الصورة الأخيرة  31

الصورة الأخيرة " 3-1"

الصورة الأخيرة " 3-1"

 العرب اليوم -

الصورة الأخيرة  31

عمار علي حسن

فى تدفقه المتواصل، يذهب الزمان بملايين الكتب وبلايين الوجوه التى مرت على الدنيا، ومعها كل الصور التى تجلت للعيون فى لحظات المسرات والأوجاع، لكن الناس ليس بوسعهم أن ينسوا أو يهملوا صوراً خاطفة، لم يأت اختطافها ولن يأتى على عمقها وأصالتها وديمومتها واختزالها لكلمات لا حد لها.

وكثير من الشخصيات البارزة فى تاريخ الإنسانية أسهمت الصورة الأخيرة فى صناعة مآثرهم، أو أضافت إليهم، أو خففت من غلواء نقدهم وجلدهم، وغفرت لهم بعض أخطائهم وخطاياهم. وربما لو انتهت حياتهم من دون هذه الصورة الفارقة لنقص الكثير من قدرهم ودورهم التاريخى المشهود له، ولما جنوا من حياتهم المديدة سوى اللعنات القاسية.

فالصورة الأخيرة للثائر الأرجنتينى تشى جيفارا أسهمت فى تخليد ذكراه؛ لما انطوت عليه من تحدّ كبير لمن قتلوه، ولما رمت إليه من نظرة إلى البعيد، كأنها تقول إن ما أؤمن به سيظل قائماً والثورة ضد الإمبريالية لن تنقضى بموتى، والثوار باقون ما دام هناك ظلم واستغلال. ولم تدرِ المخابرات الأمريكية أن هذه الصورة، التى سربتها لتلقى الروع فى قلوب كل من يؤمن بأفكار «جيفارا»، ستؤدى إلى نتيجة مغايرة تماماً، وأن عينيه المنبلجتين فى موت محقق ستصبح أيقونة لعشرات الملايين فى العالم، وستجعل من صاحبها لوحة خالدة على جدران بيوت ومنازل فى القارات الست.

والصورة الأخيرة لياسر عرفات اختزلت كل فصول حياته المترعة بالشقاء والكفاح. فالرجل ظهر هزيلاً متآكلاً وهو يصعد سلم الطائرة الأردنية التى أقلته إلى عمان ومنها إلى باريس حيث فاضت روحه. كان متعباً إلى أقصى حد، وقبل أن يدلف إلى داخل الطائرة، التفت ولوح لمودعيه بيد مرتعشة، لكن بعينين مملوءتين بالأمل والثقة، وبدت ثيابه وغطاء رأسه الرمادى وكأنها تعبير عن المرحلة التى وصلت إليها القضية الفلسطينية، إذ رحل عرفات والفلسطينيون فى منتصف الطريق، جاءوا من المنافى والشتات وأسسوا سلطة فى بعض أراضيهم، ودخلوا فى مقاومة مشهودة بلغت ذروتها فى انتفاضة الأقصى التى اندلعت عام 2000، لكنهم لم يتمكنوا بعد من أن يحولوا السواد إلى بياض كامل، بتحرير أرضهم وإعلان دولتهم المستقلة ذات السيادة.

وصورة عرفات تلك لم تعبر فقط عن القضية التى كرس حياته من أجلها، بل تجلى أيضاً جانباً من هذه الحياة نفسها. فعرفات، الذى قررت إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة التخلص منه، عاش حياة بسيطة متقشفة، فرغم أنه كان يضع يديه على أموال منظمة التحرير الفلسطينية فإنه لم ينزلق إلى رغد من عيش ينسيه طبيعة دوره ووضعه كرمز لقضية عادلة، فاكتفى بزى واحد، توزع على ثلاث بذلات لا أكثر، ونام فى مقره بالمقاطعة فى رام الله على سرير بسيط، وكانت طاولة الاجتماعات التى يلتقى عليها رفاقه صغيرة ورخيصة، لا تختلف عن كل المكان الضيق المتواضع الذى كان يعيش فيه. وجاءت الصورة الأخيرة لتؤكد هذا المعنى وذلك المسار الحياتى لعرفات، فغفرت له الكثير من أخطائه، ووضعته، لدى الشعوب العربية والإسلامية وكل الذين يدافعون عن الحقوق العادلة فى مشارق الأرض ومغاربها، فى مصاف المجاهدين والمناضلين العظام الذين عرفتهم الإنسانية فى عمرها المديد.

arabstoday

GMT 07:06 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 06:52 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أوروبا تواجه قرارات طاقة صعبة في نهاية عام 2024

GMT 06:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

هل هي حرب بلا نهاية؟

GMT 06:48 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب إسرائيل الجديدة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصورة الأخيرة  31 الصورة الأخيرة  31



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab