فلسفة التعليم

فلسفة التعليم

فلسفة التعليم

 العرب اليوم -

فلسفة التعليم

عمار علي حسن

كنت أتحدث فى برنامج «آخر النهار» مع الإعلامى الكبير الأستاذ محمود سعد عن غياب «فلسفة التعليم» فى بلادنا، وأقول إننا يجب ابتداء أن نمعن النظر فى عدة أسس تُجلى الغرض من التعليم تلخصها شعارات: «تعلم لتعرف» و«تعلم لتعمل» و«تعلم لتتعايش» و«تعلم لتتحضر»... إلخ. وشاهد الدكتور عبدالرحمن عبدالسلام محمود، الأستاذ بكلية الألسن، الحلقة فراقت له فكرة أن نحدد فلسفة لتعلمينا أولاً قبل أن نضع مناهجه، فأرسل لى هذه المساهمة القيمة لتعميق الفكرة، وسأنشرها كما وردتنى نصاً من دون نقص ولا زيادة:

«تتأسس فلسفة المتطلبات العامة فى الحقل الأكاديمى المتقدم على مدى تمكين الوعى بالمسئولية التعليمية وعلاقتها بالفرد، والمجتمع، والإنسان، والحياة فى الأبعاد الفردية والجمعية فى آنٍ. إنه لمن المهم للغاية إدراك هذه المسئولية والإيمان بها إلى حد اليقين الواضح من غير لبس، والثابت من غير زعزعة أو اهتزاز؛ إذ إن المسئولية التعليمية تنبثق -أساساً- من الغاية منها؛ وهى غاية تتحدد فى سؤال رئيس وجوهرى: لماذا نتعلم؟ وبرغم وضوح السؤال ومباشرته فإن الإجابة عنه قد تكون غير واضحة لدى كثيرين؛ إذ غالباً ما يُنظر إلى الغاية من التعليم على أنها تلبية حاجات المجتمع وسد عوزه فى سوق العمل. غير أن الأمر -يقيناً- أكبر من ذلك بكثير. لقد حدد مجتمع المعرفة الحديث للغاية التعليمية أربعة أركان رئيسة هى: المعرفة، العمل، تكوين الذات، مشاركة الآخرين فى بناء المجتمع. وقد ثبُتَ مؤكداً، من خلال الرصد والتحليل والتقويم، فى الممارسة الأكاديمية العربية أنها تركز على الركنين الأول والثانى؛ مهملة الركنين الثالث والرابع؛ الشأن الذى يُكسب الطالب القدرة على التمهن فى تخصصه فقط من دون وعى رهيف وسليم بالشأن الحالى فى الشئون الذاتية والمجتمعية. وإنه لمن النصفة والموضوعية الإقرار بأهمية التمهن فى التخصص ومراعاة متطلبات سوق العمل وفق معاييرها العالمية؛ إلا أن التقوقع فى هذه الوظيفة وحدها قد يمنح الطالب فرصة عمل وبعضاً من المعرفة؛ غير أنه يفتقد -غالباً- إمكانية بناء الذات، والمشاركة فى بناء المجتمع محلياً ودولياً، ويُقصِّرُ كثيراً فى فهم القضايا المختلفة على وجهها الصحيح، أو كما ينبغى له أن يكون. وهذا عينه هو جوهر غاية المتطلبات العامة ولب فلسفتها؛ إذ تعمد إلى الاشتغال على الأركان الوظيفية للعملية التعليمية الأكاديمية مجتمعةً؛ بحيث تمثل قاعدة معرفية وثقافية وعلمية ومهارية متسعة وعميقة تُمكن الطالب من اجتياز مقررات التخصص بحكمة واقتدار، مانحةً إياه أسباب النجاح والتفوق. غير أنها -فوق ذلك وأهم منه- تقصد قصداً تمكين وعيه ببناء الذات وصقل الشخصية واستقلالها من خلال الزاد المعرفى الثَّرِّ والخصيب فى تنوُّعه ثقافياً وإسلامياً وتاريخياً واجتماعياً وإنسانياً وعلمياً، وإمكانيات التفكير المنهجى فى مناحيه: النقدية، والإبداعية، والتأملية، والتراكم المهارى فى الاتصال ونظم المعلومات والسلوك اللغوى عربياً وأجنبياً، وغير ذلك مما يُبنى عليه برنامج المتطلبات العامة؛ الشأن الذى يكفل له سلامة الفهم، وقوة الإدراك، ويقين الرؤية، وصواب الموقف فى الشأن الحالى حياتياً ومجتمعياً، محلياً ودولياً؛ وهو ما يجعل منه عنصراً حيوياً وفاعلاً ومؤثراً فى علاقاته المجتمعية والإنسانية عبر استجابته الإيجابية لكل أمر مهم يكون هو أو المجتمع طرفاً فاعلاً فيه. إن توسيع القاعدة المعرفية والعلمية والمهارية للطالب؛ بحيث تكون علاقتها بالتخصص أشبه ما يكون بعلاقة قاعدة الهرم المتسعة والعميقة فى رسوِّها وتجذُّرها برأسه الشامخ والمشرئب إلى الطموح والعلياء، لهو غاية حكيمة مقصودة لذاتها فى البيئات الأكاديمية الحديثة والمتطورة إدراكاً منها بأهمية رسالتها فى تكوين الفرد والمجتمع وصياغة قدراته على الفهم والوعى والحكم على الأشياء والمواقف والقضايا المهمة ذاتياً ومجتمعياً، بل وقيادة المجتمع إلى الرؤية الصائبة واتخاذ القرار السليم فى مثل هذه الشئون. ذلك هو فحوى التأسيس الكلى والعميق لفلسفة المتطلبات العامة التى تؤمن أن المعرفة سلطة، وأن السلطة قوة، وأن القوة واحدة من أهم أسباب بناء المجتمعات والحضارات المتقدمة والحديثة فى عالمنا المعاصر الذى نعزم -بكل يقين- على أن نكون بعضاً منه، ننفعل به ونشارك فيه».

arabstoday

GMT 09:43 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 09:42 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

GMT 09:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

سيناء فى عين الإعصار الإقليمى

GMT 09:39 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

متى يخرج السيتى من هذا البرميل؟!

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 09:35 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 09:33 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 09:30 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فلسفة التعليم فلسفة التعليم



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 20:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 02:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

النيران تلتهم خيام النازحين في المواصي بقطاع غزة

GMT 17:23 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنتر ميلان الإيطالي يناقش تمديد عقد سيموني إنزاجي

GMT 16:59 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يتوعد الحوثيين بالتحرّك ضدهم بقوة وتصميم

GMT 17:11 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

اتحاد الكرة الجزائري يوقف حكمين بشكل فوري بسبب خطأ جسيم

GMT 02:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 10 ركاب وإصابة 12 في تحطم طائرة في البرازيل

GMT 06:45 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

انفجار قوي يضرب قاعدة عسكرية في كوريا الجنوبية

GMT 17:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

.. قتلى في اصطدام مروحية بمبنى مستشفى في تركيا

GMT 11:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab