موت السياسة في مصر

موت السياسة في مصر

موت السياسة في مصر

 العرب اليوم -

موت السياسة في مصر

عمار علي حسن

ماذا يجرى لو ماتت السياسة فى مصر ؟.. هذا هو سؤال اللحظة مع ما تردد عن وجود اقتراحات بتعديل الدستور لتوسيع صلاحيات الرئيس ، والحديث عن تأجيل انتخابات البرلمان، ومطالبة البعض بتعيين المجالس المحلية، وتهميش الأحزاب، وعدم الثقة فى الطبقة السياسية برمتها، والاعتقاد بأن الأمن والتنمية يغنيان عن الديمقراطية، إما لأن «الشعب لم ينضج بعد» تكراراً لسخف كان يقال من قبل، وإما لأن الحريات العامة والتعددية والفصل بين السلطات والمحاسبة والشفافية وتداول السلطة، هى قضية نخبة ضيقة، أما التيار العريض من الناس فلا يريد سوى أن يمشى فى الشارع آمناً وبطنه ملآن.

فى عهد مبارك ماتت السياسة فدفع هو الثمن، كيف؟ لنصبر قليلاً: الرجل همّش الأحزاب وهشمها، وأطلق الأمن يعبث بمن أراد فيها أن يقيم ظهره ويقوم بوظيفته الرئيسية وهى «السعى للوصول إلى السلطة» لتبقى مجرد «ديكور أجوف» لنظامه المهترئ، وأبعد الحركة الطلابية عن الانشغال بالهم العام، وحاصر النقابات والمجتمع المدنى، فالنتيجة كانت غياب البديل المدنى لحكمه، وتوسيع الطريق أمام جماعة الإخوان التى تمارس الإرهاب الآن. وحين قامت ثورة يناير كان الشباب يهتفون فى الميدان: «لا إخوان ولا أحزاب.. ثورتنا ثورة شباب»، ولم تجد السلطة من تتفاوض معه، وكل من جلست معه لم يكن يمثل الثورة، وما توصلت إليه لم يقبله أحد، فاضطر نظام مبارك إلى مجالسة الإخوان، الذين طالما أبرم معهم صفقات أمنية على مدار ثلاثين سنة، ومن جراء هذا انفتح أمامهم الباب لسرقة الثورة وحيازة السلطة إلى أن أسقطهم الشعب والجيش عنها. كما أن موت السياسة فى زمن مبارك جعل مصر تعانى من نقص «رجال الدولة» والكوادر السياسة البارعة، وها نحن ندفع ثمن هذا الآن.

الثورة أعادت السياسة إلى الشارع، فانفتحت شهية الناس إلى المشاركة و الانخراط فى الحياة العامة ، وتعمقت الثقافة السياسية، وازدادت رقعة المؤمنين بتلازم الحرية مع التنمية، وشعر المواطن بالثقة فى نفسه، وآمن بقدرته على التغيير، وعاش تجارب متتابعة من انتخابات مختلفة لا وجه للمقارنة بينها وبين ما كان يجرى قبل الثورة، وسارع كثيرون إلى بناء المؤسسات الوسيطة من روابط واتحادات ونقابات، ونشأت أحزاب جديدة، وتيقن كثيرون داخل الأحزاب القديمة من أن إصلاحها بات ضرورة، وظهر جيل جديد من السياسيين يحتاج إلى مزيد من الخبرة والحنكة وقبلهما الفرصة ليفرز للبلاد رجال دولة من طراز جيد. وكل هذا يراد أن له أن يخبو الآن، وكأن شيئاً لم يكن.

إن إحياء السياسة ضرورة لأى أمة تريد أن تتقدم إلى الأمام، أما اعتبارها مجرد رطانة وفعل أخرق وتضييع للوقت، فهو خبل، وأما احتقار رجالها جميعاً وفقدان الثقة فيهم واتخاذ كل التدابير لتهميشهم وتجنيبهم، فهو خلل، وأما الاعتقاد بأن الحاكم يمد حنجرته فيصل إلى القاصى والدانى ولا حاجة له إلى قوى منظمة تمارس السياسة بشكل عصرى، فهو زلل، وأما الحديث عن أن الناس قد كرهت السياسة ولا حاجة لهم بها، فهو خطل. فإذا كانت التجربة بها خروق فلنرتقها، ونصبر عليها، لا أن ننزع عنها الثوب ونتركها عارية تماماً.

موت السياسة هو الطريق الأمثل لتهشيم الدولة وإضعاف شوكتها، وعودة الحاكم إلى عزلته المخميلة، بعد بناء جدار سميك عازل بينه وبين الطبقة العريضة من الناس، وفتح أبواب ونوافذ لصراعات وانقسامات لا حصر لها، وإعطاء فرصة ثمينة لمن يستهدفون الدولة والمجتمع كى يلعبوا على الشقاق والخلاف وينفخوا فى مستصغر الشرر، وإعطاء فرصة للناهبين والسارقين كى يعيثوا فى البلد فساداً.

إنها كارثة حقاً أن يفكر البعض أو يخطط لموت السياسة فى مصر.. كارثة ستقع أولاً على رأس من يدبر لهذا، وتلك هى حكمة التاريخ، واسألوا مبارك.

arabstoday

GMT 17:42 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

سر الرواس

GMT 17:40 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

حلّ «إخوان الأردن»... بين السياسة والفكر

GMT 17:38 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

دارفور وعرب الشتات وأحاديث الانفصال

GMT 17:37 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

أقصر الطرق إلى الانتحار الجماعي!

GMT 17:35 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بعثة الملكة حتشبسوت إلى بونت... عودة أخرى

GMT 17:34 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بقايا «حزب الله» والانفصام السياسي

GMT 17:29 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

الهادئ كولر والموسيقار يوروتشيتش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موت السياسة في مصر موت السياسة في مصر



نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 12:43 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

السودان .. وغزة!

GMT 11:36 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

عودة النّزاع على سلاح “الحزب”!

GMT 11:38 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

ماذا تفعل لو كنت جوزف عون؟

GMT 15:55 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

زلزال عنيف يضرب إسطنبول بقوه 6.2 درجة

GMT 02:27 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 23 إبريل / نيسان 2025

GMT 11:52 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

ثمة ما يتحرّك في العراق..

GMT 15:56 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب ولاية جوجارات الهندية

GMT 15:51 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

وفاة الإعلامى السورى صبحى عطرى

GMT 15:48 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

"بتكوين" تقفز لأعلى مستوى فى 7 أسابيع

GMT 03:26 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

غارات أميركية تستهدف صنعاء وصعدة

GMT 03:29 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الخميس 24 إبريل / نيسان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab