مزايا توافق الديمقراطية والتنمية 1

مزايا توافق الديمقراطية والتنمية (1)

مزايا توافق الديمقراطية والتنمية (1)

 العرب اليوم -

مزايا توافق الديمقراطية والتنمية 1

بقلم : عمار علي حسن

تعتبر الديمقراطية فى قيمها الأصلية وإجراءاتها المحددة محكاً لاختبار مدى تأثير الاقتصاد على السياسة، بل تتعدى ذلك فى بعض المجتمعات لتصل إلى النقطة التى يمكن عندها الإجابة على تساؤل مفاده: هل يصنع الاقتصاد السياسة؟ وهل هو الذى يسير دفتها ويحدد أهدافها؟ وهذا لا يعنى بالطبع التسليم بأن الاقتصاد فقط هو العنصر الفعال فى تركيبة الحياة السياسية الاجتماعية، لكن القول بأنه العنصر الأكثر أهمية لا يجافى الحقيقة ولا يقفز على الواقع.

وعلاقة الاقتصاد بالديمقراطية تبدأ من المنشأ، وتنتهى عند صناعة واتخاذ القرارات داخل المجتمع، مروراً بتوزيع الأدوار والأنصبة أو الأوزان السياسية بين القوى التى تزاحم أو تتنافس أو تتكتل فى سبيل أن تجد لها موقعاً على خريطة صنع القرار.

فمن حيث المنشأ، فإن هناك من يعيد الديمقراطية إلى جذورها الرأسمالية، باعتبار أن الليبرالية السياسية والليبرالية الاقتصادية متلازمتان، إن لم يكن فى لحظة الانطلاق فعلى الأقل فى اللحظة الراهنة. وهذا الربط التقليدى بين الاثنتين يستند إلى برهان تاريخى، ينزع إلى المركزية الأوروبية، وهو يقوم على أن الديمقراطية نشأت فى المجتمع الأوروبى إثر انهيار الإقطاع وميلاد طبقة تجارية جديدة قادت العمل الاقتصادى، ونحتت لها أدواراً سياسية من أجل خدمة مصالحها. فاقتصاد السوق أوجد نمطاً من العلاقات الاقتصادية الجديدة، أنتجت بدورها شكلاً مختلفاً من المجتمعات الإنسانية، يقوم على التنافس والتعدد وتوافق المصالح، الأمر الذى تمت ترجمته فى الديمقراطية كنظام سياسى.

وهناك مثال واحد، لكنه معبر إلى أقصى حد، عن هذا الارتباط التاريخى، فنشأة البرلمان فى إنجلترا تكاد تكون مرتبطة بتطبيق مبدأ لا ضريبة دون تمثيل نيابى، التى تعنى أن الملك ليس من حقه أن يفرض ضرائب جديدة دون موافقة ممثلى دافعى الضرائب، وهم نواب البرلمان. ومعنى هذا أن دافع الضريبة، التى تعد تعبيراً عن أحد مظاهر تدخل الدولة فى إدارة الاقتصاد، يوظف الديمقراطية السياسية فى خدمة مصلحة اقتصادية، خاصة أن هذه الحقبة لم تكن تعرف كلمة مواطن Citizen، التى تقوم عليها الديمقراطية الحديثة، بل كانت الكلمة التقليدية ذائعة الصيت فى هذا الوقت هى «دافع الضرائب»، الذى كان بمثابة المادة الخام للنظام الديمقراطى الوليد. لكن من المعروف أن وجود ارتباط بين الرأسمالية والديمقراطية لم تستقر أركانه أو يتمتع بشرعية اجتماعية ملموسة خلال الثورة الصناعية فى أوروبا. ففى الولايات المتحدة وهولندا فقط كان هناك شكل من أشكال الديمقراطية التمثيلية ذات الوظائف القائمة على أساس قاعدة رأسمالية تجارية وليست صناعية.

ويصل الأمر بـ«آلان تورين» فى تناوله لارتباط الديمقراطية بالتحرر الاقتصادى إلى القول بأن «اقتصاد السوق والديمقراطية السياسية وجهان لعملة واحدة لأنهما يشتركان فى الحد من السلطة المطلقة للدولة». وليس معنى ذلك أن هناك انسجاماً كاملاً بين الاثنين لكن يوجد على الأقل اتفاق واضح المعالم حول مصالح مشتركة، فالديمقراطية ورأسمالية السوق تشبهان، فى نظر عالم السياسة الأمريكى روبرت دال، شخصين مرتبطين فى زواج عاصف يمزقه التنازع ولكنه يستمر لأن كلا الطرفين لا يرغب فى الانفصال عن الآخر.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مزايا توافق الديمقراطية والتنمية 1 مزايا توافق الديمقراطية والتنمية 1



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab