بلاغة الخطاب السياسى 12

بلاغة الخطاب السياسى (1-2)

بلاغة الخطاب السياسى (1-2)

 العرب اليوم -

بلاغة الخطاب السياسى 12

عمار علي حسن

«كثرة البلاغة قد تفسد الخطاب السياسى لكن القليل منها ضرورى»، هذه تقريباً هى خلاصة أى مراجعة دقيقة وأمينة لما أنتجته السلطة السياسية العربية على مدار قرون طويلة. ففى تاريخ العرب وغيرهم تأرجحت علاقة الأدب بالسياسة بين نقطتين، الأولى عمياء، والثانية مبصرة. وتدخل هذه العلاقة إلى جدران العمى، عندما يكون العنصر المهيمن على النص هو توصيل الرسالة السياسية، بينما تدخل الفضاء المبصر، حين تنطلق من إدراك أن العمل الأدبى هو ممارسة لغوية بالدرجة الأولى، حتى ولو كان يتناول موضوعاً يمس السياسة.

ومثلاً كان صدام حسين، الذى أقحم نفسه فى زمرة الروائيين خلال السنوات الأخيرة من حكمه، يقلب فى خطبه وكلماته، حتى فى الأوقات العصيبة المريرة، هذا التصور، فيمنح العمى للأدب، حين يستخدم لغته الخاصة فى أغراض تقف عند ذروة السياسة، وتحت سقف الحرب الطاحنة، ويمنع الإبصار عن السياسة، باستخدامه مفردات عتيقة، فى وقت كان فيه فى مسيس الحاجة إلى التواصل مع عالم خارجى، يراهن عليه فى أن يشكل رقماً ذا بال فى الحرب التى تدور رحاها على أرض بلاده.

فى الواقع لم يكن صدام هو الوحيد فى العالم العربى الذى يطوع «اللغة الأدبية» لخدمة مقاصده السياسية، فقد درج الخطاب السياسى العربى على هذا الأمر منذ زمن طويل. وربما لحظة البداية فى هذا الشأن هى تلك التى يرصدها كارل بروكلمان فى موسوعته «تاريخ الأدب العربى»، حين ترك أبوالطيب طاهر بن الحسين، مؤسس الدولة الطاهرية (ت 822 م) وصية سياسية لابنه عبدالله عندما عينه والياً على ديار ربيعة، مرصعة بالسجع والمحسنات البديعية. بل ما هو أقسى من ذلك نجد اللغة الأدبية حاضرة بشدة فى عملية صناعة القيم، التى تتبناها بعض المؤسسات التربوية فى العالم العربى حيث تقوم اللغة الخطابية، القائمة على لعبة الكلمات، بدور مركزى فى بنية الأهداف التربوية التى تجذّرها تلك المؤسسات، حين تعكف على تشكيل القيم الاجتماعية. فهذه الأهداف تحاط غالباً بهالة من الأناقة اللفظية والصخب اللغوى. فالسجع والموازنة والطباق والجناس والتلاعب بالكلمات والتكرار والغموض والإيحاء والعبارات المتراكبة هى السمات الأساسية، التى تظهر فى جوانب النصوص التربوية العربية، فى أغلبها. فتلك النصوص تخاطب العواطف والمشاعر أكثر مما تتجه إلى العقل والمنطق، أى إنها ذات طابع أدبى بالدرجة الأولى. وفى مثل هذا السياق تشكلت ذهنية صدام حسين، حين تربى فى مؤسسة «القبيلة» ومن بعدها «الحزب»، وكلاهما يرسخ قيماً تلبس، مهما كانت حمولاتها النظرية ومسالكها التطبيقية، ثوب البلاغة اللغوية، من خلال الموروث الشعرى عند القبيلة، والخلفية الأيديولوجية عند الحزب.

من هنا نجد فى حال رصد مفردات ألوان عديدة من الخطاب السياسى العربى أن المجاز أو الاستعارة تقع فى قلبه. فكثيراً ما يحرص الساسة على أن يضمنوا خطابهم، خاصة إذا كان موجهاً للجماهير العريضة، عبارات مفعمة بالبلاغة والتشبيهات، حتى يتسنى لهم تعبئة شعوبهم، خلف القضايا التى يتبناها النظام الحاكم. كما تبدو اللغة أداة طيعة، أو سلاحاً، فى يدهم حين يرغبون فى التلاعب بعقول هذه الجماهير وتضليلها، ولعل تحليلاً واحداً فقط من البيانات التى يلقيها بعض الساسة العرب تبين هذا بجلاء، إذ إنهم يحشون بياناتهم بلغة فوق لغة تحمل وعوداً لا يمكن لمسها وتصف واقعاً لا يوجد على الأرض، وتهرب من مواجهة الحقيقة بالتواء اللغة وفضائها المرسل، المشبع بأفعل التفضيل، والمجاز والاستعارات الملفقة.

 

 

arabstoday

GMT 01:46 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بائع الفستق

GMT 01:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

على هامش سؤال «النظام» و «المجتمع» في سوريّا

GMT 01:42 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

دمشق... مصافحات ومصارحات

GMT 01:40 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

السعودية وسوريا... التاريخ والواقع

GMT 01:38 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ورقة «الأقليات» في سوريا... ما لها وما عليها

GMT 01:36 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

امتحانات ترمب الصعبة

GMT 01:33 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تجربة بريطانية مثيرة للجدل في أوساط التعليم

GMT 01:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

موسم الكرز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بلاغة الخطاب السياسى 12 بلاغة الخطاب السياسى 12



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
 العرب اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
 العرب اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 07:49 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
 العرب اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab