شهادتي لملتقى الرواية العربية 13

شهادتي لملتقى الرواية العربية (1-3)

شهادتي لملتقى الرواية العربية (1-3)

 العرب اليوم -

شهادتي لملتقى الرواية العربية 13

عمار علي حسن

لا يزال يرن فى أذنى الصوت الشجى لأبى وهو يردد مقاطع من سيرة «بنى هلال» ونحن نكدح معاً فى الحقل تحت الشمس الحارقة. كنت أستوقفه ليحكى لى فلا يبخل علىّ، ووجدته يزيد على السيرة الهلالية بسرد حكايات «شاور وضرغام» و«على الزيبق» و«أدهم الشرقاوى» وقصص من «ألف ليلة وليلة». وسألته: من أين لك بكل هذا؟ فأخبرنى أن رجلاً فى قريتنا العزلاء المنسية أجاد القراءة والكتابة فى سن مبكرة، لكنه ترك المدرسة، وفتح مقهى صغيراً، وكان يجذب الزبائن بأن يقرأ عليهم كل ليلة صفحات من كتب السير التى اقتناها، ويقف عند نقطة مشوقة تدفعهم إلى ارتياد مقهاه فى الليلة التالية.

وخالتى، التى تكبرنى بسنوات قليلة، كانت مولعة بحكى ما سمعته من حكايات شعبية نتداولها فى الصعيد، فكنت ألح عليها بأن تقصص علىّ كل ما استقر فى عقلها ووجدانها، فجادت علىّ بكل ما لديها سعيدة بالبهجة التى تسكن عينى وأنا أتابعها فى صمت ولهفة، محاولاً أن أرسم صوراً لما تنطق به.

بعد سنوات اعتمدت على نفسى فتابعت بشغف «إذاعة الشعب» بانتظام، حيث يشدو شاعر الربابة «جابر أبوحسين» بسيرة بنى هلال، ونبشت فى جوال الكتب القديمة التى كان جدى لأمى، وهو بقال، يحضره كل شهر لصناعة قراطيس الشاى والسكر واللب والسودانى، فوجدت بعض ما يُقرأ، وللمصادفة كان أول كتاب قرأته وأنا فى العاشرة من عمرى عبارة عن رواية أجنبية مترجمة، منزوع غلافها وصفحتها الأولى التى تحمل اسم المؤلف وعنوان الرواية، لكننى لم أهتم إلا بالحكاية التى كانت كاملة.

فى مدرستى الابتدائية لم تكن هناك مكتبة، لكن حين التحقت بالمدرسة الإعدادية بقرية البرجاية، مركز المنيا، ذهبت إلى المكتبة فى أول أيامى بها، وكان أول ما استعرته منها هو سيرة «حمزة البهلوان»، وعلى ضخامتها قرأتها فى أسبوع من ولعى بها، ثم بدأت رحلة استعارة روايات كبار الكتّاب المصريين والعرب، حتى أننى قرأت لكثيرين منهم كل ما كتبوا تقريباً.

هكذا بدأت علاقتى بالرواية قارئاً، أما كاتباً، فلهذه قصة أخرى. فقد كنت معروفاً أيام الجامعة بين زملائى بأننى ممن ينظمون القصيد، عمودياً وحراً، ولا أزال أحتفظ فى أوراقى القديمة بقصائد بهتت حروفها، لكن لم تفارق وجدانى ومخيلتى، إذ سرعان ما انداحت فى أعمالى النثرية والسردية التى أحاول ألا أتخلى فيها عما منحنى الشعر إياه من ضرورة الولع بالبلاغة والجمال والمفارقة وصناعة الدهشة والقدرة على إطلاق الخيال والتخييل.

لكننى فهمت فيما بعد أننى كتبت الشعر فى السن التى يكتب فيها كثيرون شعراً ليعبروا عما يجيش بصدورهم ويجول بخواطرهم. فرغم أن ما قرضته كان يروق لزملائى فى الجامعة والمدينة الجامعية، فإننى لم ألبث أن انتقلت إلى السرد، وتمنيت أن يكون أول كتاب لى يظهر عليه اسمى هو رواية.

وكنت أستعيد طيلة الوقت نبوءة مدرس اللغة العربية فى الصف الثانى الإعدادى، حين قال لى: ستصير كاتباً، فحدد لى فى جملة قصيرة معالم طريقى.

أتذكر أنها كانت «حصة تعبير» وكان الموضوع الذى كلفنا به هو «نصر أكتوبر»، فكتبت ما طلبه منى وسلمته إياه كما فعل زملائى، فجاء بعد يومين ووزع الكراسات على الجميع ما عدانى. ثم نادى اسمى، فخرجت إليه. وقبل أن أنطق ببنت شفة فاجأنى غاضباً:

- افتح يديك.

وكانت العصا ترقص فى يمينه، لكننى سألته مندهشاً عن سبب عقابى، فقال:

- من كتب لك هذا الموضوع؟

أجبته: أنا.

لم يصدقنى، لكنه جارانى:

- نعم، أنت كتبته، لكن نقلته من أى مجلة أو صحيفة؟

أجبته فى ثقة: لم أنقله، بل كتبته.

نظر إلىّ مستغرباً وقال:

- كيف أصدقك؟

قلت له: يمكن لحضرتك أن تطلب منى كتابة أى موضوع تريده من الآن حتى نهاية الحصة، ثم تقارن بين الاثنين، فإن وجدت ما كتبته الآن ضعيفاً عما كتبته من قبل فساعتها أكون قد نقلته أو كتبه غيرى لى.

هز رأسه مبتسماً، وأزاح العصا جانباً، وقال:

- أنا صدقتك.

ثم أطلق نبوءته التى قيدنى بها، وظللت طيلة السنوات اللاحقة أدرس وأقرأ كل ما يدفعنى إلى أن أحقق ما بشرنى به، ولهذا اخترت أن أدخل القسم الأدبى فى الثانوية العامة، رغم أننى كنت أيضاً متفوقاً فى المواد العلمية البحتة.

(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى).

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شهادتي لملتقى الرواية العربية 13 شهادتي لملتقى الرواية العربية 13



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab