حكايات «الغيطاني» الهائمة 22

حكايات «الغيطاني» الهائمة (2-2)

حكايات «الغيطاني» الهائمة (2-2)

 العرب اليوم -

حكايات «الغيطاني» الهائمة 22

عمار علي حسن

ونص جمال الغيطانى «حكايات هائمة»، الذى يتقلب راويه بين ضميرى «الأنا» و«الغائب»، يجسد هذا التنوع والتوزع بين القديم والجديد، فيأتى القديم من أحاديث منسوبة للرسول محمد (عليه الصلاة والسلام)، وقراءات تطل فيه وجوه الصوفى الكبير «ذوالنون المصرى» الذى توفى 245 هـ، وأخرى لـ«لاو تساو» صاحب «الطاوية»، وأشعار للمتنبى وعروة بن الورد، وأقوال الفرعونى تحوتى، والجاحظ، والإمام الشافعى، وابن عطاء الله السكندرى، ونظريات الاصطخرى فى الطير، والدينورى فى النبات، وعظات وحكم صينية وهندية قديمة، إلى جانب نقول عن كثيرين بتصرف، واستدعاء حالات صوفية عاشها غيره، ويأتى الجديد متمثلاً فى نثار من روائع الأدب العالمى والفلسفات المعاصرة، وتفسير سيجموند فرويد للأحلام، وأشعار الأبنودى، وخبرات الطفولة وحصاد الترحال.

لكن الجديد لا يقف عند حد الاستعانة والاستعارة، ولا التناص والاقتطاف، إنما يتجلى أساساً فى أمرين: الأول هو هضم القديم ثم إخراجه فى شكل جديد، يتماهى مع النص فى عمومه، أو يضيف إليه ويشرحه ويعمقه بمرور الصفحات والوقفات، والثانى هو النبش فى الذاكرة لاستدعاء خبرات الطفولة والشباب، وتأمل ما يجرى أمام عينى كاتب بلغ السبعين من عمره، فى حله وترحاله.

وقد يختلط القديم بالجديد كما فى «حكايات مراكشية»، حيث يستفيد «الغيطانى» من اهتمامه بعمارة الزمن الوسيط وآثاره، كما يختلط الواقعى حين يتحدث الكاتب عن رحلاته وقراءته بالعجائبى حين يتحدث عن الطير والشجر، ويصل ذروته فى تلك المقطوعة التى عنونها بـ«خبر» حين يقول: «جاء فى الجزء المفقود من كتاب النبات للدينورى، أنه يوجد شجر فى جزر الخالدات، إذا ضاجعه الإنسان يتأوه، ويغنج وينزل، ثم يحمل ويلد. أما من وصلوا إلى عمق ديار الهند، فقطعوا بوجود شجر إذا قطع ثمره المستدير، والذى يشبه رأس البشر، ينبت محله على الفور، وفى أقصى بلاد ما وراء النهر شجر إذا ذبلت واحدة منها ينكس سائر النوع أغصانه وفروعه لمدة أربعين يوماً حتى لو وجد فى الطرف الآخر من المعمورة».

تبدو «حكايات هائمة» من زاوية أخرى أشبه بأدب السيرة، التى لم يشأ «الغيطانى» أن يكتبها بطريقة مباشرة، إنما أراد أن يعرض لنا طرفاً من تجربته الحياتية وتأملاته وقراءاته وانحيازاته فى الحياة، ويطرح لنا بعض الأقوال والحكم والمأثورات التى أحبها، أو تلك التى تتماشى مع ما يريد أن يقوله أو يكتبه أو يضعه لافتة تعبر عنه، أو يوافق ويجارى خط السرد أو هدف النص الذى أنتجه.

وكل هذا لا ينفصل عن ذات الكاتب بل ينبع منه، ويدل عليه، ويشير إليه، ويتجاوز الحدود التى تمارسها ثقافة الأديب وتجربته والسياق الذى يحيط به على إبداعه الروائى والقصصى لتصل فى جوانب كثيرة منها إلى تعبير مباشر عن الكاتب نفسه، من البداية وحتى النهاية، وعما أدهشه وأمتعه فى الدنيا التى عاشها، فقسم كتابه على الطير والشجر والكتب والسفر وعالمى الغيب والشهادة. ومن الأجنحة والأغصان والصفحات والرحلات والتهويمات تطل معالم حياته، منذ أن تفتح وعيه على الدنيا وحتى اللحظة التى يفارقها.

فـ«الغيطانى» لا ينهى نصه دون أن يطرح تساؤلات يبدأها: «هل من هناك عندما أمضى إلى هناك؟ هل من جهة أسلكها عندما يبدأ تفرقى عنى أم أهيم إلى كل صوب؟ هل من مستقر أم سأتبع كل نسمة، وتحملنى كل ريح، وتنقلنى كل موجة إلى حيث لا أدرى؟»، ودون أن يستعين بآيتين قرآنيتين هما: «وحنانا من لدنا».. «ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت». وكأنه أراد هنا أن يؤكد أن الموت فقط هو الذى سيحول بينه وبين أن يطرح أسئلته ويبوح بمكنون نفسه، رغم أنه فى كل الأحوال لن يستطيع أن يفى بكل ما يريد، أو يجيب عن التساؤلات التى تستعر فى رأسه من البداية وإلى النهاية وهو ما يعبر عنه حين يقول: «ليس لى إلا طرح الأسئلة، وما دام النطق قد وقع فربما يجىء حين لا ألم به الآن، ولا أعلم عنه شيئاً، يتحقق باعث التوق، رغم أن كل ما قدرت على البوح به ظل وسيظل معلقاً».

arabstoday

GMT 07:18 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

شريك المأوى

GMT 07:15 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

لا تنتخبوا مرشحي المال الأسود

GMT 07:12 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

“الكباريتي” رجل دولة من طراز مختلف

GMT 07:10 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

لماذا نشعر بالقلق أكثر من أى وقت مضى؟

GMT 06:57 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

يكسب دائمًا

GMT 06:52 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

صفحة جديدة

GMT 06:44 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

قضايا انتخابية 2024

GMT 06:39 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

مرونة أم تنازل؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حكايات «الغيطاني» الهائمة 22 حكايات «الغيطاني» الهائمة 22



النجمات العرب يتألقن أثناء مشاركتهن في فعاليات مهرجان فينيسيا

فينيسيا ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - أشهر الجزر السياحية في فينيسيا لقضاء عطلة ممتعة
 العرب اليوم - إستخدام اللون الفيروزي في ديكور المنزل المودرن

GMT 05:16 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

نخر الأنف قد يساهم في خطر الإصابة بمرض ألزهايمر

GMT 07:57 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

ما قبل الصناديق

GMT 18:31 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

وفاة مدرب فرانكفورت في حادث سير

GMT 06:56 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

الجيش الإيراني... الحسابات والأخطاء التقديرية

GMT 14:07 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

انتشار واسع لـ حمى غرب النيل في أوروبا

GMT 14:09 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 40878 شهيدا و94454 إصابة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab