سلطة الأدب 22

سلطة الأدب (2-2)

سلطة الأدب (2-2)

 العرب اليوم -

سلطة الأدب 22

عمار علي حسن

... ويرى الماركسيون الجدد New Marxists أن انغماس المثقف فى البناء العلوى المنظم من قبَل الدولة يُفقده استقلاله، ولا يصبح عضواً فى الطبقة الوسطى، بل مجرد أجير، ينتمى للبروليتاريا. وهناك اتجاه ثالث، يقوده كارل مانهايم، يرى أنه يمكن النظر للمثقفين باعتبارهم فئة بلا انتماء طبقى محدد، إذ إنهم يتشكلون من مختلف الطبقات الاجتماعية، ولذا فإن أفكارهم ليست نابعة من تحيز طبقى، كما هو الحال بالنسبة للعمال وأصحاب العمل. وهذا الوضع يمكّن المثقف من النظر للأمور بطريقة محايدة.

لكن بقدر ما يستمد الأدب جزءاً من سلطته من السلطة الاجتماعية للمثقف، فإن الأخير، وفى المقابل، يساهم أحياناً فى الحد، ليس من سلطة الأدب، فحسب، بل من سلطة المعرفة ذاتها، وذلك حين يتمكن السياسى من تدجين الأديب، واجداً ما يسمى بأدب السلطة. فالسياسى مهتم أساساً بالأدب المؤسسى، أو الرسمى، الذى يكرس ما هو قائم، وهو أدب المديح، كما يسمى فى تاريخ الأدب العربى؛ ليتحول الأديب إلى بوق إعلامى، ويفقد أى هامش من الحرية، مهما كان ضيقاً.

وهذا ما يمارسه الأديب المنصاع والانتهازى، والحالم بالسلطة، والسياسى الذى دخل لمجال الأدب عنوة، ليوظفه فى خدمة أغراضه السياسية. ولا يقتصر هذا الأمر على سياسيى الأنظمة المحافظة، بل يمتد إلى نمط الحكم الثورى، الذى يرى فى الأدب قوة من ضمن القوى الأخرى التى يجب أن توضع فى خدمته، ألا وهى قوة التحريض والترويض، قوة الإعلام التى تحرك الرأى العام وتوجهه. فالخطابة هى الجنس الأدبى الأقرب إلى ذوق الثوار، حيث إنها ذات تأثير مباشر فى الجماهير. والخطابة، فى طريقتها ومضمونها، ما هى إلا لغة أدبية ذات طبيعة شعرية من حيث اعتمادها على الاستعارة والكناية.

فى كل الأحول يتيح الأدب، بوصفه شكلاً للإنتاج الثقافى، أكثر من غيره للكتاب أن ينتقدوا الأوضاع القائمة دون أن يتركوا وراءهم دليلاً ملموساً يعرضهم للمساءلة أمام القوانين الكثيرة التى تسنها السلطة لحماية نفسها وتكريس وجودها والدفاع عن مصالحها المادية. ولذا سيظل أداة مهمة فى يد المثقفين فى مواجهة السلطة فى كل زمان ومكان.

لكن الأدباء ليسوا جبهة واحدة فى مواجهة السلطة، ومن ثم فإن إنتاجهم لا يمثل كله بالضرورة أداة لكبح جماحها، فمن بينهم من له مصالح اقتصادية واجتماعية يحرص عليها، ومن بينهم من يخشى على نفسه من بطش السلطان، ولذا فإنه يلجأ لتطبيع علاقته معه. وهنا يفرق الناقد الماركسى جورج لوكاتش بين ثلاثة أنواع من الأدب، تمثل دوائر متقاطعة فى الغالب، الأول أدب الدفاع عن النظام القائم وتقريظه. وهذا النوع يكون أحياناً معادياً للواقعية الأدبية معاداة صريحة، ويلبس أحياناً ثوباً واقعياً مزيفاً. والثانى أدب «الطليعة المزعومة»، وهو يبتعد عن النزعة الواقعية، ويحرص على تصفيتها، على الدوام. والثالث أدب «الواقعيين الكبار»، الذين يسبحون ضد تيار الأدب الذى تتبعه الفئتان المذكورتان آنفاً.

ولا يقتصر الأمر على أدب النخبة فقط، من شعر وقصة ومسرح، بل يتجلى بشكل أوضح فى الأدب الشعبى. فالمواويل والأمثال والسير والأغانى التى تجود بها القريحة الشعبية تمثل منفذاً للبسطاء ينتقدون منه الأوضاع الاجتماعية التى لا تروق لهم، ويسخرون من السلطة التى لا تعدل بينهم، ويحلمون بحياة أفضل من تلك التى يعيشونها.

arabstoday

GMT 09:48 2025 الخميس ,06 شباط / فبراير

عهد الفرصة السانحة يحتاج إلى حكومة صدمة!

GMT 09:45 2025 الخميس ,06 شباط / فبراير

السودان... حرب ضد المواطن

GMT 09:43 2025 الخميس ,06 شباط / فبراير

ثقة اللبنانيين ضمانة قيام الدولة المرتجاة!

GMT 09:41 2025 الخميس ,06 شباط / فبراير

البحث عن الهرم المفقود في سقارة

GMT 09:40 2025 الخميس ,06 شباط / فبراير

استراتيجية «ترمب ــ ماسك»

GMT 09:37 2025 الخميس ,06 شباط / فبراير

مع «بريندي» حول أسئلة الفوضى

GMT 09:35 2025 الخميس ,06 شباط / فبراير

ألا في الفتنةِ سقطوا (1)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سلطة الأدب 22 سلطة الأدب 22



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 18:44 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

السعودية تؤكد دعمها الثابت لقيام دولة فلسطينية
 العرب اليوم - السعودية تؤكد دعمها الثابت لقيام دولة فلسطينية

GMT 12:53 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

محمد هنيدي يخوض تجربة فنية جديدة في السعودية
 العرب اليوم - محمد هنيدي يخوض تجربة فنية جديدة في السعودية

GMT 02:54 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

انتشال جثث 39 شهيدًا من غزة بعد أشهر من الحرب

GMT 03:50 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الاتحاد الأوروبي يحاول تجنب حرب تجارية مع أميركا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab