آفة أن يُحارَب الفساد باليسار ويُعان باليمين

آفة أن يُحارَب الفساد باليسار ويُعان باليمين

آفة أن يُحارَب الفساد باليسار ويُعان باليمين

 العرب اليوم -

آفة أن يُحارَب الفساد باليسار ويُعان باليمين

بقلم : عمار علي حسن

لا يجب أن يُحارب الفساد باليسار، ويُعان باليمين، ولا يمكن أن تكون الحرب عليه إلا بخطة، لا يدخل فيها هوى ولا تصفية حسابات ولا هندسة أوضاع سياسية وإدارية لخدمة طرف أو مؤسسة على حساب البقية. كما لا يجب أن تقف هذه الحرب عند حدود الفساد المالى، بل يجب أن تمتد إلى الفساد الإدارى، وهو أشد وأنكى ونتائجه أكثر فداحة، أما الفساد السياسى، فهو الآفة الكبرى القادرة على ابتلاع كل جهد، ولو حقيقيا فى مقاومة الفساد المالى والإدارى.

والحرب على الفساد أولى، وأبدى من الحرب على الإرهاب، فالإرهاب يدفع الدولة لشحذ طاقاتها فى مواجهته، أما الفساد فيدمر هذه الطاقات أصلا. وإذا كنا نتحدث عن حرب ضد الإرهاب، والأمر فعلا كذلك، فالحرب، كما يقول الفيلسوف الألمانى هيجل، تكون فى بعض الأحوال «الحجر الذى يلقى فى البحيرة الراكدة فيمنعها من التعفن»، أما الفساد، ففى نظرى هو بمنزلة ماء آسن يزيد هذه البحيرة ركودا وتعفنا.

لا يعنى هذا بأى حال من الأحوال التقليل من خطورة الإرهاب، ولا سيما موجته الخامسة المدعومة بأموال طائلة، والمدفوعة بنوايا أكثر خبثا، والموظفة لخدمة أهداف  أطراف لا تريد خيرا، لكن يعنى أننا يجب أن نحارب الفساد بالقوة ذاتها التى نحارب بها الإرهاب، وربما بقوة أشد.

وعلينا أن نفكر فى ثلاثة أمور ونحن ننظر فى العلاقة بين الفساد والإرهاب، سواء فى تأثير كل منهما فى الآخر أو فى ترتيب أولوياتنا، ألا وهى:

1 ـ لا يمكن تأجيل المعركة ضد المفسدين بدعوى أننا نحارب الإرهاب، فمثل هذا الوضع يؤدى تباعا إلى إضعاف قدرة الدولة على المواجهة الشاملة للإرهابيين.

2 ـ لا يمكن أن نربح المعركة ضد الإرهابيين إن استعنا بالمفسدين فى وسط رجال المال والأعمال وجهاز الأمن وبيروقراطية الدولة والإعلاميين والمثقفين، فهولاء مثل هؤلاء لأنفسهم، واستعدادهم لبذل الجهد والتضحية يكاد ينعدم أو هو ضئيل، مما يجعل مساهمتهم فى مواجهة الإرهاب مظهرية وعابرة ومترددة.

3 ـ إن الإرهاب يسعى إلى توظيف الفساد، وما يحدثه من إنهاك لقوة الدولة، فى تبرير ما يفعله القتلة والمخربون، وخلق دوائر من المتعاطفين، أو على الأقل دفع الشعب إلى الوقوف على الحياد أو أقرب إليه فى المعركة ضد الإرهاب، وهذا وضع غاية فى الخطورة لا يفيد سوى من يقتلون ويدمرون.

على وجه العموم هناك أمران أساسيان يجب أن يقالا فى تشخيص الفساد أو وصفه هما:

1 ـ يتدرج الفساد من الصغير الذى نلمسه فى دهاليز الجهازين البيروقراطى والأمنى وساحات الإنصاف والتعليم والتطبيب، وصولا إلى العمليات الاقتصادية الضخمة التى تقدر قيمتها بالمليارات، وبالتتابع يتزايد حجمه، وتتسع دائرته، وتتشابك حلقاته، وتترابط آلياته.

فممارسة الفساد، من رشوة ومحسوبية ووساطة، لم تعد مقتصرة على الكبار فقط، بل امتدت إلى الصغار أو الفقراء، بفعل سياسات الإفقار، وتفاوت الدخول، والارتفاع المستمر للأسعار، وغياب القدوة فى قمة هرم السلطة والمجتمع، وتآكل دور أجهزة الرقابة على قطاعات الخدمات الحكومية وغير الحكومية.

2 ـ لا يقتصر الفساد على الجانب المالى، إنما يمتد إلى الفساد الإدارى والسياسى. فالأول على بشاعته هو الأقل ضررا، لأن بعض الفاسدين يعيدون تدوير ما حصلوه من أموال فى عجلة الاقتصاد الوطنى، أما الثانى، فهو مهلكة، لأنه يجعل الأردأ يصعد والأكفأ يهبط، فتُحرم الدولة من عطاء العقول المبدعة، وتتحلل قواها تدريجيا.

فى النهاية لا بد أن تبدأ محاربة الفساد من أعلى، اتكاء على الحكمة المتداولة التى تؤمن بأن «السمكة تفسد من رأسها»، وهنا يقول أمادو تومانى تورى، الجنرال الذى أطاح برئيس مالى، موسى تراورى، من الحكم عام 1991، وسلم السلطة عام 1992 إلى حكومة مدنية منتخبة: «عند تنظيف المنزل، على المرء أن يبدأ من الطوابق العليا، وأن يرمى بالنفايات إلى الطابق الأرضى، هكذا تماما تكون الحرب على الفساد، بالبدء من أعلى مستوى فى الدولة».

المصدر : جريدة المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

GMT 01:05 2024 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

حكاية الحكومات في فلسطين... والرئيس

GMT 02:47 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

لماذا مدح بوتين بايدن؟

GMT 01:26 2024 الإثنين ,19 شباط / فبراير

سياسة في يوم عيد الحب

GMT 01:23 2024 الإثنين ,19 شباط / فبراير

كوارث التواصل الاجتماعي!

GMT 02:27 2024 الأربعاء ,14 شباط / فبراير

تستكثرُ علي بيتك؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آفة أن يُحارَب الفساد باليسار ويُعان باليمين آفة أن يُحارَب الفساد باليسار ويُعان باليمين



ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 08:12 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي
 العرب اليوم - أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي

GMT 05:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب
 العرب اليوم - دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 06:27 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

عقار تجريبي يساعد مرضى السرطان على استعادة الوزن

GMT 06:13 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

الضوء في الليل يزيد فرص الإصابة بالسكري

GMT 19:13 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

ريال مدريد يستغل قضايا مانشستر سيتي لخطف رودري

GMT 09:57 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

ماليزيا تسجل أول إصابة بجدري القرود خلال عام 2024

GMT 16:57 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

وفاة المخرج إيمان الصيرفي عن عمر ناهز 71 عاما

GMT 06:44 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

"رحلة 404" لـ منى زكي يمثّل مصر في الأوسكار

GMT 05:26 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

أنباء عن هجمات سيبرانية على مواقع إسرائيلية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab