نقاش مع أدونيس حول طه حسين طريقة أخرى للتنوير «1ـ 3»

نقاش مع أدونيس حول طه حسين.. طريقة أخرى للتنوير «1ـ 3»

نقاش مع أدونيس حول طه حسين.. طريقة أخرى للتنوير «1ـ 3»

 العرب اليوم -

نقاش مع أدونيس حول طه حسين طريقة أخرى للتنوير «1ـ 3»

بقلم - عمار علي حسن

جاءنى صوته بمطعم الفندق الذى كنا نزيلين فيه، وهو يقول لشخص لا أعرفه: «طه حسين تراجع عن أفكاره. لم يكن جريئًا بالقدر الكافى». كان المتكلم هو الشاعر والمفكر على أحمد سعيد إسبر (أدونيس)، واستفزنى القول وكنت قد أشرفت على الانتهاء من طعامى، بينما كان هو فى البداية، فقمت إليه، وكان محدثه قد انصرف، تاركًا أدونيس وابنته. قدمت نفسى إليه، فقال لى: أعرفك، قرأت لك مقالات فى جريدة «الحياة»، وأتابع بعض ما تكتب أحيانًا.

كانت بداية مشجعة، وكنت واثقًا إلى حد كبير مما سأقوله، فوقتها كنت منهمكًا فى تأليف كتاب عن طه حسين، قرأت لأجله كل مؤلفاته تقريبًا، واطّلعت على أغلب ما كُتب عنه، أو كل ما وصلت إليه يداى. وكان أدونيس يستعد لإلقاء محاضرة عن عميد الأدب العربى بعد ساعات قلائل، فبدا أكثر استعدادًا لسماع رأى مختلف. قلت له: طه لم يغير أفكاره، فالمنهج الذى اتبعه فى كتابه «فى الشعر الجاهلى» لازمه فى مختلف كتبه عن الإٍسلام مثل «مرآة الإسلام» و«الفتنة الكبرى» بجزءيه و«الوعد الحق» و«الشيخان»، لكنه أصبح حذرًا فى طرح ما يريد، نعم لجأ إلى الحيلة والمداراة، لكنه لم يتنازل.

ربما كان أدونيس ينظر إلى نفسه فى هذه اللحظة على أنه أحد وجوه «الحداثة المجهضة» حسب عنوان كتاب الناقد فيصل دراج، الذى طبق رؤيته على طه وأدونيس معًا، وبدا لى أن إلقاء صاحب «الثابت والمتحول» اللوم على صاحب «فى الشعر الجاهلى» يحمل نقدًا مستترًا للذات، وربما جلدًا لها، فالسياسة كانت قد اضطرت أدونيس إلى التورط فى مواقف وتصريحات لم يكن يدرى أنه سيتلفظ بها فى يوم من الأيام.

أدركت هذا، وأنا أنصت إلى قوله إن طه قد انكسر فى هذه المعركة، واضطر إلى حذف عبارات من كتابه، الذى مُنع من التداول، قبل أن يعيد نشره تحت اسم جديد هو «فى الأدب الجاهلى»، فقلت له: ربما لم يُفزعه الملك فؤاد، الذى كان يحرض عليه من خلف الستار، ولا مشايخ الأزهر، فقد اعتاد الخلاف معهم، ولا بعض الأدباء والمفكرين المحافظين، لكن أفزعه أن يقف ضده زعيم شعبى مثل سعد زغلول، وأن يخسر الناس عمومًا.

هنا سأل أدونيس: وهل هذا يغيَّر من الأمور؟. قلت له: طبعًا، الكاتب حين يواجه حاكمًا مستبدًّا يكسب تعاطف الناس، لكن ما عساه أن يفعل إن كان مَن يهاجمه هو قائد يلتف عموم الناس حوله، ويرفعونه فوق الرؤوس، ويعقدون عليه الأمل فى نَيْل الاستقلال، ويضعون فى يده كل شىء، حتى إن الإنجليز حين كانوا يسألون الفلاحين البسطاء عما ينوون زراعته، كانوا يردون عليهم: اسألوا سعد باشا.

ربما أدرك أدونيس هنا أننى أغمز فى قناته، إذ كان وقتها يتصدى لضربات تأتيه بلا هوادة من قِبَل معارضين سوريين رفضوا موقفه المساند لبشار الأسد، ونعتوه بأنه صار نصيرًا للاستبداد والطائفية، وبذا أهال التراب على كل ما كتبه عن التحديث والحداثة والتنوير والنهضة، وكل المفردات والمصطلحات التى تعبر عن حياة معاصرة سليمة ومتقدمة، لا يمكن أن تقبل بالدم والتعصب.

لكن أدونيس بدا غير مُبالٍ بكل هذه السهام التى تطعنه من كل جانب، فهو يعتقد أن وقوفه مع الأسد هو الخيار السليم، إن كان البديل هو الجماعات المتطرفة والإرهابية، التى عاش حياته يناهض خطابها، فى نثره وشعره، وفى كل ما يكتبه أو يلقيه شفاهية، وكان يتكئ فى موقفه هذا على أن الثورة الشعبية سرعان ما تحولت إلى حرب أهلية، ثم حرب إقليمية ودولية على أرض سوريا.

عند هذه النقطة، ووفق قانون تداعِى المعانى، انتقل الحديث إلى مجال آخر، ليس بعيدًا على العموم من مشروع عميد الأدب العربى، وذلك حين قلت لأدونيس: هل تعرف أن هناك ما يجمع بينك وبين طه حسين؟. نظر إلىَّ فى إمعان، وانفرجت أساريره، فقلت له: كلاكما قام بجهد وافر وعميق فى هدم الكثير مما يعترض الطريق، لكن لم تبذلا الجهد الكافى فى البناء. طه حسين تشكك فى الكثير، وأطلق ثورة منهجية، وفتح الباب أمام نزع القداسة عن الآراء والأشخاص الذين مروا فى قرون غابرة، لكنه لم يقم بالبناء فى كتابه «فى الشعر الجاهلى»، وإن كان قد فعل إلى حد مناسب فى كتب أخرى، على رأسها «مستقبل الثقافة فى مصر»، أما أنت يا أستاذ أدونيس فقد قمت بالتمييز بين ما هو ثابت وما هو متحول، لكنك وقفت عند حد لم تتخطاه، وأخذك الشعر ونقده والنثر الأدبى أحيانًا من الفكر، وصرت تغضب أحيانًا ممن يراك مفكرًا أكثر من كونك شاعرًا، فلم تضع مداميك أخرى قوية فى مشروعك. كما أن كليكما، ورغم الإسهام الكبير لكما الذى تعلمنا منه الكثير، لم تلتفتا إلى مسار مهم وعميق فى التراث العربى، كان بوسعه أن يصنع نسقًا أكثر قبولًا للرد على النسق السلفى.

قال أدونيس: انهزم المشروع المعتزلى فى القرن الثالث الهجرى بسبب انحياز السلطة السياسية لأهل الأثر أو من كانوا يسمون «أهل السُّنة والجماعة». قلت له: لا أقصد الفكر المعتزلى، فهذا يستعيده بعض المفكرين، ويقذفونه فى وجه الماضوية الصارمة، لكنه لا ينفع لسبب بسيط هو أنه فكر بلا تيار اجتماعى يحمله، وينشره، وينقله عبر الأجيال. كما أن استعارة النموذج الفكرى الغربى لا تلقى قبولًا لدى مجتمعاتنا، ولا أقصد هنا بالطبع رفض التمسك بالتفكير العلمى والعقلانية، إنما النقل الأعمى لكثير من القيم والتصورات والإجراءات المطبقة فى المجتمع الغربى، رغم أنها تلقى نقدًا فى مجتمعاتها الآن، ولا يرى الغربيون أنها تمثل الخلاص النهائى، مثلما يسوقها بعض المفكرين لدينا.

(نكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى)

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نقاش مع أدونيس حول طه حسين طريقة أخرى للتنوير «1ـ 3» نقاش مع أدونيس حول طه حسين طريقة أخرى للتنوير «1ـ 3»



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab