عن مزاعم إقامة «دولة الدين»

عن مزاعم إقامة «دولة الدين»

عن مزاعم إقامة «دولة الدين»

 العرب اليوم -

عن مزاعم إقامة «دولة الدين»

عمار علي حسن

حولت الجماعات والتنظيمات الدينية التى تسعى إلى السلطة السياسة الإسلام إلى أيديولوجية فجة، غابت فيه روح الدين الحنيف ومقاصده، وذلك فى إطار مسعاها الحثيث إلى إقامة الدولة الدينية أو «دولة الدين» التى يزعمونها. وهناك ملاحظات أساسية حول هذه المسألة تنسحب على الحالة العربية الإسلامية بوجه عام، ويمكن ذكرها على النحو التالى:

1- تتعامل الجماعات والتنظيمات الدينية المسيسة مع الدولة باعتبارها فريضة دينية يتساوى إنكار ضرورتها مع الكفر الذى يحل به القتل، منطلقة من مقولات وتصورات قديمة تعتبر «الخلافة» ليست مجرد اجتهاد من المسلمين الأوائل كان يلائم زمانهم، بل هى أصل من أصول الإسلام، ولذا فإن إقامتها واجبة، والكفاح من أجلها ضرورة، حتى لو انزلق هذا الكفاح إلى استعمال العنف المفرط ضد بقية المسلمين، ممن ارتضوا بالدولة الوطنية الحديثة، لا سيما ضد المفكرين والمثقفين والساسة التابعين للأحزاب المدنية، الذين يتعاملون مع «الخلافة» بوصفها شكلاً إمبراطورياً للحكم مثلما كان سائداً فى القرون الوسطى، ولم تعد إقامته ممكنة، فضلاً عن أنها غير مرغوب فيها، لأنها عودة إلى الوراء، والتاريخ لا يسير بظهره.

2- لا تعد مسألة «تديين الدولة» و«دولنة الدين» سهلة، بأى حال من الأحوال، والفصل فيها ليس ببساطة فض نزاع بين دولتين على الحدود، أو بين شركتين على النقود، فمن الصعب إقناع قطاع عريض من الناس بحدود فاصلة بين «الدين» و«الدولة»، لا سيما بعد الأفكار التى تم بثها فى الرؤوس، والمعانى التى وقرت فى النفوس، عن تجربة الرعيل الأول من المسلمين أو «الفترة الكلاسيكية للإسلام»، والذين أعيد صياغة تجربتهم لخدمة المشروع الإمبراطورى الأموى والعباسى والعثمانى، بما دمج الدين فى الدولة، والدولة فى الدين، وجعل المسلمين المعاصرين يتحدثون عن أن تجربة الإسلام، وهم يقصدون فى هذا تاريخ المسلمين، غير تجربة المسيحية الغربية، وفى هذا من دون شك تعمية على الدين لحساب الدنيا، وهروب من مواجهة الحقيقة التى تقول بوضوح إن المسلمين استبدلوا تجربة الرجال الأقدمين منهم بالقرآن وما ينص عليه ويطلبه ويوجبه ويفرضه. وفى الحقيقة لم تستسلم الحكومات التى تعاقبت على بلدان المسلمين لهذا الدمج، وحاولت طيلة الوقت أن تعين أو ترسم حدوداً بين «الدين» و«الدولة»، تحت شعارات من قبيل «لا سياسة فى الدين، ولا دين فى السياسة» الذى أطلقه الرئيس المصرى الراحل أنور السادات، لكن هذه الحكومات كانت مضطرة، فى ردها على خطاب ومسلك الجماعات الدينية المسيسة، أن تترك الدين يمتزج بالدولة عند بعض أطرافها، وتقاوم فى الوقت نفسه المتطرفين والمتشددين والمتزمتين والتكفيريين الذين لا يرضون عن «دولة الدين» بديلاً.

3- بذلت الجماعات الدينية صاحبة المشروع السياسى، ابتداء من جماعة الإخوان التى تم تأسيسها عام 1928، جهداً مضنياً، وجاراها بعض الباحثين والمفكرين والكتاب، فى سبيل تحديد أطر وملامح أساسية لما يسمى «النظام السياسى فى الإسلام» وتم تأليف آلاف الكتب فى هذا الاتجاه، سواء بالحديث فيه مباشرة، أو بطريقة غير مباشرة، وباتت هذه الكتب تسمم المجال الفكرى العام للمسلمين المعاصرين. وعلى مستوى الجهد نفسه تسخر هذه الجماعات جزءاً لا يستهان به من طاقتها فى مقاومة الآراء التى تدحض وجهة نظرهم تلك، ويتم تشويه أصحابها بلا روية ولا ورع.

4- استفادت الجماعات والتنظيمات الساعية إلى إقامة «دولة الدين» فى تسويغ خطابها الذى يرمى لتحقيق هذا الهدف من إخفاق النخب اليسارية والليبرالية بشتى صنوفها، والتى حكمت البلدان العربية والإسلامية فى مرحلة ما بعد رحيل المستعمر، فى إقامة «دولة وطنية» راسخة المعالم، تتمتع بشرعية قوية، ورضاء جماهيرى واسع النطاق، وبات أتباع هذه الجماعات يردون على كل من ينتقد خطابهم قائلين: «لقد حكم الليبراليون واليساريون والقوميون وأخفقوا، فامنحونا فرصة، لأن مشروعنا هو الأحق بالاتباع والتطبيق» لكن حين وصل الإخوان إلى الحكم فى مصر، اكتشف الناس أنهم لا يملكون سوى أمنيات حول الدولة التى يريدون بناءها، وأن مفهوم الدولة الوطنية والمدنية لم يرسخ فى أقوالهم وأفعالهم بعد.

5- شكلت الجماعات الساعية إلى إقامة «دولة الدين» معضلة حقيقية أمام التطور الديمقراطى فى مصر وغيرها، فابتداء هى لا تؤمن فى دخيلة نفسها بالديمقراطية، وإن أظهرت عكس ذلك فى مجاراة لمن حولها ومداراة عن حقيقة أمرها، أو فى ظل تحايلها على القوى السياسية والفكرية الأخرى فى سبيل دمجها فى العملية السياسية والدفاع عنها، لا سيما لدى أصحاب الخطاب الحقوقى. كما أن وجود هذه الجماعات فى الحياة السياسية والاجتماعية أعطى السلطات المتعاقبة فرصة لتوظيفها «فزاعة» للداخل والخارج، وانتهاج القمع، بدءاً من الخطاب وانتهاء بالممارسات، ومروراً بالتشريعات، بدعوى أن هذا هو السبيل الوحيد لمواجهة المتطرفين وقطع الطريق عليهم حتى لا يختطفوا الدولة. وقد أعطت التجربة المصرية الأخيرة دفعة قوية لمثل هذا الخطاب فى ظل ما ترتب على التجربة المزرية للإخوان فى الحكم.

arabstoday

GMT 08:09 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

وحدة الساحات

GMT 08:08 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

لبنان... نتنياهو أخطر من شارون

GMT 08:05 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

الأردن و«الإخوان»... «حكي القرايا وحكي السرايا»

GMT 07:59 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

أوسلو... من الازدهار إلى الانهيار

GMT 07:57 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إيران ــ أميركا ــ أوروبا وإدارة الصراع

GMT 07:55 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

«الكلمة نور وبعض الكلمات قبور»

GMT 07:53 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

رؤية عربية للمتغير الرئاسي الأميركي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن مزاعم إقامة «دولة الدين» عن مزاعم إقامة «دولة الدين»



ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:43 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالة مختلفة تضج جمالاً
 العرب اليوم - نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالة مختلفة تضج جمالاً

GMT 00:23 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

طرق متميزة ومُساعدة في تنظيف غرفة النوم وتنظيمها
 العرب اليوم - طرق متميزة ومُساعدة في تنظيف غرفة النوم وتنظيمها

GMT 19:41 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

إطلاق نار بمحيط إقامة دونالد ترامب

GMT 02:19 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

حالة طوارئ في جنوب ليبيا بسبب السيول

GMT 17:46 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

إصابة شرطي إسرائيلي في عملية طعن في القدس

GMT 04:25 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

سماع صوت انفجار بمحيط مخيم العين غربي مدينة نابلس

GMT 17:24 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

قصف إسرائيلي عنيف على بلدة عيتا الشعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab