«عين الشؤم» قصة قصيرة

«عين الشؤم».. قصة قصيرة

«عين الشؤم».. قصة قصيرة

 العرب اليوم -

«عين الشؤم» قصة قصيرة

بقلم - عمار علي حسن

أنفق كل ما يملكه فى شراء محل بشارع شهير، قرب ميدان يغص بالمارة ليل نهار، وجهزه بما يليق بمطعم يجذب إليه الناس من كل مكان. كان يملؤه يقين أن ماله سيعود إليه أضعافًا مضاعفة، لكن الأيام مرت، دون أن تلوح إشارة إلى أن ما تمناه سيتحقق.

قال له كبير الطهاة:

ـ طعوم أكلنا لا تقاوم، لكنها الدعاية.

وقال له كبير الجرسونات:

ـ تخفيض الأسعار ضرورى.

لم يلتفت إلى نصائحهما، وترك أذنه لصاحب محل يجاوره من ناحية الشمال، لبيع أحذية من جلد طبيعى، تصنيع محلى، وبه قسم لإصلاح المعطوب منها. قال له الرجل، وهو يمصمص شفتيه:

ـ كان عليك ألا تفتح باب المحل دون أن تذبح عِجلًا سمينًا أمامه.

نظر إليه متعجبًا، فواصل شارحًا:

ـ هذا المحل مسكون بالشرور، ولا رزق منه.

لم يكن قد سأل أحدًا عنه قبل أن يشتريه، فنظر إلى محدثه الأخير باهتمام، وهز رأسه. فى اليوم التالى ذبح خروفًا، لكنه أمر بوضع لحمه فى ثلاجة المطعم، وفهم الطباخون أن عليهم أن يجهزوه وجبات لزبائن ينتظرونهم. لم يأت سوى ثلاثة أشخاص، اثنان منهم طلبوا لحوم دجاج، والثالث طلب سمكًا.

نصحه صاحب محل الملابس الذى يجاوره عن اليمين: ــ أطلق البخور، وهات مقرئ قرآن.

فى اليوم التالى امتلأ المكان بدخان طيب الرائحة، وكلام أطيب، تطلقه حنجرة ندية، ولم يجلس على طاولات الرخام المستوى تحت مفارش نظيفة تتدلى منها شراشيب ناعمة، سوى المبخراتى والمقرئ، ليتناولا بعض لحم الخروف المذبوح.

فى اليوم التالى كان عليه أن يأخذ بعض لحمه إلى البيت، فزوجته، هاتفته وقالت له المثل الشهير، الذى يعرفه جيدًا، بحكم المهنة:

ـ «طباخ السم بيدوقه»...

بعد يومين، لم يجد ما يدفعه للطباخين والجرسونات، فعرض عليهم أن يأخذوا أجورهم لحمًا، ولم يكن أمامهم من خيار سوى الموافقة، فأخذوها وذهبوا، ولم يرجع نصفهم إلى العمل فى اليوم التالى.

كل يوم يُفتح المطعم، ويجلس صاحبه داخله صامتًا، وهو ينظر إلى ما تبقى من طباخين منهمكين فى تجهيز أدواتهم ومعداتهم، وإلى الجرسونات الذين يغدون ويروحون كأن المكان يغص بالزبائن.

يعطيهم ربع بصره، أما ثلاثة أرباعه فتذهب إلى المارة فى الشارع. يرى من زاوية جلوسه نصف الوجوه، ونصف الملابس، لكن من ينعطف قليلًا إلى اليمين، يرى جسده كاملًا، فيتطلع إليه، منتظرًا منه أن يدخل المطعم، لكنه يمضى، أو يدخل إلى محل الملابس، أو يذهب لإصلاح حذائه.

بعد أيام لم يعد ينتظر أحدًا ليأتى إليه، لا سيما أن أغلب الطباخين والجرسونات والعمال قد غابوا، إنما ينظر إلى قدمى أى شخص يمر، أو إلى هندامه، كى يعرف من فيهم سيذهب لإصلاح حذائه، ومن بوسعه أن يقدر على أسعار محل الملابس الذى يليه.

بمرور الوقت صار خبيرًا فى تصنيف القادمين إلى ثلاثة فئات: الذاهبون لإصلاح أحذيتهم، ومن يتوجهون لشراء ملابس جديدة، والمتسكعون الذين يتوهم حين يراهم متمهلين أنهم سيدخلون إلى المطعم، لكنهم يكتفون بمطالعة النصبة المطروحة خلف زجاج شفاف، وقائمة المأكولات وأسعارها، ثم يعطون كل هذا ظهورهم، وينصرفون بعيدًا.

حين أدرك أن استمرار باب المطعم مفتوح يعنى نزيفًا لما تبقى لديه من مال، قرر إغلاقه. فى اليوم الأخير لاحظ أن شخصًا فى منتصف العمر يرتدى بدلة سوداء أنيقة، يتقدم إلى المطعم فى لهفة، وخلفه شباب كثر، غلبه النظر إلى بطونهم، لعلها خاوية، ورآهم يهلون عليه، فتهللت أساريره. دخل كبيرهم إلى المطعم، وهم خلفه، فظن أن الكبير قد عزم تابعيه على الغداء، فقال لنفسه: ـ أخيرًا، دارت العجلة.

دخل كبيرهم فوقف صاحب المطعم له، ولمحت عيناه ملفًا فى يده مكتوبًا عليه:

«الأنثربولوجيا الاجتماعية».

لم يفهم شيئًا، بل كتم ضحكه، فما يهمه فى هذه اللحظة أن يجلس هذا الرجل البدين، البادية عليه آثار النعمة، وينظر قليلًا فى قائمة الطعام، ثم يطلب، لنفسه، ومن معه، ما يريد.

لم يطل الوقت كى تتحقق أمنيته، فقد جلس الرجل، وتحلق حوله الشباب، ثم رفع إصبعه، فجرى الجرسون إليه، ومال برأسه، وأعطاه أذنه، وصار خده الأيسر لوحة يُقرأ عليها كل شىء، انقباض فانبساط، فتراخ، ثم حيرة، وجمود، بعدها رفع الرجل هامته، وأشار إليهم إلى حيث يجلس صاحب المطعم، فتزحزح إليه كبيرهم، وتبعه من معه.

سعل قليلًا، وبصق فى منديل ورقى خفيف، كان حريصًا على أن يلقيه فى سلة مهملات تحت الطاولة، ثم سأل، بعد شرح لم يطل، وهو ينظر فى أوراقه، ويقرأ:

ـ هناك عيون تًشترى أو تؤجر، وتتغير أنشطتها، لكنها تفشل، مهما بذل أصحابها من جهد فى سبيل النجاح، فيخسر من اشتراها أو قام بتأجيرها، ويحتار الناس فى التفسير، فنسمع أشياء بعضها علمى وبعضها خرافى، ولا يحسم أحد الأمر.

تطلع إليه صاحب المطعم صامتًا، وفى عينيه تعجب، فواصل: جئنا إليك لأنك صاحب تجربة مهمة، فالمحل الذى صار مطعمك أنت مالكه، تعاقبت عليه أنشطة كثيرة، لا أتذكرها عددها الآن، من كثرتها.. يا ترى ما السبب فى رأى حضرتك؟.

وقتها لم ير صاحب المطعم أى شىء حوله، ضاعت من عينيه قوائم الطعام، واللافتات الملونة الموضوعة أمام النصبة، وخلفها كل الطباخين المتكاسلين، والجرسونات الذين ينتظرون لهم عملًا، ثم قال:

ـ ليست لدى إجابة.

نظر إليه الكبير بين تلاميذه وقال:

ـ أرجوك، لا تتعامل مع الأمر بخفة، هذا بحث نجريه لحساب الجامعة، وسيفيد المجتمع.

قهقه وسعل، حتى اهتزت المفارش حوله، وامتصت بعض دموعه التى حبسها، وسمعه ما تبقى من الطباخين والجرسونات، وهو يجيب فى ثقة:

لو كنت أعرف ما خسرت مالى.

وحين قام معتذرًا عن عدم استكمال المقابلة، كان قد عرف من محدثيه أن هناك عيونًا كثيرة فى البلد، تمر بالحال نفسه، وأهلها خسروا الكثير من أموالهم، دون أن يعرفوا سببًا واضحًا لهذا.

انصرفوا، وتركوه بين جلوس وقيام، لا يعرف إن كان هؤلاء قد واسوه، دون أن يدروا، أم دقوا المسمار الأخير فى نعش أوهامه.

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«عين الشؤم» قصة قصيرة «عين الشؤم» قصة قصيرة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab