الأدب والنبوءة السياسية 1 2

الأدب والنبوءة السياسية "1- 2"

الأدب والنبوءة السياسية "1- 2"

 العرب اليوم -

الأدب والنبوءة السياسية 1 2

عمار علي حسن

يخبرنا عالم الاجتماع الكبير رايت ميلز، صاحب كتاب «الخيال العلمى الاجتماعى»، أنه حين كان بصدد تأليف دراسته المهمة عن «الطبقات العليا» فى المجتمع الأمريكى ظل يقرأ للأديب الفرنسى أورونيه دى بلزاك، مرة بعد أخرى، وأخذ كثيراً مما كرس له نفسه من اهتمام بتغطية جميع الطبقات والأنماط الرئيسية فى المجتمع. وذلك يرجع إلى أنه كان يؤمن بأن «الروائيين، الذين تتجسد فى أعمالهم أكثر التعريفات انتشاراً للواقع البشرى، كثيراً ما يمتلكون هذا الخيال العلمى الاجتماعى، ويفعلون الكثير لاستيفاء متطلباته».

وليس «ميلز» بالقطع هو الأول ولا الأخير الذى يستفيد من الأدب، لا سيما القصة والرواية والمسرحية، فى فهم المجتمع، أو تحليل سلوكيات البشر، فأمثاله كثر، ومسارهم ازداد رسوخاً إلى درجة ميلاد علم «اجتماع الأدب» و«اجتماع الرواية»، بل صارت الرواية التاريخية أحد مصادر التأريخ، وهى بقدر ما تضىء بعض الجوانب المظلمة للقديم فإنها تجلى بعض غموض ما سوف يأتى.

فالأعمال الأدبية وما يشبهها تعد فى بعض جوانبها أو كلها، كما يقول سامى خشبة: «ابتكارات لعوالم اجتماعية بديلة للعالم الاجتماعى الحقيقى، وتخضع لعوالم خيالية فى الأحجام وأنماط السلوك والقيم والمثل العليا والأخلاق.. إلخ، ولكنها فى الحقيقة تكون نقداً غير مباشر للعالم الحقيقى ولقواعده المستقرة، فتصبح نوعاً من المجاز الإبداعى الواعى والقاصد يشير إلى المجتمع الحقيقى الفعلى القائم، أو يكون نوعاً من الاستقرار اللازم أو البديهى لما قد يترتب على قيام واقع حقيقى يشبه الواقع الخيالى فى مضمونه، وليس فى شكله ولا فى أساليبه، وإنما يشبهه أو يتعارض معه تعارضاً رأسياً كاملاً فيما يعتبره كل منهما خيراً أو شراً، مرذولاً قبيحاً أو مقبولاً وجذاباً».

ولهذا يعتبر زكى نجيب محمود أن الأديب هو مصباح يضىء معالم الطريق، ويقول إنه «ليس رجعاً للصدى؟ وقد تكون هداية المصباح كشفاً لما هو جديد، أو تحليلاً للقديم من شأنه أن يعرى الأسس المخبوءة لتنكشف فيها مواضع التعفن والتآكل، أما كيف تكون هذه الهداية أو هذا التحليل، فأمر متروك لقواعد الفن الأدبى، وهذه القواعد تعتمد فى جانب كبير منها، فضلاً عن التشكيل الجمالى للغة، إلى فهم التخيل والتخييل».

ويتفق معه فؤاد زكريا فى هذا الرأى، ويذهب إلى أن «جوانب التشابه بين النشاط الذى يمارسه الإنسان فى العلم وفى الفنون والآداب أقوى مما يبدو للوهلة الأولى». ويدعو إلى التأمل فى دور الخيال فى هذين الميدانين، ويقول: «إننا نتصور عادة أن الخيال ملكة ذهنية لازمة للفنان والأديب وحدهما، على حين أن العالم الذى يأخذ على عاتقه مهمة وصف الواقع على ما هو عليه، دون أية إضافة من عنده، لا بد أن يستبعد الخيال من مجال عمله. ولكن حقيقة الأمر أن العالم وإن كان يلتزم بالفعل بتلك النظرة الواقعية، يجد مجالاً خصباً لممارسة ملكة الخيال فى صميم عمله العلمى.. ولو تأملنا النظرية التى يتوصل إليها العالم الكبير، بعد أن تكتمل، لوجدناها نموذجاً فريداً لعمل متناسق أشبه بالعمل الفنى الرائع.. والطريقة التى يظهر بها الكشف العلمى فى ذهن العالم قريبة كل القرب من تلك التى تظهر بها فكرة العمل الفنى فى ذهن الفنان.. والمنبع الذى ينبثق منه الكشف العلمى الجديد، والعمل الفنى الجديد، هو منبع واحد، والجذور الأولى والعميقة للعلم والفن واحدة، ومن ثم فإن العالم الذى ينمى فى نفسه حاسة التذوق الفنى أو الأدبى إنما يرجع، فى الواقع، إلى الجذور الأصيلة لمصدر الإبداع فى الإنسان، وربما كانت رعايته لملكة الخيال فى ذهنه سبباً من أسباب إبداعه فى العلم، خاصة أن النظريات العلمية الكبرى تحتاج إلى قدر غير قليل من الخيال». 

arabstoday

GMT 09:43 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 09:42 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

GMT 09:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

سيناء فى عين الإعصار الإقليمى

GMT 09:39 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

متى يخرج السيتى من هذا البرميل؟!

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 09:35 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 09:33 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 09:30 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأدب والنبوءة السياسية 1 2 الأدب والنبوءة السياسية 1 2



GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام
 العرب اليوم - أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab