البعد الخارجي لـ«الإسلام السياسي»

البعد الخارجي لـ«الإسلام السياسي»

البعد الخارجي لـ«الإسلام السياسي»

 العرب اليوم -

البعد الخارجي لـ«الإسلام السياسي»

عمار علي حسن

لا يرتبط مسار ومصير الجماعات الدينية السياسية بقدراتها الذاتية التى تُمكنها من تعبئة قطاعات جماهيرية حول خطابها وتصوراتها وممارساتها فحسب، إنما يتفاعل ويتشاكل مع التحولات المتعلقة بالسياق الاجتماعى والسياسى الذى تعيش فيه، وكذلك التطورات الإقليمية التى تتوالى بلا هوادة. وقد قرأت مؤخراً كتاباً عالج هذه النقطة باستفاضة وهو كتاب «السراب» للدكتور جمال سند السويدى، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث والاستراتيجية وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات، الذى رصد هذه الأبعاد الثلاثية، الذاتية والمحلية والإقليمية، فى تأثيرها على حاضر ومستقبل ما يطلق عليه جوازاً «الإسلام السياسى»، وذلك من عدة زوايا، يمكن أن نرصدها فى هذا الكتاب على النحو التالى:

1- لم تنبع أفكار هذه الجماعات من بيئتها المحلية فحسب، بل جاءتها من خارجها أيضاً، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تأثر سيد قطب، لا سيما فى كتابه المثير للجدل «معالم فى الطريق» بتجربة الصراع بين المسلمين والهندوس فى الهند، التى بانت ملامحها بشدة فى كتابات أبوالأعلى المودودى وأبوالحسن الندوى، التى تمت ترجمتها إلى اللغة العربية، وأعاد قطب إنتاجها فى حديثه عن «الحاكمية» و«الخلافة» والصراع مع الآخر، سواء كان من المسلمين الذين لا يتبنون مشروع الجماعات التى تتوسل بالدين فى سبيل تحصيل السلطة، أو من أتباع الديانات الأخرى الذين يعيشون فى بلاد المسلمين، أو يشاركهم مسلمون فى العيش داخل الدولة، وكذلك العالم الخارجى، الذى فرضت هذه الكتابات ضرورة الصراع معه، فى ظل إيمانها بأن العالم منقسم إلى فسطاطين أو معسكرين: «دار الإسلام» و«دار الحرب». فى المقابل فإن الأفكار التى ناهضت هذا التيار وأنتجها فقهاء مستنيرون أو مفكرون مدنيون يساريون وليبراليون ساحت فى الزمان والمكان وانتقلت من بلد إلى آخر، واستلهمها مثقفون وهم يتبنون رؤية مقاومة للجماعات الدينية السياسية بشتى أصنافها.

2- لا يمكن أن نفصل منشأ هذه الحركات التى تروم السلطة باستعمال الإسلام عن تطورات إقليمية ودولية ارتبطت بسقوط الإمبراطورية العثمانية التى كانت تتعامل معها الجماعات الدينية المسيَّسة على أنها «خلافة» واجب الحفاظ عليها والدفاع عنها واستعادتها. فجماعة الإخوان التى بدأت هذه المسيرة فى عام 1928، وانحدرت منها ونشأت على ضفافها جماعات متطرفة شتى، حددت ضمن أهدافها، صراحة وبلا مواربة، استعادة «الخلافة» التى سقطت على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1924، بعد أن بلغ ضعفها مداه، وصارت «رجل أوروبا المريض».

3- تأثرت هذه الجماعات بحالة الصراع الإقليمى الذى ساد العالم العربى فى خمسينات وستينات القرن العشرين، التى أطلق عليها «الحرب العربية الباردة» والتى قامت بالأساس على التنافس الحاد بين المشروع القومى لجمال عبدالناصر والمشروع المجابه الذى تزعمته المملكة العربية السعودية. فقد استفادت جماعة الإخوان من هذا الخلاف، حيث وجدت ملاذاً لها فى المملكة وبعض دول الخليج، واستمر هذا الملاذ بعد ما جرى للجماعة على يد نظام حافظ الأسد عام 1981. وخلال هذه الفترة تمكن الإخوان من بناء شبكات وفروع لهم فى بلدان الخليج، ونشأ تنظيم «السروريون» فى السعودية الذى يقف فى منطقة وسطى، فكراً وممارسة، بين السلفيين والإخوان، عبر مسار تحايلى، حيث تم استغلال الظرف التاريخى المشار إليه ليصنع لنفسه شبكة اجتماعية، ويحظى بمشروعية الوجود والعمل والانتشار.

4- تمكنت الجماعات والتنظيمات الدينية السياسية من بناء شبكة من العلاقات مع العالم الخارجى، لا سيما الدول الغربية، بلغت حداً عميقاً وواسعاً إلى درجة أن الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، رأى منذ نحو عشر سنوات، ولا تزال رؤيته تلك سارية، أنه يمكن الاعتماد على ما يعتبرها «الجماعات الإسلامية المعتدلة» فى مواجهة الجماعات التكفيرية والإرهابية فى العالم الإسلامى، وتصاعدت هذه الرؤية تدريجياً بعد ثلاث سنوات تقريباً من أحدث 11 سبتمبر 2001. وهناك دراسات ووثائق وتصورات وتصريحات تبرهن على هذا المسلك، الذى لم يقُم فقط على قدرة الجماعات الدينية المسيسة على تسويق نفسها لدى الغرب وطمأنته على مصالحه بل أيضاً على تقدير وترجيح لدى الغرب نفسه بعضها قام على تصورات مفادها أن «الإسلاميين» هم البديل الأقرب للوصول إلى السلطة حال سقوط أنظمة الحكم القائمة.

5- لا يقتصر مشروع هذه الجماعات على مجتمعاتها المحلية، فالإخوان يتحدثون عن «أستاذية العالم» متدرجين مما يسمونه تكوين الفرد المسلم، ثم الأسرة المسلمة، وهى عندهم الأسرة التنظيمية الإخوانية، ثم المجتمع المسلم، وصولاً إلى أممية ينعتونها بالأستاذية للبشرية جمعاء. وتمضى بقية الجماعات على المنوال نفسه، إذ تنزع إلى أممية باسم «الخلافة»، كما سبق الذكر.

6- صارت بعض هذه الجماعات فى أفكارها وتنظيماتها وتمويلها وأهدافها عابرة للحدود، وتسعى إلى تشبيك العلاقة بين فروعها وجماعاتها الصغيرة فى أكثر من دولة.

 

arabstoday

GMT 06:52 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

صفحة جديدة

GMT 06:44 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

قضايا انتخابية 2024

GMT 06:39 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

مرونة أم تنازل؟!

GMT 06:33 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

فؤاد المهندس أستاذ الكوميديا

GMT 06:24 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

كفاية من تجريب المجرب

GMT 06:18 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

... عن «الاسم» والكفاءة في مواجهة إسرائيل

GMT 06:14 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

العبودي... الشاهد والشهادة والسوشيال ميديا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البعد الخارجي لـ«الإسلام السياسي» البعد الخارجي لـ«الإسلام السياسي»



النجمات العرب يتألقن أثناء مشاركتهن في فعاليات مهرجان فينيسيا

فينيسيا ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - أشهر الجزر السياحية في فينيسيا لقضاء عطلة ممتعة
 العرب اليوم - إستخدام اللون الفيروزي في ديكور المنزل المودرن

GMT 05:16 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

نخر الأنف قد يساهم في خطر الإصابة بمرض ألزهايمر

GMT 07:57 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

ما قبل الصناديق

GMT 18:31 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

وفاة مدرب فرانكفورت في حادث سير

GMT 06:56 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

الجيش الإيراني... الحسابات والأخطاء التقديرية

GMT 14:07 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

انتشار واسع لـ حمى غرب النيل في أوروبا

GMT 14:09 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 40878 شهيدا و94454 إصابة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab