التعليم وضرورة سد الفجوة المعرفية بيننا والعالم

التعليم وضرورة سد الفجوة المعرفية بيننا والعالم

التعليم وضرورة سد الفجوة المعرفية بيننا والعالم

 العرب اليوم -

التعليم وضرورة سد الفجوة المعرفية بيننا والعالم

بقلم - عمار علي حسن

تنجم الفجوة أو الفراغ المعرفى عن تفاوت شديد فى مستوى المعارف والمعلومات بين الطبقات الاجتماعية فى المجتمع الواحد، امتدادًا إلى ما بين الدول نفسها من تباين فى هذا المجال. ويمكن هنا الاعتماد على التعريف الإجرائى الذى أقرته الأمم المتحدة لقياس الفجوة المعرفية، وهو يقوم على معايير سبعة هى: التعليم ما قبل الجامعى، والتعليم التقنى، والتدريب المهنى، والتعليم العالى، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وحال الاقتصاد، والبحث والتطوير، والابتكار، والبيئة الاجتماعية، وهى معايير تجمع بين تحصيل المعلومات والمهارات، وبين التمويل وما يمنحه من إمكانيات.

ويبدو أن التعليم هو السبب الأكبر فى نظر أغلب الناظرين إلى هذا الأمر، فتباينه وتباين المهارات الاتصالية بين الطبقات يؤديان إلى هذه المشكلة، فالنشاط الاتصالى يتجه دومًا نحو الطبقات الأعلى لأن مُكنتها المالية تجعلها قادرة على فعل هذا. وهناك أيضًا تباين فى المعلومات المخزنة أو الخلفية المعرفية، ووجود التعرض الانتقائى، حيث يقصد منتجو المعرفة توجيهها إلى أناس بأعينهم، والضّنّ بها على آخرين.

وفى ركاب هذا صار هناك حديث مسهب عن «الفجوة الرقمية»، التى تعنى الهوة الفاصلة بين الدول المتقدمة والدول النامية فى النفاذ إلى مصادر المعلومات والمعرفة، والقدرة على استغلالها، وهى تحمل فى ثناياها فجوات عدة، تقنية ومعرفية واتصالية، تتفاوت فيها الدول، بين متقدمة ونامية، وهى ليست مسألة قدَرية أو حتمية أو أبدية، لكن الدول التى لا تحوز إمكانيات كبيرة فى هذا المجال تجد صدًّا وردًّا، حين ترغب فى تغيير وضعها إلى الأفضل، من الدول المتقدمة تكنولوجيًّا، فى إطار صراع الأمم.

ويمكن هنا القول إن «الفجوة الرقمية» تعود إلى أسباب تقنية واقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية، وتتوزع على نطاقات متتابعة، عالمية وإقليمية ومحلية، ويختلف فى تقدير معناها كثيرون، كل حسب اختصاصه، الذى يحدد الزاوية التى ينظر منها إليها، فالسياسيون يرونها ذريعة للتدخل فى شؤون الدول، والاقتصاديون يرونها حالة من التخلف عن اقتصاد المعرفة، والتربويون يتعاملون معها على أنها مسألة تتعلق بالتعليم بدرجة أساسية، والإداريون يعتبرونها أمرًا عارضًا سيزول تدريجيًّا مع زيادة معدل التطور التقنى، والاتصاليون يفهمونها على أنها نقص فى شبكات الاتصال، ووسائل النفاذ إليها، بما يؤدى إلى قلة السعة الكافية لتبادل مختلف رسائل المعلومات، والاجتماعيون يقدرون أنها انعكاس لعدم المساواة على أساس النوع والطبقة والعمر ومستوى التعليم ومكان السكن، والفلاسفة يرونها مسألة أخلاقية ترتبط بغياب العدل، وينقسم معتنقو الأفكار السياسية الكبرى حولها، فيراها بعضهم وجهًا كريهًا للنزعة الاستعمارية، ويربطها مناهضو العولمة باحتكار الدول المتقدمة للمعلومات، ثم تعمد عدم وصولها إلى الدول النامية والفقيرة، فيما يراها آخرون تعبيرًا عن سيادة الرأسمالية وانتصارها، وهناك مَن يصفونها بأنها وجه لانتهاك حقوق الإنسان لأنها تحرم كثيرين من حق الوصول إلى المعلومات.

وتوجد زاوية أخرى للفراغ المعرفى، تصنعها البحوث الميدانية النمطية المجردة، التى تجمع معلومات وتحللها كميًّا فى عمليات مكرورة لا تؤدى إلى شىء ذى بال، وتلك التى تمارس نوعًا من الخداع المنهجى، فتراعى معيارًا اجتماعيًّا متحيزًا، أو تسقط فى التلفيق، ولا تضيف شيئًا إلى المعرفة، ولا تخرج أهدافها عن سعى وراء الترقى المهنى، وحيازة مكانة اجتماعية زائفة، وحرص على نَيْل قبول سلطة سياسية، وانتصار لأيديولوجيا أو اعتقاد دينى أو مذهبى أو حزب سياسى أو جماعية محلية ضيقة، عشيرة أو قبيلة أو طائفة، بل تتخذ من هذا إطارًا مرجعيًّا، ظاهرًا أو خفيًّا، بدلًا من الاتكاء على المرجعيات والنظريات الراسخة فى العلوم الإنسانية ومناهج البحث فيها. هذا ما وقر فى ذهن عدنان الأمين بعد دراسة ميدانية، انتهى فيها إلى القول:

«البحث التربوى تحديدًا يجرى فى بلداننا طبقًا لتقاليد أو طقوس اجتماعية على حساب التقاليد المعرفية، الأمر الذى يُفضى إلى منتج فارغ معرفيًّا تتركز وظيفته فى خدمة منتجِهِ».

ومع تراكم المعلومات وانتشارها وتعقدها يزيد الفراغ المعرفى، وتتفاقم خطورته، إذ إن من شأنه أن يعمق الهوة بين الدول، ولاسيما مع تصاعد دور اقتصاديات المعرفة، والصناعات الإبداعية، فى صناعة التنمية والرفاه، ولا سبيل لتفادى هذا أو علاج ضرره سوى بتعليم حقيقى.

إن التعليم هو أداة المجتمع الناجعة واللينة والطيعة لخلق أفراد أسوياء، قادرين على تحقيق الأمن للمجتمع بمعناه العميق والشامل، وتمثيل ثقافته، والمحافظة عليها وتطويرها، وذلك بما يمتلكه التعليم من آليات تمد النشء بالقدرة على الإبداع، والابتكار، والحوار، والتخطيط للمستقبل، وشغل أوقات الفراغ، والتعايش، والتسامح، وقبول الآخر، وتحمل المسؤولية، وتوافر الالتزام بالواجب حيال الجماعة، إلى جانب أنه وسيلة لرفد برامج التنمية بأشخاص مؤهلين لتنفيذها، والنهوض بها.

لهذا فإن رفَعْنا شعار «التعليم أولًا» ونحن نخطط لمستقبل بلادنا، فيكون ما فعلناه ليست فيه مبالغة ولا مجازفة ولا انحراف عن المطلوب، ولا تجاوز فى ترتيب سُلَّم الأولويات. ومَن يؤمنون بأن المداميك الأولى فى أى بناء لمجتمع عصرى هى التعليم، لديهم كل الحق فيما يعتقدونه، ودومًا لديهم ما يستشهدون به ليبرهنوا على صواب رؤيتهم، فلا يأتى حصيف منهم على ذكر قضية التعليم إلا ويروى على مسامعنا عدة وقائع أو تجارب، ممتدة عبر الزمن والحضارات والثقافات والظروف، تؤكد، بما لا مجال لشك فيه، أنه لا أمل فى تقدم أو نهضة، بينما مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا ترزح تحت نير مناهج تعليمية متخلفة، يلقنها للدارسين معلمون لم يُحصِّلوا من العلم والمعرفة إلا النزر اليسير، الذى يستعملونه فى كسب أقواتهم، وترقى درجاتهم الوظيفية، متخففين مما فى عنق المعلم من رسالة سامية، ومثل هذا لا يسد أبدًا الفجوة المعرفية بيننا وبين العالم.

arabstoday

GMT 06:28 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

الإجابة عِلم

GMT 06:15 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

وزراء فى حضرة الشيخ

GMT 06:04 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

نجاة «نمرة 2 يكسب أحيانًا»!!

GMT 06:00 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

انتخابات الجزائر.. تبون في عالم خاص به!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التعليم وضرورة سد الفجوة المعرفية بيننا والعالم التعليم وضرورة سد الفجوة المعرفية بيننا والعالم



ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:06 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

إسرائيل تعترض طائرة مسيّرة "أُطلقت من العراق"
 العرب اليوم - إسرائيل تعترض طائرة مسيّرة "أُطلقت من العراق"

GMT 06:27 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

عقار تجريبي يساعد مرضى السرطان على استعادة الوزن

GMT 08:02 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

بمناسبة المسرح: ذاكرة السعودية وتوثيقها

GMT 08:04 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 12:20 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

الإصابة تبعد أولمو عن برشلونة لمدة شهر

GMT 08:09 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

وحدة الساحات

GMT 14:01 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

انتهاء أزمة فيلم "الملحد" لأحمد حاتم

GMT 08:08 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

لبنان... نتنياهو أخطر من شارون

GMT 04:57 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

315 وفاة بالكوليرا و225 جراء السيول في السودان

GMT 00:23 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

طرق متميزة ومُساعدة في تنظيف غرفة النوم وتنظيمها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab