تاريخ المرتزقة 3  6

تاريخ المرتزقة (3 - 6)

تاريخ المرتزقة (3 - 6)

 العرب اليوم -

تاريخ المرتزقة 3  6

عمار علي حسن

ولم يخرج البيزنطيون على هذا التقليد، فجعلوا غالبية جيوشهم من المرتزقة، إلى درجة أن الجيش الذى قاده بليزاريوس لقتال الوندال سنة 532 م كان ينتمى إلى أمم عدة. وتصاعد اعتماد البيزنطيين على المرتزقة إلى درجة أن صارت الفيالق الرئيسية فى جيش إمبراطورهم جوستنيان من البربر، بما فى ذلك الفيلقان المسئولان عن حماية الإمبراطور نفسه.

وحتى بعد أن وضعت الحروب أوزارها وعمّ السلم أوروبا سنوات طويلة لم يعان المرتزقة من البطالة، إذ استأجرهم بعض القادة والساسة، وشكلوا منهم جيوشاً، استعملوها فى السطو والسلب والنهب وبث الرعب فى نفوس الرعية. وكان فى مقدمة هؤلاء الساسة جيسكار، أحد أفراد أسرة البارون، الذى قاد جيشاً كبيراً من المرتزقة، قام بقطع الطرق، وفرض الإتاوات وسرقة الأهالى. وقد بلغ هذا الجيش قوة وتمكناً حدت بمؤسسه إلى أن يطالب البابا جريجورى الرابع سنة 1059 بأن ينصبه ملكاً على إيطاليا. وبلغ الأمر أوجه بتكوين وليام الفاتح جيشاً كاملاً من المرتزقة ينتمون إلى الفرنسيين والإيطاليين والنورمانديين وغيرهم ليغزو به إنجلترا.

وتوحش المرتزقة فى أوروبا إلى درجة أن فكّر الحكام فى عملية حربية كبيرة وواسعة تساعد فى التخلص منهم، فكان قرار شن حرب «الفرنجة» التى يطلق عليها الغرب «الحروب الصليبية» والتى صادف غريزة المرتزقة النهمة إلى حصد الغنائم. وتعاونت الكنيسة مع هؤلاء الجند المأجورين على أوسع نطاق، حتى إن الحملة «الصليبية» الثانية وما بعدها اعتمدت أساساً على المرتزقة وبعض الرهبان. فلما أخفقت هذه الحملات الاستعمارية عادت أوروبا إلى سابق عهدها من المعاناة لتزايد سطوة المرتزقة، لا سيما أن بعض الملوك استعملوهم فى قهر شعوبهم، وفرض الأمن، وقمع المعارضين للسلطة، والمتذمرين منها.

وقد أنعشت الحروب الطويلة التى نشبت بين المختلفين فى المذاهب الدينية حركة المرتزقة بأوروبا، وجعلت من وجودهم أمراً طبيعياً، حتى بات الفرد منهم يحمل لقب «جندى». وتبوأت سويسرا الموقع الذى كان يحوزه الإغريق فى تصدير المرتزقة، نظراً لما أظهره المحاربون السويسريون من قدرة قتالية فائقة، بعد إخضاعهم لتدريبات عسكرية مكثفة تحت رعاية مقاتلين محترفين، حتى باتوا يعرفون بـ«مروّضى وقاهرى الملوك». لكن الارتزاق امتد أيضاً إلى كل من هولندا وألمانيا وإنجلترا نفسها، ليصبح المرتزقة علامة مميزة فى كل الحروب الأهلية والإقليمية.

وقد جلب لويس الحادى عشر ملك فرنسا أعداداً غفيرة من المرتزقة السويسريين، ووقّع مع المقاطعات السويسرية اتفاقية عام 1474 جعلت لفرنسا دون غيرها الحق فى استخدام المحاربين فى صفوف القوات البرية الفرنسية مقابل رواتب مجزية تدفعها الخزينة الملكية. وظلت هذه الاتفاقية سارية المفعول حتى عهد لويس الثانى عشر 1509، حتى خرقها البابا يوليوس الثانى، وجنّد ستة آلاف سويسرى فى «الحلف المقدس» الذى تزعّمه لطرد الفرنسيين من إيطاليا. وتمكن المرتزقة من حسم معركة نافورا عام 1513 لصالح رابطة مالين التى كوّنها البابا ليو العاشر والإمبراطور ماكسيميليان فرديناند ملك إسبانيا ضد الحملة التى قادها ملك فرنسا فرانسوا الأول على إيطاليا. ولعبوا أيضاً دوراً سلبياً فى هزيمة الجيش الفرنسى فى معركة بيكوك عام 1522 عندما غضب المرتزقة المنضمون إلى صفوفه من قرار قائده لوتريك بإخلاء مدينة ميلانو تحت ضغط هجمات الإيطاليين، فتمردوا عليه مطالبين بدفع أجورهم أو تسريحهم أو الدخول فى المعركة للحصول على الغنائم.

واستعمل نابليون بونابرت المرتزقة فى حروبه التوسعية، وشكلوا أكثر من نصف جيشه الذى حاول غزو روسيا عام 1812. وحين قامت الجمهورية الفرنسية الثالثة عام 1848 راحت تزيد من اعتمادها على العناصر الأجنبية ورجال المستعمرات فى تشكيل جيشها الذى بات لهذا يضم جنوداً من بلاد المغرب العربى والهند الصينية وفيتنام وأفريقيا جنوب الصحراء، يتلقون رواتب شهرية، ويحصلون على مزايا وعطايا مقابل اشتراكهم فى القتال من أجل مجد الإمبراطورية الفرنسية ومصالحها.

 

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تاريخ المرتزقة 3  6 تاريخ المرتزقة 3  6



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 العرب اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab