الإعلام الجديد وتغيير الأفكار والمواقف

الإعلام الجديد وتغيير الأفكار والمواقف

الإعلام الجديد وتغيير الأفكار والمواقف

 العرب اليوم -

الإعلام الجديد وتغيير الأفكار والمواقف

بقلم - عمار علي حسن

يمكن وصف ما جرى فى الإعلام خلال السنوات الأخيرة بأنه «ثورة إعلامية»، تضاف إلى الثورات الناعمة التى يشهدها العالم، والتى تغيرنا من دون إراقة أى قطرة من دم. ولهذه الثورة سمات عدة هى:

1- توسيع المشاركة الشعبية فى صناعة الإعلام، بما جعلنا نشهد ما يمكن أن يسمى بـ«المواطن الصحفى»، إذ بوسع أى شخص أن يكتب ما يشاء ويبثه على الإنترنت فى موقع خاص أو مدونة أو حتى فى تعقيب على مقالات الكُتاب، وأخبار وتقارير وتحليلات وتحقيقات الصحفيين. وهذا الاتساع حقق كل ما حلم به مَن كتبوا منذ عقود عن «مسرح المقهورين»، متخيلين ومطالبين بأن يشارك المتفرجون فى صناعة النص المسرحى وتمثيله.

2- تعزيز الفردية، التى تتغول دومًا بفعل التقدم التقنى وتغير بعض أنماط وطرائق المعيشة، فمثلًا أدى اختراع الطباعة وتقدمها إلى إنهاء التجمعات البشرية، التى كانت تتحلق حول شخص يقرأ لهم مخطوطًا، وبات بوسع كل شخص أن يقرأ كتابه مختليًا بنفسه، كما أدى اختراع الساندويتش إلى انصراف أفراد الأسرة عن التجمع لتناول الوجبات اليومية المعتادة، وعلى المنوال نفسه فإن الإنترنت ستزيد من عزلة الفرد عن المحيطين به مباشرة من أفراد الأسرة والأصدقاء والرفاق.

وتعيد دمجه فى «مجتمع افتراضى»، ليصبح له أصدقاء من شتى أرجاء المعمورة قد لا يرى وجوههم أبدًا، لكنه يتواصل معهم ويقضى بصحبتهم ساعات طويلة عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعى. ومثل هذا الوضع قد يعيد فى المستقبل تشكيل الهويات والانتماءات.

3- إعطاء دفعة قوية لاقتصادات المعرفة، فإذا كان النفط قد لعب دورًا حيويًّا فى الثورة الصناعية، فإن عالم الرقميات ستكون له اليد الطولى فى الطفرات الاقتصادية الحديثة، التى تسعى جاهدة إلى الاعتماد على بدائل جديدة للطاقة، وإلى إنتاج سلع جديدة، لم يعرفها العالم من قبل.

4- يؤدى الإعلام الجديد بالتتابع إلى تعزيز الحريات الثلاث حول التفكير والتعبير والتدبير، إذ إنه يساعد الناس على الاطلاع على ما يجرى فى مختلف أرجاء المعمورة من طقوس وطرق تفكير وتصرف، وتفتح أمامهم بابًا وسيعًا ليعبروا عن آرائهم.

5- الإفراط فى استخدام الإعلام كركيزة أساسية فى السجال العقائدى الذى يدور فى العالم أجمع، ولاسيما بعد أن صار الدين يشكل عاملًا بارزًا من عوامل الصراع الدولى الراهن، بفعل إذكاء الولايات المتحدة لمسار «الإسلاموفوبيا» فى سياق بحثها عن عدو عقب انهيار الاتحاد السوفييتى، من جهة، وطرحها فكرة «الفوضى الخلاقة»، التى تقوم على إشعال النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية، من جهة ثانية، وتعزز قدرة التنظيمات والجماعات المتطرفة والإرهابية على استخدام الشبكة العنكبوتية فى التجنيد والتعبئة والدعاية والتحريض وتوجيه أتباعها نحو أهدافهم، من جهة ثالثة.

ومع تغول العولمة وعودة الاستعمار التقليدى، بعد أن ظنت الأغلبية من علماء السياسة أنه قد ذهب إلى غير رجعة، يتصاعد دور الإعلام فى المقاومة، وتتناسل أيضًا مواقع على شبكة الإنترنت لبعض الجماعات والتنظيمات والحركات المناوئة للولايات المتحدة، عبر العالم، سواء كانت دينية أم يسارية.

6- لأى ثورة ضحايا، وقوى مضادة لها، ما يعنى فى هذا المقام التطرق إلى مصير الإعلام القديم أو التقليدى، الذى أصبح فى تحدٍّ واضح. والنظر بإمعان إلى الصراع بين الجديد والقديم فى مجال الإعلام يَشِى بأن الوسائط الجديدة ليس بوسعها أن تهيل التراب على القديمة تمامًا، فنظريات التحديث على اختلافها تُنبئنا بأن القديم لا يموت كله، وتؤكد فى الوقت ذاته أن القديم لا ينطوى دومًا على شرور أو نقائص يجب التخلص منها، بل إن بعضه أجدى للناس من أشياء جديدة. وقد ظن بيل جيتس أن الصحف الورقية ستختفى تمامًا عام 2018.

لكن الأمر الواقع جعله يُعيد النظر فى رأيه، ويعترف أنه لا يمكن أن يقطع بشىء خاص بمستقبل لا يراه، ولا يلم بقوانينه وظروفه كافة. ومَن ظنوا أن القراءة على الإنترنت ستؤدى إلى اختفاء الكتاب المطبوع عادوا لينتجوا كتابًا إلكترونيًّا على شاكلة الكتاب الورقى، يمكن أن يصطحبه القارئ إلى مخدعه، ويستمتع بقراءته تحت ضوء حميم. وعلى التوازى زاد توزيع الكتاب المطبوع، ليصل إلى أرقام غير مسبوقة، نرى مثالًا لها فى رواية «هارى بوتر»، التى وزعت حتى الآن نحو تسعين مليون نسخة بلغات عدة، ورواية «الخيميائى» للأديب البرازيلى باولو كويليو، التى وزعت نحو ثلاثين مليون نسخة.

إن البعض انساق وراء الثورة الجارفة للإعلام الجديد، وظن أن المطبعة ستدفن مع مخترعها الألمانى يوحنا جوتنبرج حين تحل ذكرى مرور أربعة قرون على وفاته عام 2048، أو توضع فى المتحف برفقة الفأس البرونزية، لكن الأمور تسير عكس هذا الخط البيانى المتوهم، وتثبت أنه من الخطأ الجسيم أن نخلط خلطًا ظاهرًا بين «الآلة» و«السلعة»، فالآلة المتطورة تنسخ أختها المتخلفة أو تلغيها كلية، لكن السلع الجديدة لا تلغى القديمة.

إذ لا يزال الناس يستهلكون سلعًا كانت البشرية تستهلكها منذ آلاف السنين. والجريدة وكذلك الكتاب هما من صنف السلع، وليسا من طرز الآلات، ومن ثَمَّ فهما باقيان معنا سنوات طويلة، لكن عليهما التكيف مع معطيات ومتطلبات مجتمع المعرفة، ولاسيما فى مجال القابلية للحمل، والمحتوى، والعائد الدائم.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإعلام الجديد وتغيير الأفكار والمواقف الإعلام الجديد وتغيير الأفكار والمواقف



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
 العرب اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab