«رحلة الضباع» 22

«رحلة الضباع» (2-2)

«رحلة الضباع» (2-2)

 العرب اليوم -

«رحلة الضباع» 22

عمار علي حسن

فى رواية «رحلة الضباع» للدكتورة سهير المصادفة، يعترف الزوج نفسه باكتمال زوجته، فها هو يقول: «عام وأنا أحاول اتخاذ قرار بتركها، ولا أجد ثغرة واحدة فى هذه المرأة لتنفيذ قرارى. أقوم كل يوم بتأليف سيناريوهات جديدة تنهار جميعها أمام هدوئها وحبها اللامحدود.. أعود من الجريدة فأجد بيتى نظيفاً وغذائى جاهزاً، وهى فى قمة الأناقة تنتظرنى كعادتها فى لهفة».

وفى ثنايا الرواية نكتشف أن هذه الرؤية المتخلفة للمرأة التى تُعشش فى رأس الزوج لا تعود إلى مقته لزوجته أو غبنه من عقمها إنما تنبع من رؤيته الرجعية لكثير من الأمور، منها مثلاً تلك التى يعتقد فيها أن كتابة الأدب شىء لا يليق بالرجال، إذ يقول: «كنت عندما أمر على محررى صفحة الأدب، ويعرفوننى إلى شاعر أو روائى أسلم عليه بكل احترام لكننى فى الحقيقة بينى وبين نفسى كنت أشعر بغثيان ليس له حدود. لم أستسغ أبداً فكرة أنها وظيفة مناسبة لرجل.. رجل يجلس على مؤخرته طوال اليوم ليكتب قصصاً وحكايات! لا أدرى من أين أتتنى فكرة أن الرجل لا يناسبه كل هذا القدر من التأمل والكسل، ربما أستسيغ أن يكتب فلسفة أو فكراً أو كتاباً سياسياً أو فى علم اللاهوت والأكثر كتاباً علمياً، ولكن رواية أو قصة، طالما سخرت بينى وبين نفسى من هذه الفكرة».

وتحفل الرواية بلغة شاعرية فى كثير من المواضع، لأن كاتبتها شاعرة أيضاً، وهى مسألة نجدها فى كثير من العبارات مثل: «شعرها المبعثر على الوسادة كشلال من خيوط سوداء حريرية».. «أدوسها كما السجادة».. «قرأت صمتها».. «لا يقطعها إلا لهاث جدتى ومحاولة ابتلاعها لهواء الغرفة كله حتى تستطيع إكمالها».. «كانت رؤاى قد امتلأت عن آخرها بأظلاف الضباع ومناقير النسور وأظفارها وسماوات تمطر جماجم فوق رأسى».. «تتعاقب على روحى الهشّة شموس الله وأقماره».. إلخ.

وتزداد هذه الغنائية مع الحكاية القديمة التى تكتبها البطلة، حتى تحفظ وصية الجدات المتعاقبات عبر قرون طويلة، تكتبها لأنها عقيم، وبالتالى ليس بوسعها أن تنقلها شفاهة قبل موتها بأيام إلى حفيدتها من ابنتها كما تؤكد الوصية. وتبدأ هذه الغنائية بعبارة دالة تقول: «لا أتذكر أين أو ممن استمعت إلى هذه الحكاية يا بنتى. ولكنها ظلت تتردد فى أذنى وأنا أمتطى الأتان التى سرقتها من حوش بنى جحش، وأحاول المحافظة على مسيرة الشاة خلفى. تلك التى ربطتها فى عنق الأتان، حتى لا تهرب منى فأحرم من لبنها الذى قررت أن يكون زادى الوحيد طوال رحلتى، بالإضافة إلى ما سأجده من تمرات فى طريقى».

هذه الحكاية القديمة لا تجب الزمن الجديد للرواية، والذى يدور قبل ثورة يناير بقليل، ويستمر حتى وقوعها، ويتعمّق قبلها سنوات يستدل عليها من النقاش الدائر فى صحيفة «أندلسية» حول مستقبل الصحافة الورقية، ورئيس التحرير الفاسد الذى يكتب له محرروه، والكتّاب الذين هجروا الصحف إلى التليفزيون، لكن الكاتبة تعود عبر تتبُّع ماضى أبطالها إلى لحظات زمانية أبعد، يطوقها سياق اجتماعى وسياسى مقبض.

وتستخدم الكاتبة تقنيات عديدة فى نسخ خيوط روايتها، فهناك حكاية أساسية، هى العمود الفقرى للسرد، تتناثر على جنبيها حكايات صغيرة، تتوالد وتتناسل، لكنها لا تشذ عن الحدث الأصلى، ولا تشكل عبئاً عليه أو حمولات زائدة فوقه، إنما تعمّق مجراه وتعزّز مساره، وسط مجاراة لقانون «تداعى المعانى» والتنقل الحر عبر الأزمنة، والتبادل بين الشاعرية والتقريرية، لنجد أنفسنا فى النهاية أمام عمل روائى مميز، يضاف إلى رواية سهير المصادفة اللافتة «لهو الأبالسة».

arabstoday

GMT 09:43 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 09:42 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

GMT 09:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

سيناء فى عين الإعصار الإقليمى

GMT 09:39 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

متى يخرج السيتى من هذا البرميل؟!

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 09:35 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 09:33 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 09:30 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«رحلة الضباع» 22 «رحلة الضباع» 22



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab