حال المجتمع المدني 1  2

حال المجتمع المدني (1 - 2)

حال المجتمع المدني (1 - 2)

 العرب اليوم -

حال المجتمع المدني 1  2

عمار علي حسن

تتدرّج التحديات التى تواجه المجتمع المدنى المصرى، بدءاً من الصراع حول المصطلحات والمفاهيم، وانتهاءً بالتفاصيل الصغيرة المرتبطة بالعمل اليومى المفعم بالمشكلات متعددة الأشكال والصور، لا سيما مع محاولات السلطات المتعاقبة حصار المجتمع المدنى وتضييق الخناق عليه. وتتراكم هذه المشكلات، صغيرها وكبيرها، لتشكّل جداراً سميكاً يحول دون نمو مؤسسات المجتمع المدنى المصرى بالمستوى والدرجة التى يحتاجها واقع مثقل بأعباء ضخمة تتوزّع على كل مناحى الحياة تقريباً. إن مصطلح المجتمع المدنى لا يزال يواجه مشكلة استيعابه وهضمه ضمن منظومة المفاهيم التى تحكم رؤى قطاعات عريضة من النخبة والجماهير، على حد سواء. فأتباع بعض التيارات الإسلامية المتشدِّدة يرون فيه مصطلحاً وافداً مستورَداً مشبوهاً، قصد به التشويش على المؤسسات التقليدية للأمة الإسلامية التى تشكل المجتمع الأهلى المتجذّر فى تربتنا، والمتمكن من مجتمعاتنا إلى أقصى حد، والمتفرّغ للعمل الدؤوب من دون أن يثير حوله أى جعجعة فكرية وثقافية، أو تعنيه صراعات ومماحكات المثقفين والحقوقيين والنشطاء السياسيين حول المفاهيم والمصطلحات.

أما أتباع السلطة وبعض الإسلاميين والقوميين واليساريين فينظرون بعين الريبة إلى المجتمع المدنى بوصفه يشكل رأس حربة لمشروعات استعمارية غربية مستترة، من خلال تبنيه برامج عمل اجتماعية وسياسية، بعضها لا يلائم واقعنا، وبعضها لا يشكل مطالب ملحة للجماهير الغفيرة، وآخر يتعارض مع قيمنا ومعتقداتنا. ويتكئ هؤلاء فى اتهامهم هذا على ذرائع وحجج عديدة، منها همزات الوصل بين بعض المؤسسات الرسمية الغربية، وبين منظمات المجتمع المدنى المصرية، ومحتوى الأجندة التى تتبنّاها هذه المنظمات، وتفشى ثقافة الاسترزاق عند بعض القائمين عليها، الأمر الذى يجعلهم فى نظر منتقديهم أقرب إلى العملاء أو مخالب القطط، منهم إلى المناضلين الاجتماعيين، أو أصحاب الرسالات الثقافية والاجتماعية، الباحثين عن مجتمع أرقى وأفضل.

علاوة على ذلك، فهناك تداخل كبير بين بعض المؤسسات التى تصنّف على أنها مجتمع مدنى أو أهلى، وبين الهياكل الإدارية الرسمية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الطرق الصوفية فى مصر يمكن تصنيفها على أنها جزء لا يتجزّأ من المجتمع الأهلى، لكن فى الوقت ذاته يوجد حبل سُرى غليظ يربطها بالسلطة، ليس من زاوية استخدامها فى كسب الشرعية فقط، بل لوجود وزراء بحكم مناصبهم ضمن أعضاء المجلس الأعلى للطرق الصوفية، وهم وزراء الأوقاف والداخلية والإعلام والتنمية المحلية.

كما أن الكثير من الأحزاب السياسية المصرية لا تمارس دورها كأحزاب يُفترض أن تشكل بدائل للسلطة، بل ترتضى أن تعيش فى الهامش البارد، وتكون مجرد ديكور لإضفاء طابع ديمقراطى مزعوم على النظم السياسية. وفى ظل هذا التهميش تصبح تلك الأحزاب فى أقصى جهد لها، مجرد جزء من حركة المطالب التى تقوم بها مؤسسات المجتمع المدنى وغيرها، أو أن عدم قيام الأحزاب السياسية بأداء دورها على ما يرام، يُغرى قطاعاً من المجتمع المدنى بلعب دور سياسى، لملء الفراغ، أو تعويض الجهد الحزبى الغائب.

ويعانى المجتمع المدنى المصرى من جمود وتخلف كثير من الأطر القانونية التى تحكم عمله، رغم الضغوط التى يمارسها على الحكومات من أجل تحديث البنية القانونية والتشريعية، بما يُعزز دور المجتمع المدنى فى التنمية الاجتماعية والبشرية، فالحكومة استجابت جزئياً لهذه الضغوط، لكن حصاد هذه الاستجابة جاء ضعيفاً باهتاً مشحوناً بتحفّظات وقيود عدة، تُحد من حرية المنظمات غير الحكومية، وتجعلها عرضة للتدخلات الإدارية من قبَل السلطة، خاصة فى الجوانب الإجرائية المرتبطة بالتسجيل والإشهار، وحق الحكومة فى أغلب الجمعيات، والرقابة الصارمة على مصادر تمويلها، لأسباب أو ذرائع تصفها هذه الحكومات بأنها أمنية. وقبل ثورة يناير ضغطت الحكومة على مؤسسات التمويل فى بعض الأوقات من أجل توجيه جزء من أموالها إلى منظمات بعينها أو هيئات حكومية تعمل فى المجال الاجتماعى العام، وهذه المسألة قابلة للتكرار.

(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)

arabstoday

GMT 07:18 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

شريك المأوى

GMT 07:15 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

لا تنتخبوا مرشحي المال الأسود

GMT 07:12 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

“الكباريتي” رجل دولة من طراز مختلف

GMT 07:10 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

لماذا نشعر بالقلق أكثر من أى وقت مضى؟

GMT 06:57 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

يكسب دائمًا

GMT 06:52 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

صفحة جديدة

GMT 06:44 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

قضايا انتخابية 2024

GMT 06:39 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

مرونة أم تنازل؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حال المجتمع المدني 1  2 حال المجتمع المدني 1  2



النجمات العرب يتألقن أثناء مشاركتهن في فعاليات مهرجان فينيسيا

فينيسيا ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - أشهر الجزر السياحية في فينيسيا لقضاء عطلة ممتعة
 العرب اليوم - إستخدام اللون الفيروزي في ديكور المنزل المودرن

GMT 05:16 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

نخر الأنف قد يساهم في خطر الإصابة بمرض ألزهايمر

GMT 07:57 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

ما قبل الصناديق

GMT 18:31 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

وفاة مدرب فرانكفورت في حادث سير

GMT 06:56 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

الجيش الإيراني... الحسابات والأخطاء التقديرية

GMT 14:07 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

انتشار واسع لـ حمى غرب النيل في أوروبا

GMT 14:09 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 40878 شهيدا و94454 إصابة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab