التصوف والأدب 33

التصوف والأدب (3-3)

التصوف والأدب (3-3)

 العرب اليوم -

التصوف والأدب 33

عمار علي حسن

أما فى رواية «يوم قتل الزعيم» فيقدم نجيب محفوظ مثالاً لهؤلاء الذين يعيشون على حافة التصوف أملاً فى آخرة هانئة دون أن يخسروا تمتعهم بمباهج الحياة أو ينعزلوا عن دنيا الناس. وفى رواية «رحلة ابن فطومة» يذهب «محفوظ» بالتصوف إلى آفاق بعيدة حيث يطرحه على أنه طريق الخلاص ودرب السلامة الذى ينتهى إلى الحقيقة الكبرى فى هذا العالم وهى الموت، وهذا ما أكده فى عمله الإبداعى الفريد «أصداء السيرة الذاتية»، الذى يمكن أن نقول من خلاله بكل اطمئنان إن محفوظ قد انتهى متصوفاً حقيقياً بعد عمر طويل من التجريب والتأمل.

ونلمس تأثير الصوفية فى أعمال أدباء كثيرين منهم جمال الغيطانى فى أكثر من رواية وصبرى موسى فى «فساد الأمكنة» وعبدالحكيم قاسم فى «أيام الإنسان السبعة» وعمار على حسن فى «شجرة العابد» بل إن رواية الأديبة التركية أليف شافاق «قواعد العشق الأربعون» قدمت نموذجاً على إمكانية إبداع رواية بديعة من حكاية حقيقية لجلال الدين الرومى وأستاذه شمس تبريزى.

وفى كل هذه الأعمال تفاعل الأدب مع الأفكار والقيم الأساسية والمقامات والأحوال والأذواق والمواجيد، التى ينطوى عليها التصوف، وهى:

1- إن الله أقرب إلينا من حبل الوريد، وهو قوة متسامية وكونية فى آن، يمكن لنا أن نشعر بها وندرك جلالها وجمالها، إن جاهدنا الشهوات، وانتصرنا على نقائصنا. والله يحبنا لأننا خلقه، ويجب علينا أن نحبه لأنه واجدنا، ورحمته وغفرانه وسعا كل شىء وكل أحد، ولا يجوز لنا أن نصادر على مشيئته بفرض دينه على خلقه أو إعطاء أنفسنا حق محاسبتهم فى الدنيا، وتقرير مصائرهم فى الآخرة.

2- إن الكون أوسع بكثير مما نتصور، وعلى الإنسان أن يتواضع على قدر استطاعته، فهو لن يخرق الأرض ولن يبلغ الجبال طولاً، ولذا عليه أن يؤمن بأنه فى حاجة دائمة إلى رعاية الله وتعاون البشر.

3- إن الإخوة فى الإنسانية أصل، ويجب ألا يتصارع البشر أو يتنازعون على زينة الحياة الدنيا، بل تربط بينهم المحبة والتراحم والتكافل والتسامح، وهى القيم النبيلة والعميقة التى تسعى الأديان إلى ترسيخها، وتنشغل برعايتها دوماً.

4- إن الإنسان فى حاجة ماسة إلى الكثير من أركان التصوف، فالزهد ثروة، إذ يجعل الزاهد مترفعاً عن الدنايا ويقيم ظهره ويقويه فى وجه كل من يسعى إلى استعباده بالمال أو المنصب والجاه، والمحبة واجبة حيال الله والبشر والأشياء، ليس حب التملك الغارق فى أنانية مفرطة، بل الحب المفضى إلى الإيثار والمفعم بالغبطة والامتنان والسعادة. والحدس نعمة يمنحها الله إلى عباده على قدر محبته لهم، إذ بها يتجاوزون حدود المحسوس وينعمون بالإلهام الذى يدركون به على نحو أفضل ما يجرى، ويمتلكون القدرة على تلمس التباشير وحيازة النبوءة.

لقد كان التصوف فى بعده الروحى والفلسفى وفى جوانبه المتعلقة بالكرامات التى تؤسس لواقعية سحرية عربية حقيقية نبعاً نهل منه الأدباء وسيظلون هكذا، يغرفون بلا تردد، وهو يعطى بلا انقطاع ويفيض دوماً.

 

 

arabstoday

GMT 07:04 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

كبير الجلادين

GMT 06:59 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

التغيير في سورية... تغيير التوازن الإقليمي

GMT 06:56 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحاديث الأكلات والذكريات

GMT 06:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هذه الأقدام تقول الكثير من الأشياء

GMT 06:51 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هل مع الفيروس الجديد سيعود الإغلاق؟

GMT 06:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

سوريا... والهستيريا

GMT 06:46 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

لا يطمئن السوريّين إلّا... وطنيّتهم السوريّة

GMT 06:44 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هيثم المالح وإليسا... بلا حدود!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التصوف والأدب 33 التصوف والأدب 33



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:36 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد سعد يعلّق على لقائه بويل سميث وابنه
 العرب اليوم - أحمد سعد يعلّق على لقائه بويل سميث وابنه

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 15:07 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

كاف يعلن موعد قرعة بطولة أمم أفريقيا للمحليين

GMT 19:03 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

فيروس جديد ينتشر في الصين وتحذيرات من حدوث جائحة أخرى

GMT 13:20 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

برشلونة يستهدف ضم سون نجم توتنهام بالمجان

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 07:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 08:18 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مي عمر تكشف عن مصير فيلمها مع عمرو سعد

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 09:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

الصحة العالمية تؤكد أن 7 ٪ من سكان غزة شهداء ومصابين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab