ذكرى «محمود درويش» 12

ذكرى «محمود درويش» (1-2)

ذكرى «محمود درويش» (1-2)

 العرب اليوم -

ذكرى «محمود درويش» 12

عمار علي حسن

فى التاسع من أغسطس سنة 2008 رحل الشاعر الكبير محمود درويش مكتملاً، وحط عن كتفيه وطنه المثخن بالجراح ودفاتر شعره المفعم بالألم والأمل. مر إلى محطته الأخيرة فوق جسر عريض يصل الأدب بالسياسة ويربط الحداثة بالقضية، وعلى جانبيه ترفرف أزهار شعره الفياض الأخاذ الموشّى ببلاغة آسرة وجمال بديع. وشاء الله أن يحط «درويش» رحاله الآن، قبل أن تراوده لعبة الفراغ أو يساوره شك فى أن الشعر الخالص يكون بالضرورة مجرداً من أى أثقال وأحمال والتزامات، وأن الشاعر الكبير هو الذى يسير إلى العالم فوق حطام الأطر العامة والسرديات الكبرى، داهساً بقدميه الأفكار والأوطان والقيم وكل حبل سرى يربط الفرد بجماعته، وأن الوصول للعالمية يتطلب فك الارتباط بمسار الماضى المشحون بحب عصافير الجليل، والجلوس فوق هامة جبل الكرمل، والذهاب إلى ما وراء البحار بعينين لا يرتد فيهما ظل العلم، وفم لا يعذبه النشيد، وأقدام لم يعفرها يوماً تراب الوطن.

ورغم أن «درويش» لم يسقط يوماً بشعره إلى هوة الدعاية الرخيصة، والوعظ البائس، والأيديولوجيات الجامدة التى تقتل أدبية الأدب وفنية الفن، فقد أخذ قبل شهر من رحيله يفكر فى أن يجرح الشريان الذى ربطه بالناس من المحيط إلى الخليج، وينزع بعض لبنات من الجدار الذى استندت إليه تجربته الشعرية كلها واستراحت، مدفوعاً بقنوط من المقاومة التى أغوتها السلطة، والسلطة التى استعبدها الفساد، والأخوين اللذين التقيا بسيفيهما. وقف «درويش» فى آخر أمسية أحياها بمدينة «إرل» الفرنسية ليعلن هجره السياسة ووصله الشعر، ناسياً أن الأولى كانت لديه المادة الخام التى أطلق فى أوصالها سحر اللغة، وفتنة الصورة، وطرب الموسيقى؛ ليصنع شعراً غير مسبوق فى تاريخ العرب المعاصر، منح صاحبه وظيفة حياتية، ونحت له دوراً ظاهراً، وأفسح لقدميه مكاناً مريحاً فى الزحام، حتى صار رمزاً مكتمل الملامح لوطن عصى على الاقتلاع والفناء، وخريطة تزهو فى الذاكرة وتصل الماء بالماء مهما تآكلت حدودها، وطمست معالمها. كاد «درويش» أن ينسى فى لحظة عابرة أن قلوب العرب استضافته واحتضنته وعقولهم قد عولت عليه بعد أن أنشدهم كلمات أقوى من القنابل، ودماً بوسعه أن ينتصر على السيف، وضحية تعذب الجلاد، وسجيناً أكثر سعادة من السجان. ولم يكن أحد بوسعه أن يغفر له لو خلع رداءه وذهب إلى العالم مجرداً من الحجر والكوفية والحصان والطريق، ولم يكن للذين رفعوه فوق أكتافهم حتى طاولت هامته السماء أن يتركوه قائماً لو أنه أشعل النار فى قصائده المكتوبة بالدم والعرق والغرين وزيت الزيتون، واستمع إلى من حاولوا إيهامه بأنه ضحية «القضية» وأن «فردوس الحداثة» لا يدخله إلا من ترك كل شىء وراء ظهره.

 

arabstoday

GMT 07:18 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

شريك المأوى

GMT 07:15 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

لا تنتخبوا مرشحي المال الأسود

GMT 07:12 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

“الكباريتي” رجل دولة من طراز مختلف

GMT 07:10 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

لماذا نشعر بالقلق أكثر من أى وقت مضى؟

GMT 06:57 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

يكسب دائمًا

GMT 06:52 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

صفحة جديدة

GMT 06:44 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

قضايا انتخابية 2024

GMT 06:39 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

مرونة أم تنازل؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكرى «محمود درويش» 12 ذكرى «محمود درويش» 12



النجمات العرب يتألقن أثناء مشاركتهن في فعاليات مهرجان فينيسيا

فينيسيا ـ العرب اليوم

GMT 00:15 2024 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

مناظر خلابة ورحلة استثنائية في جزر فينيسيا
 العرب اليوم - مناظر خلابة ورحلة استثنائية في جزر فينيسيا
 العرب اليوم - إستخدام اللون الفيروزي في ديكور المنزل المودرن

GMT 05:16 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

نخر الأنف قد يساهم في خطر الإصابة بمرض ألزهايمر

GMT 07:57 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

ما قبل الصناديق

GMT 18:31 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

وفاة مدرب فرانكفورت في حادث سير

GMT 06:56 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

الجيش الإيراني... الحسابات والأخطاء التقديرية

GMT 14:07 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

انتشار واسع لـ حمى غرب النيل في أوروبا

GMT 14:09 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 40878 شهيدا و94454 إصابة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab