. جاء صوته ملهوفاً مستغيثاً:

- أنا مصرى.. مصرى.. أنا مصرى..

تباعد الزحام المتوثب عنه خطوتين وتركه يلملم أشلاءه المبعثرة فوق التراب. وجدت نفسى أندفع وأرتمى فى أحضانه، وأصرخ:

- أبى رجع.. أبى رجع..

خلعنى الناس من أحضانه، وطردونى خارج الزحام. أخذ بعضهم يقلب ويفتش فى الأوراق التى أخرجها الطيار من جيبه، وقال بعضهم:

- مصرى.

رحت أجرى نحو دارنا، مبهور الأنفاس، خائر الصوت. صرخت على أمى. كانت ترمى حبات القمح للدجاج فوق السطح. تناهى إلى سمعها ثغائى الرفيع الملهوف:

- أبى رجع.. رجع..

فى التو صارت على عتبة الدار، وسألتنى:

- أين؟

أخذتها من يدها وجريت وأنا أقول:

- هناك فى الأرض المحروثة..

خرجنا إلى الخلاء. فى الطريق كان الناس يتحدثون عن طيارة لرش المبيدات اشتعلت فوق حقول القطن، وعن طيار نجا من النيران، وهرب بمظلته.

حين اقتربنا من الزحام كان الطيار يمشى مع الناس واجماً. رفعت سبابتى إليه وقلت لأمى:

- هذا أبى..

رمقته بسرعة. راح وجهها يصفر ويحتقن. مالت نحوى، وأخذتنى بين يديها، وعصرتنى فى حضنها، وراح نشيجها المحموم يتصاعد.. يتصاعد، حتى صار صراخاً يرتد صداه هناك عند صهوة الجبل الذى يعتلى مجرى النهر.

arabstoday

GMT 01:46 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بائع الفستق

GMT 01:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

على هامش سؤال «النظام» و «المجتمع» في سوريّا

GMT 01:42 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

دمشق... مصافحات ومصارحات

GMT 01:40 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

السعودية وسوريا... التاريخ والواقع

GMT 01:38 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ورقة «الأقليات» في سوريا... ما لها وما عليها

GMT 01:36 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

امتحانات ترمب الصعبة

GMT 01:33 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تجربة بريطانية مثيرة للجدل في أوساط التعليم

GMT 01:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

موسم الكرز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أنا مصرى أنا مصرى



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
 العرب اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
 العرب اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 07:49 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
 العرب اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab