تجليات صوفية

تجليات صوفية

تجليات صوفية

 العرب اليوم -

تجليات صوفية

بقلم: عمار علي حسن

قلبى مقبوض، خامد فى صدرى. أحس أنه يضغط على دمى بقسوة، لكنه لا يدعه ينفلت. سجن صار هو، بل زنزانة لا فتحة فيها لشمس أو هواء، وجدرانها صلدة وزلقة. يهتز جسدى، ليفك حصارى، لكن لا شىء يزول من خوفى.

أقول له: أخافك.

لكن هذا وجل على عجل. فالمريد التائه، الذى هو أنا، لا يلبث أن تسكنه رغبة فى عبث، وشىء من رجاء، ينفرج له الانقباض. تفتح أبواب السجن. تنزاح الزنزانة الضيقة. تنجلى الظلمة الحالكة. ينهمر النور الآتى من بعيد.

القبض قبضان. شعور بالتفريط، وآخر بالأسى. أسى على ما فرطت فيه، وهو كثير غزير، يُخنق لكنه لا يُميت، وكيف يموت موصول بربه، حتى لو كان يعبث. قبض ليس من نار يتوعدون بها الأشرار، الذين لا يمضون على الأرض هونًا، ولا يجلبون إلى الأرض السلام، ولا يأتون للناس بالمسرة. إنما هو قبض من تذكر تفريط مخلوق فى حق خالقه، وإنكار للنعمة السابغة التى أنعم بها عليه. قبض يصنعه نقص المحبة، أو الشك فى نصاعة القول، وطهر المسلك. قبض لا يلبث أن تهزه النفس اللوامة، التى تسمع صوتًا يأتيها من كل جانب:

ـ لا يخاف من ظن بى خيرًا، ولو فى لحظة عابرة، من ليل أو نهار.

2- البسط

أرجوه فانبسط. تنفرج الشدة، وينفتح السبيل. على باب الرجاء أقف صامتًا، أطرق باب قلبى، وأنتظر. لا أسمع سوى صوت الصمت، فحتى وجيب القلب قد خمد فى غمرة التمنى، لم يمت، لكنه ربما ذاب فى لهف انتظار تقريب وترحيب.

هل أنا لا أزال حيًا؟ أسأل، فالصمت التام موت. تأتى الإجابة:

ـ الرجاء حياة، والبسط فوق الرجاء.

أطمع، وأسأل: هل القبض موت؟

تأتى الإجابة:

ـ عيشة ضنك.

أقول مرتجفًا، حتى تتساقط الحروف تحت قدمى:

ـ لك العتبى حتى ترضى.

فأسمع صوتًا صافيًا:

ـ دام الود مادام العتاب.

ينشرح صدرى، وأبسط كفىَّ، لتستقبلا المطر الذى يهطل أمامى على الطريق، فتنبت أزهار لم أرَ لها مثيلًا. يزول الحذر، وتروح الوحشة. تتساوى فى رأسى كل الأمور، صغيرها وكبيرها، وأيسرها وأعسرها، فأمضى فى تسليم وامتثال مطمئنًا حرًا، لا أستوحش شيئًا، ولا أخاف البلوى.

3ـ الهيبة

متى أهاب حتى الغياب؟

أغيب فلا أحس بجسدى. يذهب عنى ثقله وألمه وأدرانه. لا يتأتى هذا إلا إذا حضرت الحقيقة كاملة، وصرت من أهل التمكين، الذين تسمو أحوالهم عن التغير، ويُمحى من نفوسهم الانشغال بالذات والصفات.

الهيبة فوق القبض، فالمقبوض يشعر بارتجاف قلبه، ويدرك سعيه إلى السكون. أما من يهاب فيضربه خوفه ضربة قاضية، فلا يدع له، ولو لبرهة، أن يحس بما يجرى فى دمه، ولا ما يلوح لعينيه، ولا ما يتناهى إلى أذنيه. تنقطع مع الهيبة الأسباب، فلا تكون هى السبيل إلى إدراك الوجود. يتوقف الزمن، فلا تذكر لما مضى، ولا توقع لما هو آتٍ.

4- الأنس

الأنس فوق الرجاء. هو حضور من غياب. هو زوال الهيبة. هو بهجة وألفة. هو رقص وغناء. هو دوران ودبيب وانشراح. هو تماهٍ فى الفرح، يغلب أى كدر. هو انتصار على الانقباض، يغلب أى يأس، وكيف ييأس من روح الله من يؤمن به، ويحب خلقه.

الله فى قلبى يؤنسنى، فأمضى وفى نفسى أُنسى. أرى من فرط الأُنس كل شىء فى الوجود جميلًا، حتى الأشرار، أراهم سيرجعون يومًا إلى ما ينفع الناس. أرى العصاة واقفين على باب التوبة، وأثق فى أنه سيُفتح لهم يومًا، وأن هذا اليوم آتٍ دون شك. أتسامى عن الصغائر، وأتسامح مع ما يجرى، فهو عندى قدر مقدر، ودور مرسوم للعباد.

5ـ الوجد

أطربنى لحن لم أسمع له مثيلًا، يمتزج فيه الشجن بالفرح، صادف قلبى دون إرادة منى، فلم أعرف وقتها إن كان علىَّ أن أبكى، أو أضحك. كان وِردًا آتيًا من بعيد، له حلاوة وطلاوة، رددته فى سريرتى، فلما غلبنى صدحت به، غير عابئ بالذين يمرون حولى. غاب من عينىَّ وعن أذنىَّ كل شاهد.

حضر سلطان الحقيقة، فاستغرقنى ما أنا فيه. شهدت وذهبت طائعًا وغرقـت. نار الاشتياق انبلجت نورًا، وصار وجدى وجودًا، بينما أفنى فى الحق، فبقيت به أسمع وأرى.

6ـ الخاطر

لا يخلو إنسان من خواطر، ترد إليه دون إرادة منه، فإن جاءت من الله كانت إلهامًا، وإن جادت بها النفس فهى الهواجس، أما إن بثتها الشياطين فهى الوساوس.

من يُلهم يربح، ومن يُوسوس له يخسر، ومن تتصارع داخله الهواجس يسكنه القلق. والإلهام لا يخلو من قلق إن كان فى المعرفة، فالذى يعرف يقلق، والمهجوس يقاوم من أجل أن ينعم بالسكينة، فإن جاءته كان له نصيب من الإلهام.

وكم من خواطر سوداء دمرت، وخواطر بيضاء عمَّرت. ومن بيض الخواطر يولد الإشراق، وهو دفقة تجتاح عقول علماء وأدباء فيبدعون، وعقول أولياء فتكشف لهم الحُجب.

وإذا قال المريد لشيخه: رأيت فيما يرى اليقظان، سيقول له الشيخ: حدثنى عن الخواطر. ولأن المريد لا يرد لشيخه طلبًا، فإنه سيفيض فى شرح خواطره. لكن ليس كل مريد بقادر على فعل هذا. فهناك من يعجز لسانه عن التعبير، ويؤمن أن الصمت أبلغ من الكلام. هناك من تلجمه الهيبة. هناك من يتعلثم، وكأن حروفه قد شُدت إلى صخور ضخمة. هناك من ينسى. هناك من يغرق فى الخواطر، فيمهله شيخه.

لا يختلف فى هذا إن كان الأمر إلهامًا أم هواجس ووساوس. ففى الخواطر يتساوى العجز عن التعبير، عند الذين يكونون مع الله، أو هؤلاء الذين يقفون، على النقيض، مع الشيطان.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تجليات صوفية تجليات صوفية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab